لم تستقر الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا بعد‏،وإن كانت حدة المواجهات المسلحة قد خفت حدتها كثيرا عن ذي قبل‏،إلا أن لعنة السلاح مازالت تعيق أي محاولة لإخراج البلاد من أزمتها،في ظل تواصل وجود الجماعات المسلحة التي تمارس أنشطتها الإجرامية مستغلة حالة الإنقسام وغياب سلطة الدولة والقانون.

آخر مشاهد إستمرار مسلسل العنف في ليبيا،جاء مع إعلان مؤسسة النفط، التابعة لحكومة الوفاق الوطني الليبية،عن اقتحام محطة تابعة لحقل الشرارة النفطي من قبل من وصفتهم بـ"مجموعة من المسلحين مجهولي الهوية".وذكر بيان المؤسسة،"أنه قد تم اقتحام المحطة رقم 186 التابعة لحقل الشرارة صباح اليوم الموافق 14 يوليو/تموز 2018، في تمام الساعة 06:30، من قبل مجموعة من المسلحين مجهولي الهوية، وتؤكد المؤسسة اختطاف أربعة موظفين من قبل المهاجمين ولكن تم إطلاق سراح اثنين منهم".

خسائر جديدة

وأضاف بيان المؤسسة التي تدير قطاع النفط في ليبيا ومقرّها طرابلس: إنّه "كإجراء احترازي، تم إغلاق آبار النفط في المناطق المجاورة، وإجلاء جميع العمال الآخرين"،مضيفا أنه "من المتوقع أن تبلغ خسائر الإنتاج 160 ألف برميل في اليوم".

وبدورها،نقلت وكالة "رويترز"عن مهندس في حقل الشرارة الليبي،قوله إن الإنتاج من الحقل انخفض لأقل من 100 ألف برميل يوميا بعد اختطاف اثنين من العاملين، مشيراً إلى أن إنتاج حقل الشرارة كان يتراوح من قبل بين 200 ألف و300 ألف برميل يوميا.

وتعرض  حقل الشرارة النفطي،في نوفمبر 2017، لحادثة مماثلة.حيث كشف حينها مصدر نفطي في تصريح خاص لبوابة أفريقيا الإخبارية، فضل عدم الإفصاح عن هويته بأن مجموعة مسلحة، قامت بالإعتداء على الموظفين، وقيدتهم وسرقة الهواتف الأرضية حتى لا يتمكنوا من طلب المساعدة، كما قامت بسرقة سيارتين من الحقل.كما خطف مسلحون مجهولون أربعة مهندسين يعملون بشركات تركية وألمانية المنفذة لمشروع محطة كهرباء أوباري غازي، وهم من جنسيات تركية وبينهم جنوب أفريقي يحمل الجنسية الألمانية.

أهمية الحقل 

ويعد الشرارة أكبر حقول النفط في ليبيا، إذ ينتج نحو 270 ألف برميل يوميا، ما يمثل أكثر من ربع الإنتاج الليبي من الخام، الذي وصل إلى مليون برميل يومياً في أغسطس (آب) الماضي.وتديره المؤسسة الوطنية للنفط الحقل بالشراكة مع شركات "أكاكوس"، و"ريبسول"، و"توتال"، و"أو إم في"، و"شتات أويل".

وعانى حقل الشرارة من إغلاقات متكررة منذ إعادة فتحه في ديسمبر2016، بعد إغلاق استمر عامين، وترجع الإغلاقات بشكل رئيسي إلى مشاكل أمنية ناتجة عن أنشطة لمجموعات مسلحة.وتسبب إغلاق جزئي لأسباب أمنية في أغسطس 2017،في انخفاض إنتاج الشرارة بنحو 130 ألف برميل يوميا على الأقل، حسبما قاله عمال في الحقل حينذاك.

وإنتاج حقل الشرارة مهم لإحياء إنتاج ليبيا من النفط، والذي ارتفع كثيرا على مدى السنة الأخيرة، لكنه تذبذب لأسباب من بينها إغلاقات ومعوقات للإنتاج في الحقول النفطية وخاصة حقل الشرارة النفطي العملاق بالبلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول. 

ردود فعل

وتنديدًا بعملية خطف العاملين من حقل الشرارة النفطي،أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط ومجالس الإدارات بالشركات التابعة لها ومنتسبو نقابات قطاع النفط ،تنظيم وقفة احتجاجية،الإثنين 16 يوليو 2018، أمام المقر الرئيسي للمؤسسة بطريق "السكة" في طرابلس.

ومن جهتها، أدانت شركة مليتة للنفط والغاز،في بيان لها على صحفتها الرسمية على "فيسبوك"،اختطاف العاملين في المحطة 186 بحقل الشرارة، مطالبة الجهة المسؤولة عن اختطافهم بإطلاق سراحهم فوراً ودون أية شروط.

وقالت الشركة،"إن هؤلاء المستخدمين يعتبرون طرفا محايدا وبعيدين كل البعد عن أية نزاعات سياسية أو عسكرية أو حزبية، فكل مستخدمي قطاع النفط والغاز في ليبيا سواء الليبيين أو الأجانب يعملون لكل الوطن، ومن أجل لقمة العيش الكريم، وبالتالي نرفض رفضاً قاطعاً خطفهم أو التعرض لهم أو اقحامهم في أي تجاذبات، لغرض الوصول إلى مطامع جهوية أو فردية.

وطالب البيان المؤسسة الوطنية للنفط وجهاز حرس المنشآت النفطية وكل المسؤولين والأعيان والخيَّرين بالتدخل الفوري والسريع لإطلاق سراح المخطوفين.وأكد أن هذه الأعمال غير المسؤولة تأتي في وقت عصيب جداً يتعرض فيه قطاع النفط والغاز في ليبيا لمحاولات كبيرة وكثيرة لإفشاله وتعثره لمصالح دول كبرى،مشيرا إلى أن هذا الهجوم وما تلاه من اختطاف وترويع للمستخدمين يصب في مصلحة أجندات أخرى، ويأتي ضد مصلحة الوطن والشعب.

خطوة إلى الخلف

ويأتي هذا الحادث عقب إعلان القائد العام للجيش الوطني الليبي، المشير خليفة حفتر، استئناف عمليات التصدير من موانئ الهلال النفطي، ملغيا قراره السابق بإغلاقها.وأعلنت المؤسسة الوطنية الليبية للنفط في طرابلس في وقت سابق، رفع حالة "القوة القاهرة" عن موانئ تصدير النفط في "راس لانوف، والسدرة، والزويتينة، والحريقة". وأكدت المؤسسة إعادة عمليات الإنتاج والتصدير إلى طبيعتها تدريجيا خلال الساعات المقبلة.

وبالرغم من المحاولات المتواصلة في ليبيا للنهوض بقطاع النفط الذي تسبب تراجعه في تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد،فإن إستمرار تردي الأوضاع الأمنية يعيد في كل مرة إرجاع الأمور إلى نقطة الصفر.وفي تقرير لها، مطلع نوفمبر 2017، أكدت شبكة "بلومبرغ" الأميركية، أن القتال المستمر على مدار ست سنوات في ليبيا كانت له خسائر فادحة على البلد الذي يقبع على قائمة الدول الأفريقية الأكبر من حيث احتياطات النفط، حيث يُمثل النفط مصدر الدخل الرئيس فيها.

ويواجه تعافي إنتاج النفط في ليبيا ضغوطاً أمنية تهدّد وعود الاستقرار وحياة أفضل للبلد العربي الذي تمزّقه الانقسامات. فوسط الأوضاع المضطربة التي تسود الوضع الليبي، وحالة الصراع المتواصل على أكثر من جبهة تتصاعد المخاوف من تعثر انتعاشة هذا القطاع الحيوي. ويرى مراقبون أن تحسُّن آفاق الاقتصاد بشكل أساسي مرهون بتحقيق تقدم في اجتياز المأزق السياسي الذي أحدث انقساما في البلاد، وعلى تحسن الأوضاع الأمنية.