يبدو أن السابقة التي سجلها مندوب ليبيا الأسبق في الأمم المتحدة عبدالرحمن شلقم، عندما دعى مجلس الأمن للتدخل العسكري في ليبيا وضرب القوات المسلحة العربية الليبية، في مارس 2011 لم تبقى حالة فريدة، فها هو اليوم يقدم "خلفه" المهدي المجربي، بنفس الطلب لذات المجلس، عندما أوعزت له حكومة الوفاق المنبثقة عن اتفاق الصخيرات بأن يرفع شكوى لدى مجلس الأمن ضد القوات المسلحة العربية الليبية بدعوى اعتراضها لطائرة مدنية تقل جرحى حرب، والتي تبين بأن من كان على متنها الفريق علي كنة، عائدا من طرابلس عقب قبوله لتكليف فائز السراج له آمرا لمنطقة سبها العسكرية.

وجاءت حادثة التعامل مع طائرة الخطوط الجوية العربية الليبية، من قبل سلاح الجو الليبي بعد يومين من إعلان غرفة العمليات الجوية منطقة الجنوب منطقة عمليات عسكرية يمنع فيها هبوط وإقلاع الطائرات إلا بإذن مسبق وبالتنسيق مع الغرفة، إلا أن الطائرة المعنية هبطت في مطار حقل الفيل النفطي يوم السبت دون أخذ إذن مسبق وهو ما دعى سلاح الجو بتوجيه طلقات تحذيرية بالقرب من المهبط ثم اقتياد الطائرة إلى قاعدة تمنهنت الجوية يوم الأحد عندما أقلعت في محاولة للعودة إلى طرابلس.

ومهما تكن تفاصيل هذه العملية التي وأن اختلفت الآراء حولها، وما أثارته من جدل، يبقى لا يذكر أمام ما أثارته ردة فعل المجلس الرئاسي الذي استنجد من فوره بمجلس الأمن وكأنه لايريد تكذيب من يتهمونه بامتلاك شرعيته من الخارج، عندما أوعز لوزارة الخارجية التابعة لحكومة الوفاق بمخاطبة مجلس الأمن ومطالبته بالتدخل وفتح تحقيق في الحادثة وغيرها من العمليات العسكرية في مناطق الجنوب، وهو ما قام به مندوب ليبيا بالأمم المتحدة بالفعل حيث وجه رسالة لمجلس الأمن معيدا بذلك المشهدية التي كان بطلها سلفه الأسبق "شلقم" الذي طلب من المجلس التدخل بدعوى "حماية المدنيين" آنذك، وهي الدعوة التي ترتب عليها إصدار القرارين 1970، 1973 تواليا واللذين مهدا لضرب ليبيا من قبل قوات الناتو الذي وجه القرارين من فرض حظر جوي إلى عملية عسكرية دامت زهاء ثمانية أشهر تحولت فيها مؤسسات البلاد كافة إلى أهداف عسكرية بدعوى حماية المدنيين.

واليوم يبدو أن المشهد بدأ يعيد نفسه من جديد وإن اختلفت التفاصيل والمستهدف المباشر، وتغيرت المواقع ففي الأولى كانت الذريعة إنقاذ بنغازي، فقد تكون الثانية إنقاذ أوباري أو مرزق ظاهريا، ولكنها ستكون حقيقة لضمان تدفق الزيت الأسود إلى الشمال وإن كان ثمن ذلك دماً ليبياً أحمراً.

وسيكتب التاريخ أن ليبيا هي البلد الوحيد الذي انتحر مرتين بفعل "طلب" مندوبيه للتدخل وضرب جيشه وتدمير مقدراته، من قبل مجلس الأمن، وسيبقى لليد الفرنسية دورها وإن اختلف في المرتين، وسيتردد طويلا بين الليبيين أن شلقم والمجربي، والمجلسين الانتقالي والرئاسي.. كانت أدوات انتحار ليبية.