تعيش ليبيا منذ إندلاع الأزمة في العام 2011،واقعا مشحونا،بين انسداد الأفق السياسي وتواصل التصعيد بين الفرقاء،وتردي الوضع الأمني على أراضيها.ورغم المحاولات المتكررة محليا ودوليا لانهاء الفوضى في البلاد،فإن تواصل ظهور العراقيل يوما بعد يوم يهدد بإبقاء الأزمة على حالها. وآخر هذه العراقيل،يكشف عنه تواصل أزمة إغلاق حقل الشرارة أحد أكبر حقول النفط في ليبيا،في ظل تعنت حكومي فاقم من  الغضب الشعبي ما يعقّد سبل حل الأزمة التي تعتبر تعثرا جديدا للاقتصاد الليبي الذي يعاني منذ سنوات من وضع صعب أثر بشكل كبير على حياة المواطن الليبي.

تحد جديد

وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، حالة القوة القاهرة على عمليات إنتاج النفط من حقل الشرارة النفطي الواقع جنوب ليبيا، إلى حين وضع ترتيبات أمنية بديلة، في خطوة تعتبر بمثابة تحد جديد من المؤسسة لـ"حراك فزان" بالجنوب، الذي أغلق حقل الشرارة النفطي منذ أكثر من أسبوع، احتجاجاً على عدم اهتمام السلطات بالمنطقة الجنوبية، وتجاهل توفير متطلباتهم الأساسية. وقالت المؤسسة الوطنية للنفط، في بيان نشرته،الثلاثاء 18 ديسمبر 2018، إنه "لن يتم استئناف عمليات إنتاج النفط في حقل الشرارة إلا بعد وضع ترتيبات أمنية بديلة، بسبب صعوبة العمل في الوضع الأمني الذي كان عليه الحقل قبل إغلاقه".

وكانت المؤسسة قد أعلنت حالة القوة القاهرة على صادرات الزاوية من النفط الخام الذي يتم إنتاجه في حقل الشرارة الأحد في التاسع من ديسمبر الجاري.  وفي تصريح صحفي، قال رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط،المهندس مصطفى صنع الله،" لقد تم وقف الإنتاج في حقل الشرارة قسرا من قبل مجموعة مسلحة – الكتيبة 30 و سرية الإسناد المدنية التابعة لها- الذين يزعمون قيامهم بتوفير الأمن في الحقل، في حين أنهم قاموا بتهديد موظفي المؤسسة باستعمال العنف".وأضاف:"من المؤكّد لنا أننا لا نستطيع العودة إلى العمل بالوضع الأمني الذي كنا فيه قبل إغلاق الحقل".

وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، الجمعة الماضي، إنها تعارض دفع فدية لجماعة مسلحة أوقفت الإنتاج في حقل الشرارة.وقال مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة في بيان على موقع الشركة على الإنترنت، إن "أي محاولة لدفع فدية للميليشيات المسلحة التي تغلق حقل الشرارة النفطي ستشكل سابقة خطيرة تهدد انتعاش الاقتصاد الليبي". وفيما يبدو، فإن المؤسسة تبدي مخاوف من أن تقديم أية مبالغ مالية للمهاجمين سوف يتسبب في تشجيع جماعات مسلحة أخرى على القيام بعمليات إغلاق أخرى في المستقبل للحصول على الأموال، مما قد يزيد من مخاطر اضطراب قطاع النفط بعد استقراره لأشهر عديدة.

شروط

وفي غضون ذلك، دخل المجلس الاجتماعي للطوارق على خط الأزمة بطرحه مبادرة مشروطة،لإنهاء إغلاق عناصر من "الكتيبة 30" (أغلب عناصرها من الطوارق)، منذ الأحد الماضي، حقل الشرارة النفطي في الجنوب. وتشترط المبادرة "اعتذار المسؤولين الذين أساءوا لإخوانهم في الوطن عما بدر منهم"، بالإضافة إلى "تعهد والتزام الجهات المعنية بحل مشكلة العاملين على حماية الحقل، والبدء في تنفيذ تنمية حقيقية في الجنوب، وإيقاف الإجراءات المتخذة بشأن من صدرت في حقهم متابعة قانونية".

وندد المجلس بتصريحات لرئيس المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، ونائب رئيس المجلس الرئاسي، أحمد معيتيق، قال إنهما اتهما فيها الطوارق بـ"الخيانة"، ووصفا المكلفين بحماية وحراسة الحقل بأنهم "ميليشيات". واستهجن مجلس الطوارق، في بيانه، أسلوب إغلاق الحقول النفطية أو أي مورد سيادي لكل الليبيين، كوسيلة ضغط للمطالبة بحقوق. ودعا إلى نقل الاعتصامات والاحتجاجات إلى مكانها الأنسب أمام مؤسسات الدولة.

ويعيش الجنوب الليبي شبه معزول عن الدولة بعد تقلّص تدخلها لمساعدة السكان في مواجهة صعوبة الحياة.،حيث يعاني هؤلاء من نقص الخدمات والتهجير القسري من مناطقهم، وهو الأمر الذي أدى إلى تزايد حدة الإحتجاجات وتصاعد الأصوات المطالبة برفع التهميش والإقصاء عن منطقة الجنوب.  وبدأ الحديث عن حراك غضب فزان مطلع أكتوبرالماضي، حينما بدأ منظموه في تنظيم الوقفات الاحتجاجية أمام حقل الشرارة النفطي ومرافقه وكان أكبرها،25 أكتوبر 2018، لمطالبة الحكومتين في ليبيا من أجل الالتفات لاحتياجات منطقة فزان من خدمات وتحسين الحالة الأمنية وغيرها في رسائل سموها تحذيرية أنذلك حيث هددوا بغلق تصدير النفط من الحقول في حالة عدم تلبية المطالب التي اعتبروها ملحة وغير قابلة للتنفيذ.

ومن أهم المطالب التي ينادي بها المنظمون هي توفير السيولة النقدية بالمصارف، والمحروقات والسلع التموينية المدعومة لسكان المنطقة، وتفعيل قرار مصفاة ومستودع فزان، وتوفير وظائف لأبناء فزان العاطلين عن العمل في قطاع النفط على غرار باقي المناطق، بالإضافة إلى استكمال مشروع محطة أوباري الغازية وصيانة محطات التوليد بأم الجداول وسمنو، وإعادة فتح مطارات الجنوب الغربي وتفعيل الحركة الجوية، وكذلك تحسين الخدمات الصحية.

خسائر وتهديدات 

وجرّاء هذا الإغلاق، تخسر ليبيا يوميا حوالي ثلث إنتاجها من النفط الذي ارتفع في الأشهر الأخيرة إلى أكثر من مليون برميل يوميا، كما يتكبد الاقتصاد الليبي خسائر يومية بقيمة 32.5 مليون دولار أميركي، حسب أرقام المؤسسة الوطنية للنفط، إذ ينتج حقل الشرارة النفطي 315 ألف برميل يوميا، بينما يبلغ إنتاج حقل الفيل الذي يعتمد بشكل أساسي على إمدادات الكهرباء من حقل الشرارة 73 ألف برميل يوميا. ويعتبر حقل الشرارة الأكبر في البلاد، وتبلغ طاقة إنتاجه 300 ألف برميل من النفط الخام يومياً، وتعرض لعمليات إغلاق متكررة، الأمر الذي تسبب في خسائر بملايين الدولارات للدولة الليبية.ويواجه قطاع النفط في ليبيا صعوبات نتيجة عدم استقرار عمليات الإنتاج بسبب الإغلاقات المتكررة لحقول وموانئ نفطية على خلفية تهديدات أمنية أو إضرابات عمالية.

وبالتزامن مع اشكاليات انتاج النفط في الجنوب،تتواصل المخاطر التي تهدد الموانئ النفطية،حيث دفع الجيش الليبي،السبت الماضي، بتعزيزات عسكرية إلى منطقة الهلال النفطي الاستراتيجية، لتعزيز التأمين، بعد رصد تحركات لجماعات إرهابية تخطط لمهاجمة الحقول النفطية الأكبر في ليبيا وأظهر مقطع فيديو نشرته الصفحات التابعة للجيش الليبي في موقع "فيسبوك"، عشرات السيارات والآليات العسكرية، تدخل منطقة "بونجيم" الواقعة جنوب غرب مدينة سرت، محمّلة بمختلف الأسلحة الثقيلة والمدفعية الصاروخية.

ومن جانبها، أكدت قوة حماية سرت التابعة لقوات البنيان المرصوص،السبت، في بيان، أنها رصدت تحركات جنوب المدينة، وأعلنت تبعا لذلك حالة الاستنفار القصوى، وبدء تسيير دوريات أمنية ثابتة ومتحركة من أجل ضبط الأوضاع في المنطقة القريبة من حقول الهلال النفطي. وتضم منطقة الهلال النفطي،المخزون الأكبر من النفط، إضافة إلى وجود أكبر ثلاثة مرافئ لشحن النفط في ليبيا.وتعرضت المنطقة لثلاث هجمات مسلحة، منذ أن تمكن الجيش الليبي من السيطرة عليها قبل عامين، قادتها مجموعات تابعة لإبراهيم الجضران، الذي أدرجه مجلس الأمن في قائمة عقوباته منتصف سبتمبر الماضي، أدّت إلى تخريب عدد من المنشآت النفطية ومقتل عشرات الأشخاص.