يبدو أن الأزمة الليبية لا تزال بعيدة عن حل تعقيداتها وتجاوز تأثيراتها التي تتصدرها الفوضى وغياب الاستقرار. فما إن تظهر انفراجة في أزمة حتى يلحقها انسداد في أزمة أخرى ضمن وضع يزداد تعقيدا في ظل تواصل حالة الانقسام السياسي التي تكرس غياب سلطة موحدة قادرة على إدارة البلاد.

آخر هذه الأزمات، تلك التي تأتي من الجنوب الليبي، الذي شهد مؤخرا احتجاجات كبيرة نتيجة لتردي الأوضاع الأمنية والمعيشية في منطقة يقول سكانها إنها منسية. واشتدت الأزمة مع إغلاق المحتجين لحقل الشرارة النفطي منتصف الأسبوع الماضي، الذي يعتبر الأكبر في البلاد. وتصاعدت عقب ذلك حدة التوتر وهو ما أثار مخاوف من خروج الأمور عن السيطرة.

رفض واتهام

ويكبد إغلاق حقلى الشرارة والفيل فى جنوب البلاد، خزينة الدولة الليبية خسائر تقدر بـ 32.5 مليون دولار يوميا بسبب الإغلاق الكامل للحقلين، وهو ما استنكره علي سيدي، نائب رئيس اتحاد بلديات الجنوب في ليبيا، خلال لقائه رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله.

وقالت المؤسسة الوطنية للنفط في بيان، الخميس، إن رئيسها مصطفى صنع الله، التقى نائب رئيس اتحاد بلديات الجنوب، وناقش معه أزمات الجنوب الليبي، وأوجه ضعف الحماية الأمنية، وبرامج الدعم المستدامة التي توفرها المؤسسة.

وأكد سيدي على رفضه لإغلاق حقل الشرارة، بقوله "مهما كانت الأسباب والدوافع، فإن أهل الجنوب لا يقبلون بمثل هذه التصرفات، التي وصفها بـ"المشينة ومن شأنها أن تعرقل عمليات الإنتاج، وتعيق جُهد المؤسسة ومساعيها الرامية إلى النهوض بالاقتصاد الوطني".

ونقلت المؤسسة عن صنع الله، في بيانها، رفضه القاطع لما سماه "العمل المشين بإغلاق الحقل، وتهديد العاملين به، خدمة لأغراض شخصية بعيدة كل البعد عن مصالح أهلنا في الجنوب"، وتعهد "بمواصلة العمل من أجل إعادة الاستقرار للاقتصاد الوطني وإحلال الأمن، وردع ومحاسبة كل من يحاول العبث بقوت الشعب الليبي والمساس به".

وقال صنع الله "نحن نساند أهلنا في الجنوب بالتنسيق مع شركاء المؤسسة، وعن طريق إدارة التنمية المستدامة، بتنفيذ الكثير من البرامج لدعم المناطق المحيطة بمواقعها".

وفي رسالة وجهها إلى رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، حذر رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله من مغبة دفع فدية للميليشيا المسلحة التي تغلق حقل شرارة النفطي.مشيرا إلى أن هذه الخطوة ستشكل سابقة خطيرة تهدد انتعاش الاقتصاد الليبي، وبدلا عن ذلك فيجب إنفاق هذه المبالغ المالية على الاستثمار في المجتمع المحلي، وفي توفير و تحسين الخدمات الأساسية للفئات المهمشة في الجنوب.

وأكد صنع الله: "إنّ دفع أي مبالغ مالية لهذه المليشيا لن يساهم بأي شكل من الأشكال بحلّ المشاكل التي يعاني منها الجنوب الليبي. حيث يتطلب ذلك وضع خطة عمل سريعة تعالج المشاكل الحقيقة وأوجه الحرمان الاقتصادي في الجنوب وفق تقييم دقيق لاحتياجات هذه المجتمعات، وليس كردّة فعل على التهديد أو الابتزاز".

من جهته، إتهم أحمد معيتيق، النائب الأول لرئيس المجلس الرئاسي، المحتجين ومن يوقف ضخ النفط في ليبيا بأنه "خائن لوطنه"، وجاء ذلك خلال احتفالية أُقيمت، الثلاثاء، لتأبين ضحايا الهجوم المسلح على مقر المؤسسة الوطنية للنفط في سبتمبر الماضي، الذي خلف عددًا من الشهداء والجرحى.

وأكد معيتيق، أن حكومة الوفاق وضعت دعم مؤسسة النفط في أولى اهتمامها حتى تتمكن من استعادة عافيتها ومكانتها في الصفوف الأولى في الاستثمار والإنتاج النفطي، مشيدًا في السياق نفسه بالكفاءات الليبية في هذا المضمار.وشدد على رفض حكومة الوفاق أي مجموعة مسلحة تدعي نفسها هي الوصي على الشعب الليبي، وتتحكم في مصدر دخله، وقال إن في هذا خيانة للوطن.

مطالب

وتستمر الاحتجاجات التي يقودها حراك "غضب فزان"، تنديدا بعدم اهتمام السلطات بالمنطقة الجنوبية، وتجاهل توفير متطلباتهم الأساسية، إلى جانب تدهور الحالة الأمنية التي نتج عنها كثرة حوادث الخطف وتفشي الجريمة

وأغلق محتجون من حراك "غضب فزان"، حقل الشرارة النفطي منتصف الأسبوع الماضي، الذي يعتبر الأكبر في البلاد، وأوقفوا العمل داخله بشكل كامل. وسبق وأمهل الحراك السلطات في البلاد أكثر من شهر لتحقيق مطالبهم، قبل الإقدام على إغلاق الحقل الذي هددوا بإقفاله منذ فترة

و"غضب فزان"، هو حراك مدني أطلقه شباب الجنوب الليبي، والذي قدم للسلطات مطالب خاصة بالمنطقة الجنوبية، تتعلق بضرورة توفير الأمن في المنطقة، وتأمين مخصصات فزان من الوقود، إضافة إلى إعادة تشغيل محطة أوباري البخارية لمنع انقطاع الكهرباء عن المنطقة.

ويعاني الجنوب الليبي من أزمات طاحنة وصراع قبلي يدوران بين بعض المكونات القبلية مثل، التبو وأولاد سليمان، مما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى خلال السنوات الأخيرة.كما إنتشرت العصابات الأجنبية والعناصر الإرهابية لتزيد من تأزيم الأوضاع في هذه المنطقة المهمشة.

وكانت قد اندلعت احتجاجات كبيرة في الجنوب الليبي في يوليو من العام 2017، بسبب عدم توافر الكهرباء والسيولة والوقود في المدن التي عانت على مدار أشهر من غياب مثل هذه الخدمات إضافة إلى انقطاع شبكة الاتصالات، ناهيك عن التوترات الأمنية.

وفي تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، قال عضو مجلس النواب، عبد السلام نصية، إنَّ الجنوب الليبي لا يحتاج إلى بيانات تضامن ووعود ولجان أزمة زائفة.مضيفا، أنَّ الجنوب الليبي بحاجة إلى حكومة تنتقل إليه وتعمل من وسطه بكل أجهزتها وتسخر كل إمكانياتها له أسوة بعملها في باقي مناطق ليبيا.

وأشار نصية، إلى أن الحل الجذري لِما يَحدث في الجنوب والشرق والغرب هو توحيد السلطة التنفيذية، والذي بدوره سوف يقود لتوحيد المؤسسات، وتحديد ميزانيات للبلديات لحل المختنقات السريعة وتهيئة البلاد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وبدوره، أكد عضو مجلس الدولة عبد الرحمن الشاطر أن احتجاجات أهالي الجنوب مشروعة.وقال الشاطر في تغريدة له بموقع تويتر، "من يجد من الساسة الشجاعة ويصرح بان احتجاجات اهلنا في الجنوب مشروعة عوضا عن التصريح بالخسارة الدولارية على الدولة".وأضاف "الخسائر المالية تعوض لكن خسارة مواطنين من حقهم التمتع بحياة هانئة هو الذي يجب ان يؤخذ بجدية".مؤكدا أن "الجنوب لم يتلق إلا كلام بلا مضومن".

مخاوف

ويستمر إغلاق حقل الشرارة النفطي الأكبر في ليبيا وسط توقعات بأن تمتد عملية الغلق لأيام أخرى.وقال الناشط بحراك "غضب فزان"، عادل عنديدي، لـ"العربية.نت"، "إنهم لم يجدوا أي طريقة أو حلا آخر للضغط على السلطات إلا عبر وقف ضخ النفط" هذه المرة، على التمسك بمطالبهم إلى حين تحقيق التنمية وتحسين الخدمات في جهتهم، وهو الأمر الذي سيستغرق وقتا طويلا، يجعل من عملية إغلاق الحقول النفطية ممتدة إلى وقت غير معلوم.

وينذر إستمرار إغلاق الحقل النفطي بخسائر جديدة، في وقت تحاول فيه البلاد استعادة إنتاجها من النفط وإحياء الاقتصاد.ودفع ذلك، بعثة الاتحاد الأوروبي ورؤساء بعثات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى ليبيا، للإعراب عن قلقهم العميق إزاء الوضع الأمني والاجتماعي الاقتصادي الراهن في جنوب البلاد.وعبرت البعثة الأوروبية في بيان مشترك عن قلقها بشكل خاص مما سيترتب على الإغلاق القسري لحقل الشرارة النفطي في جنوب غرب ليبيا من عرقلة الجهود الرامية إلى إنعاش الاقتصاد الليبي وتحسين الظروف المعيشية لجميع الليبيين.

وتخسر ليبيا يوميا حوالي ثلث إنتاجها من النفط الذي ارتفع في الأشهر الأخيرة إلى أكثر من مليون برميل يوميا، كما يتكبد الاقتصاد الليبي خسائر يومية بقيمة 32.5 مليون دولار أميركي، حسب أرقام المؤسسة الوطنية للنفط، إذ ينتج حقل الشرارة النفطي 315 ألف برميل يوميا، بينما يبلغ إنتاج حقل الفيل الذي يعتمد بشكل أساسي على إمدادات الكهرباء من حقل الشرارة 73 ألف برميل يوميا.

وتعافى الإنتاج النفطي في ليبيا خلال الأشهر الماضية ووصل إلى أعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات، غير أنه يتأثّر في كل مرة بعمليات الإغلاق المتكرّرة التي تنفذها الجماعات المسلحة، أو الناتجة عن الاحتجاجات الاجتماعية.ويرى مراقبون أن تحسُّن آفاق الاقتصاد بشكل أساسي مرهون بتحسن الأحوال الأمنية وتوحيد مؤسسات الدولة عبر تحقيق تقدم في اجتياز المأزق السياسي الذي أحدث انقساما في البلاد.