خلال أيام، ستدعو البعثة الأممية في ليبيا الى اجتماع يعقده ملتقى الحوار السياسي للحسم في آلية انتخاب رئيس للبلاد، بعد أن رحّلت إليه اللجنة القانونية المنبثقة عنه اتفاق المبادئ والقواعد الدستورية للانتخابات المقررة للرابع والعشرين من ديسمبر القادم، ودعته الى الحسم في الخلافات الحاصلة حول انتخاب رئيس الدولة وما إذا سيكون عن طريق الاقتراع الشعبي الحر والمباشر أو من قبل أعضاء مجلس النواب .
وقالت البعثة إن أعضاء اللجنة القانونية تعهدوا بتقديم تقريرهم النهائي حول المناقشات والنتائج التي تم التوصل إليها في اجتماعهم بتونس الأسبوع الماضي، إلى الجلسة العامة لملتقى الحوار السياسي الليبي للبت فيها،  ووعدت بأنها ستيسّر عقد اجتماع قريب لملتقى الحوار السياسي الليبي لمناقشة هذا التقرير وتدارس توصية اللجنة القانونية بشأن القاعدة الدستورية اللازمة لإجراء الانتخابات الوطنية في موعدها نقطة الخلاف في اجتماع تونس تمحورت بالأساس حول آلية إنتخاب رئيس الدولة، حيث دعا عدد من أعضاء اللجنة الى أن تكون من داخل البرلمان، وهو ما يطرح الكثير من نقاط الاستفهام، وخاصة حول ما إذا كان هذا الخيار جزءا من مخطط سري لتطبيق سياسة المغالبة، وخاصة من قبل القوى الفبرايرية الجهوية والإخوانية التي تعمل على استنساخ النموذج التونسي للعام 2011 ، بهدف ضمان السيطرة على المجلس النيابي القادم، وتجييره لتحديد معالم مستقبل البلاد من خلال « تفخيخ » النظام السياسي والدستور ، وفق حسابات حزبية وإيديولوجية تقفز على إرادة الشعب. 
وكانت تونس شهدت انتخاب المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011 بعد عزل القوى التي كانت تسيطر على المشهد السياسي قبل ذلك ، وتم انتخاب رئيس للدولة وهو المنصف المرزوقي ضمن توافقات تزعمتها حركة النهضة مع حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي للعمل والحريات المندثرين، حيث هيمنت على مقاليد الحكم، ودفعت بالبلاد الى اعتماد نظام سياسي هجين ودستور مثير للجدل، نتج عنه عقم واضح في كافة المجالات، وأزمة سياسية لا تزال مستفحلة الى اليوم.
ويعتمد إخوان ليبيا على تجربة نظرائهم في تونس، في السعي الى تشتيت الأطراف المقابلة، والتغلغل في مفاصل الدولة من خلال تهميش الدور الشعبي، والاكتفاء بالتوازنات داخل البرلمان للسيطرة على الحكومة، وتمرير دستور يخدم أجنداتها وفق نصوصها المفتوحة القابلة للتأويل بحسب المصلحة، والتغطية على ضعف الشرعية الشعبية والحضور داخل المجتمع بالتوافقات المبنية على توزيع الغنائم لا على المصالح الوطنية وينحو الإخوان في البلدين الى التركيز على النزاعات العقائدية والجهوية والمناطقية لفرض أجنداتهم، والى اللعب على فكرة احتكار الخطاب الثوري، بالإضافة الى تبني خيار اقتصادي يلائم مزاج الشركاء الغربيين، ورجال الأعمال في الداخل، ومحاولة إختراق المجتمع بالاعتماد على عنصر الزمن في استدراج الحالمين بالسلطة أو الراغبين في التدثر بغطائها لتحقيق أهدافهم وخدمة مصالحهم.
ويطمح إخوان ليبيا بالاشتراك مع قوى جهوية متنفذة في غرب البلاد الى إقصاء الأغلبية الساحقة من الشعب في اختيار رئيس للبلاد خلال الانتخابات القادمة، حتى يضمنوا عدم وصول شخصية لا تخدم مشروعهم ولا تتجاوب مع تطلعاتهم الى منصب الرئيس، سواء كان من رموز النظام السابق أو من الداعمين للجيش أو من القوى الوطنية المناهضة للاسلام السياسي.
وقالت عضو اللجنة القانونية آمال بوقعيقيص «كنا أغلبية تطلب انتخابات رئاسية مباشرة ولكن لأن منهجية العمل في اللجنة تعتمد التوافق وهذا لم يحدث بخصوص هذا البند حيث أصرّ بعض الأعضاء على مطلبهم بان تكون انتخابات رئاسية غير مباشرة لذلك قررنا إحالة هذا البند للملتقى».
وقال المتحدث العسكري بإسم  «عملية البنيان المرصوص» في مصراتة أحمد الروياتي أن الأعضاء الذين دعوا الى انتخاب الرئيس من قبل البرلمان هم مصباح دومة، أكرم جنين، عبد الرحمن السويحلي، عبد القادر حويلي، عبد الرزاق العرادي وعبد السلام شوهة.
 وتشير مصادر مطلعة الى وجود ضغوط أمريكية من أجل تنظيم الانتخابات في موعدها المحدد لديسمبر القادم ، وأن هذا الموعد لا تراجع عنه ، لكن أطرافا غربية ومنها واشنطن ولندن تدفعان نحو ضمان استمرار المرحلة الانتقالية القادمة تحت شعارات توافقية ، كما حدث في تونس ، وأن النموذج التونسي ، رغم العقبات التي يواجهها ، لا يزال يغطي على مسار العمل السياسي في ليبيا. وقال الروياتي  “أن ليبيا تعيش حالة مأسوية نتيجة انقسام الأجسام الموجودة، ولا شك أن انتخابات مستعجلة وغير مرتب لها ستكون غير نزيهة ولا شك أن الانتخابات في حالة الاستقطاب والعدائية الحادة لن تؤتي بالنتيجة المرجوة، أما الانتخابات القادمة ستعطي حالة من التركيبة الليبية وتركيبة الصراع ما بين تيار الكرامة والتيارات الاسلامية وتيار الثوار المدنيين وتيار الخضر الذين سيكونون شركاء بقوة المرة القادمة، ودخلوا في لجنة الـ 75 وشاركوا في تأسيس المرحلة التمهيدية، ولا شك أنهم سيدخلون الانتخابات، من الصعب تقدير انتصار تيار على آخر شخصيًا ارتضي بانتخابات حتى ببعض الشبهات من أجل ازالة الواقع السياسي الحالي الذي أزم المشهد”. وأضاف أن الوضع في ليبيا هش وفوضوي، وتتداخل الدول فيه وليس هناك قدرة كاملة للسيطرة على الانتخابات بالمعنى الحقيقي، ولا شك أنها ستتأثر أو تخترق بشكل أو بآخر، مشيرًا إلى أن هناك اختلافًا ما بين فكرة أن تصبح الانتخابات مخترقة بالكامل وأداة لتمرير مشروع بحد ذاته، وما بين فكرة الاقتناع بما ستأتي به الانتخابات وفق التقسيمة الموجودة في ليبيا. 
وقد اتجه الليبيون الى مواقع التواصل للتعبير عن رفضهم إقصاء الإرادة الشعبية عن إختيار رئيس لبلادهم ، فيما أوضح عضو مجلس النواب عبد السلام نصية إن «‏أي اقتراح أو محاولة لحرمان الشعب الليبي من اختبار رئيسه، هو محاولة لاستمرار الفوضى واللادولة» معتبرا أن «كل الحجج والمخاوف من انتخاب الرئيس مباشرةً من الشعب، هي حجج ومخاوف لاستمرار دولة الأشخاص والنهب والفوضى». 
ودعا رئيس المؤسسة الليبية للإعلام محمد بعيو المواطنين الليبيين للتمسك بانتخاب الرئيس مباشرة وعدم اتباع من عبثوا بالشعب لعشر سنوات ، وقال : «رئيس لا ينتخبه الشعب لن يكون رئيسا للدولة ولا رمزا للسيادة ولا خادما للشعب، بل سيكون خادماً لعصابة، ورمزا للعجز، وحارساً للفساد »  فيما أعرب الدكتور مالك أبو شهيوة، أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية، عن رفضه أي آلية لاختيار رئيس البلاد تحول دون الاقتراع الشعبي الحر والمباشر ، وقال أن الليبيين « يريدون انتخاب الرئيس بطريق الاقتراع العام السري الحر المباشر وبالأغلبية المطلقة لأصوات المقترعين، لذلك يجب علينا رفض أي آلية أخرى » وفق تعبيره. 
ويعتبر المتابعون للشأن الليبي أن خيار انتخاب رئيس للبلاد من داخل البرلمان في حال إقراره ، سيدفع نحو عرقلة السياسي وخارطة الطريق ، في ظل الحديث عن اندماج عدد من أطراف النزاع في العملية السياسية بعد تلقيهم وعودا بأن تكون الانتخابات القادمة حرة ونزيهة ومعبرة عن ارادة الشعب بكل فئاته، وهذا الأمر يتعلق بمناصري الجيش وأنصار النظام السابق والفعاليات القبلية وخاصة في إقليمي برقة وفزان ، مع الأخذ بالاعتبار فشل المؤسسات التشريعية خلال السنوات العشر الماضية ، وميل المزاج العام الى حكم رئاسي ديمقراطي تحت رقابة البرلمان  لا تحت سيطرة التوافقات البرلمانية المشكوك في نزاهتها وبيّن عضو مجلس النواب صالح فحيمة أن مجلس النواب كان أصدر قرارا يقضي بانتخاب رئيس الدولة عن طريق الاقتراع السري المباشر من الشعب  وتابع قائلا : “عندما ضمَّن المؤتمر الوطني العام مقترحات لجنة فبراير للإعلان الدستوري المؤقت ترك مسألة كيفية انتخاب رئيس الدولة (من الشعب مباشرة ام من البرلمان) تركها لمجلس النواب” مضيفا “بعد حوالي اسبوع فقط من انعقاد مجلس النواب، أصدر مجلس النواب القرار رقم 5 لسنة 2014 والذي قرر فيه أن يتم انتخاب رئيس الدولة عن طريق الاقتراع السري العام والمباشر من الشعب”. 
وفيما حذر حافظ الغويل الأكاديمي الليبي المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، من تمرير مخطط انتخاب رئيس الدولة عن طريق البرلمان ، لأن ذلك سيكون نتيجة للرشى ولمن يدفع أكثر ، هاجم المرشح السابق للمجلس الرئاسي ورئيس الهيئة التأسيسية للتجمع الوطني الليبي سابقاً أسعد زهيو،  محاولة تمرير بعض الأجسام السياسية مخططا لفرض سيطرتها على الانتخابات الرئاسية، لافتا الى إن “الطريقة الوحيدة لفك احتكار السلطة من فئة معينة حافظت على وجودها في المشهد طوال عقد من الزمن، هي الرجوع للقاعدة الشعبية وانتخاب الرئيس بشكل مباشر من قبل الناس ”و “أي طريقة أخرى هي التفاف على إرادة الناس واستمرار احتكار السلطة لصالح فئة إما تملك المال أو السلاح أو النفوذ”. وقال عضو مجلس النواب جاب الله الشيباني إنه يكاد لا يصدق أن اللجنة القانونية المكلفة بإعداد القاعدة الدستورية لانتخابات 24 ديسمبر المنتظرة تقترح انتخاب رئيس الدولة من البرلمان القادم بدلًا من الشعب مصدر السلطات، وأضاف :”لا شك أن هذا العمل هدفه التشويش وخلط الاوراق وبعثرة الجهود ، واقل ما يقال عنه انه عمل تخريبي الغاية منه ابعاد العربة عن السكة بعد أن استبشرنا ببوادر الاستقرار التي تلوح بالأفق”. وأبرز المحلل السياسي عيسى عبد القيوم تعليقا على هذه الخطوة ،«أزعم أن التيار الوطني شرقا وغربا وجنوبا ومن خلفه غالبية الشعب الليبي يرغب في تغيير المشهد السياسي بصورة سلمية وديموقراطية عبر صناديق الاقتراع، وأن هناك مجموعة تحاول الالتفاف على ارادة الشارع ،هذه القلة ذات الاجندة الحزبية نجحت عام 2014 في اسقاط بند انتخاب الرئيس بصورة مباشرة من الشعب ، واليوم تحاول العبث بإرادة الشارع وانتزاع حق اختياره لرئيسه ، من أجل فرض هذه الوصاية المقيتة ». لكن عبد الحكيم فنوش، المحلل السياسي الليبي المقيم في باريس، عبّر عن تفاؤله بانتخاب الرئيس من قبل الاقتراع الشعبي المباشر في 24 ديسمبر المقبل، رغم محاولات البعض لجعل الانتخاب من قبل البرلمان، مشيرا الى أنه : “بالنسبة لموضوع انتخاب الرئيس لم يحسم من قبل اللجنة القانونية وتمت إحالته للجنة ال 75، وذلك بسبب تعنت بعض الشخصيات المعروفة لدى الليبيين، وأتصور بأنهم سيخسرون وستقوم لجنة الحوار بإقرار انتخاب الرئيس من قبل الشعب”.
وبينما لا يزال الجدل محتدما بين الفرقاء ، يرى المراقبون أن الإعلان عن آلية انتخاب الرئيس من قبل ملتقى الحوار السياسي سيكون لها تأثير كبير سواء بالسلب أو الإيجاب على المرحلة القادمة وعلى بقية بنود خارطة الطريق ، وكذلك على إتمام توحيد المؤسسات وخاصة منها الأمنية والعسكرية  غير أن تغريدات رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح وضعت النقاط على الحروف وأكدت أن هناك نية بالفعل لانتخاب الرئيس القادم من قبل مجلس النواب فقد قال السايح : "يجب أن ندرك أن أهمية انتخاب رئيس الدولة لا تتوقف على انتخابه (مباشرة) من الشعب، أو(غير مباشر) عن طريق البرلمان، وإنما تتوقف على الصلاحيات الممنوحة للرئيس،  فلا معنى ولا أهمية للرئيس منتخب من الشعب بدون صلاحيات، ولكم في دولة جارتنا الدرس والعبرة".  والدولة الجارة المقصودة هي تونس، التي شهدت في الفترة الانتقالية الأولى انتخاب رئيس من قبل المجلس التأسيسي، ثم شرعت انتخاب الرئيس مباشرة للشعب، مع تقليص لصلاحياته مقابل منح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة غير المنتخب مباشرة، وإنما من قبل البرلمان، ووفق توافقات مغشوشة تشل العمل السياسي وتدفع بالبلاد الى أزمات متلاحقة.