مع انسداد الآفاق أمام التسوية السياسية وثبوت فشل تنفيذ الاتفاق السياسي وعناد الفرقاء الليبيين وتمسك كل طرف بالشروط التي تلبي مطالبه.

شهد عام 2018 فشلًا للجهود الأممية والدولية في تحقيق اختراق كبير بمسار الحل السياسي للأزمة الليبية، حيث فشلت الخطة التي أطلقها المبعوث الأممي إلى ليبيا "غسان سلامة"، في سبتمبر 2017، "خطة العمل الجديدة من أجل ليبيا"، لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية بنهاية عام 2018، والتي كانت تقوم على: عقد مؤتمر وطني للمصالحة الوطنية الشاملة، وتنظيم استفتاء على دستور جديد لليبيا، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في موعد أقصاه سبتمبر 2018. وهي الخطوات التي لم يُنفذ أيٌّ منها. كما فشل أيضًا تطبيق اتفاق باريس المُوقَّع بين أطراف الأزمة الليبية في مايو 2018، والذي كان ينص على اعتماد الدستور وقانون الانتخابات وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في 10 ديسمبر 2018.

فالأزمة الليبية تدخل عامها التاسع بإطار جديد للحل، وسط تساؤلات حول مدى احتمالية نجاحه في إنهاء الأزمة المستمرة منذ عام 2011، أو فشله على غرار المبادرات الأممية والدولية الأخرى، وذلك في ظل التحديات السياسية والأمنية التي تشهدها ليبيا.

في ذات الإطار، يرى مراقبون أن أسباب فشل حل الأزمة الليبية كثيرة ومتنوعة؛ فمنها التدخل الخارجي والإقليمي، وغياب أي خريطة حل من البعثة الدولية للأمم المتحدة، التي مارست عمليات الترحيل لأماكن الحوار؛ فمن غدامس الليبية، إلى الصخيرات المغربية، مروراً بالعاصمة التونسية، إلى جنيف السويسرية، وباريس وروما... بل واستخدمت البعثة عبر مبعوثيها عملية تفتيت الأزمة وإغراقها في الفرعيات، وتبدل المبعوثون الدوليون، حتى وصلنا إلى الرقم 6 الدكتور غسان سلامة، بينما خطة البعثة تمركزت حول إعادة تكرار دعوة الوجوه والشخوص نفسها تقريباً، بترتيب مختلف، للحوار. 

وبالنظر لقائمة الشخوص، يلاحظ أنها تعجّ بالمتسببين في الأزمة بشكل مباشر، كأمراء الحرب، وقادة ميليشيات، وقيادات إخوانية، بل تعج بمتهمين ومسجلين على قوائم الإرهاب في بعض الدول... إلى إعادة إنتاج أعضاء الجماعة (الإخوان) وأحبائهم وأصدقائهم ودمجهم في بعض المعارضين الوطنيين؛ وهم قلة، لاستكمال الصورة النمطية التي لم ولن تنتج حلاً ممكناً قابلاً للعيش أو التطبيق، أو حتى يصلح لأن يكون معالم خريطة طريق للخروج من الأزمة.

وتطرح معركة طرابلس تساؤلات متعددة، ليس فقط حول المسار السياسي للوضع في ليبيا تبعاً لـ "اتفاق الصخيرات" الموقع برعاية الأمم المتحدة؛ ولكن أيضاً، وهذا هو الجدير بالاهتمام، حول المواقف الدولية والإقليمية في شأن مستقبل ليبيا عموماً، وكيفية حل الأزمة التي تتعرض لها البلاد بشكل خاص. 

وذلك من منظور أن ما يحدث على الساحة هناك، من تجاذبات واستقطابات حادة بين أطراف المعادلة الليبية، هو في أحد تجلياته، تعبير عن امتدادات لتناقض المواقف والمصالح بين أطراف فاعلة دولياً وإقليمياً.

وإذا كانت الأطراف الدولية تتحدث عن أهمية الحل السياسي فإن هذا الحل يختلف لدى كل طرف حسب موقعه ومصالحه، وهو أمر يدركه الجيش الليبي الذي يتحرك لمواجهة جيوب وتنظيمات إرهابية تعرقل الحل السياسي، وتحرص على استمرار الفوضى.

الاتحاد الأوروبي يبدى قلقا من الحرب في ليبيا، لكن هناك إدراكا للخلافات بين أعضاء الاتحاد الأوروبي بشكل واضح خاصة فرنسا وإيطاليا، وهو ما يجعل من الصعب التوصل لقرار دولي بشأن ليبيا خلال فترة قريبة.

حيث يدور تنافس علني بين فرنسا وإيطاليا حول النفوذ والنفط الليبي، حيث تعتبر إيطاليا أنها الأحق بالتواجد في ليبيا المستعمرة السابقة. 

أما الموقف الأمريكي والروسي لا يتوقع أن يتجه نحو حسم أي قرار، حيث تواصل الولايات المتحدة نفض يديها من الأزمات الإقليمية ولا تبدي حماسا لتدخل مباشر، ونفس الأمر فيما يتعلق بالموقف الروسي الذي يقيم علاقات مع كل الأطراف.

خلاصةً، فإن اتفاقات كثيرة حدثت على خريطة الحل السياسي للأزمة الليبية، ولكن جميعها فشلت، لأنها كانت مبنية على حافة منهارة لا تصمد، وهي ليست اتفاقاً ولا حتى توافقاً بين الجميع، إنما كانت بين البعض من هذا الطرف والبعض من ذاك الطرف، ولم تمثل جميع الأطراف، إنما اختزلتها.