لم يكن بلاغ البعثة الأممية إلى ليبيا حول تجاوزات المليشيات لبعض المؤسسات الرسمية في الدولة اعتباطيا. الهيكل الأممي أصبح مطلعا على كافة التفاصيل في المشهد الليبي وعلى ذلك يدقق جيدا في إصدار مواقفه باعتباره يراهن على حل قريب للأزمة يتنهي بإجراء انتخابات تنهي سنوات التقاتل والخلاف في البلاد. وقد أصبحت الجرأة واضحة في علاقة بالمليشيات غير المنضبطة للقانون آخر بيان حول بعض المؤسسات السيادية للدولة.

البلاغ الصادر بتاريخ 19 أغسطس من طرابلس، ذهب مباشرة إلى الإشكال الحقيقي الواقع على بعض المؤسسات في الدولة. رسالته كانت نحو ميليشات تحمل تسميات يفترض وجودها تحت تصرّف حكومة الوفاق في طرابلس، لكن تجاوزاتها تؤكّد أنها مجموعات خارجة عن القانون ويجب التعامل معها بجديّة، في تحميل واضح للمسؤولية لحكومة الوفاق باعتبارها المنظمة لمهام الكتائب الموجودة في طرابلس.

جاءت في نص البلاغ جملة قد تلخّص حقيقة المسألة في طرابلس وحقيقة ما أرادت البعثة الأممية تبليغه. الجملة تقول "إن التدخل في عمل المؤسسات السيادية وفي الثروة الوطنية الليبية أمر خطير ويجب أن يتوقف على الفور". وبمجرّد الحديث الربط بين المؤسسات السياسية والثروة الوطنية الليبية، يمكن الاستنتاج أن المعنية تلميحا هي المؤسسة الوطنية للاستثمار التي تعاني من إشكاليات كبيرة تعرقل عملها، من بينها تهديد الموظفين فيها وخطفهم وعدم الامتثال للقوانين المنظمة لحمايتها.

ويأتي البلاغ أياما قليلة بعد لقاء جمع رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي للمؤسسة الليبية للأستثمار علي محمود بستيفاني وليامز نائب الممثل الخاص للامين العام للشؤون السياسية، للتباحث حول جملة من المشاكل التي تعرقل عمل المؤسسة وقد صدر بلاغ عقب الاجتماع يشير إلى ضرورة حماية الأصول المالية للمؤسسة لما لها من أهمية في تعاملات البلاد. بل هناك إمكانية أن موقف البعثة كان بناء على معطيات قدّمها محمود تؤّكد تجاوزات المليشيات بحق المؤسسة وتحميل المسؤولية لحكومة الوفاق باعتبارها الهيكل الرسمي الذي تعمل تحت لوائه.

وتتسارع الأحداث حول المؤسسة الوطنية للاستثمار حيث تتكر تجاوزات المليشيات الموجودة في طرابلس تجاهها، فقد أعلنتالمؤسسة في منتصف يوليو الماضي أن مدير الشؤون المالية فيها، هيثم الهادي، تعرّض، للاختطاف بعد نهاية فترة عمله في العاصمة طرابلس، وقد اتهمت وقتها كتيبة النواصي التي تتبع نظريا حكومة الوفاق ويفترض أنها تقوم بالحراسة، بالعملية التي لقيت إدانات واسعة داخليا وخارجيا.

كما صدرت تصريحات من موظفين كبار في المؤسسة تؤكّد التعرض باستمرار لعمليات الابتزاز والتهديد الأمر الذي فرض تغيير المقر الرئيسي نحو المدينة السياحية وتحت حماية مديرية أمن طرابلس التابعة أيضا لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق بهدف ضمان ظروف أمنية أفضل باعتبار المؤسسة تدير أصولا ضخمة في الخارج وأي تجاوز قانوني تجاهها تبعاته ستكون وخيمة على اقتصاد البلاد المنهك بطبعه، بسبب التراجع الكبير لانتاج النفط ودخول المجموعات المسلحة على خط استغلال ثروات البلاد النفطية والمالية على اعتبار أنها تعتبر نفسها جزءا من المشهد الذي تشكل بعد 2011، تحت شرعية المشاركة في "الثورة".

مشكلة المؤسسة الوطنية للاستثمار تقدّم صورة عامة على مشاكل أغلب المؤسسات الرسمية في البلاد التي تأثرت بشكل كبير بالأوضاع الأمنية. فالبلاد التي تقترب من إنهاء عام ثامن على الإطاحة بنظام العقيد مهمّر القذافي مازالت مرتهنة لسلاح المليشيات الموجودة أساسا في طرابلس التي تتحرك في غالبها خارج إطار القانون رغم أنه يفترض خضوعها تحت إمرة حكومة الوفاق الوطني وفق اتفاقات سابقة أعقبت اتفاق الصخيرات 2015، وفيه مقترحات إدماج عدد من المجموعات في الهياكل الرسمية للدولة من أجل التخفيف من حدة الصراع المسلح.