تعتبر الولايات المتحدة اليوم مركزاً لوباء فيروس كورونا المستجد، حيث تشير نماذج وبائية، نشرت يوم الثلاثاء، إلى أن المرض قد يصيب ملايين الامريكيين في الشهور القادمة، مما سيسفر عن مصرع ما بين 100 ألف و240 ألفا شخصاً. في المقابل تعاني المستشفيات في ولاية نيويورك، حيث يوجد أكثر من 000 75 حالة مؤكدة، من الازدحام ومن نقص في المعدات الطبية الضرورية، مثل أجهزة التنفس الصناعي ومعدات الحماية. وتشير التوقعات القاتمة إلى أن الفيروس لم يصل إلى ذروته بعد وأن الحالة الوبائية ستتفاقم.

وفي خضم هذا الوباء، واجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وغيره من قادة العالم انتقادات بسبب استجابتهم البطيئة وغير الفعالة منذ أن أصبح من الواضح أن فيروس كورونا لن يتم احتواؤه في الصين، حيث نشأ. وفي هذه الأثناء تحولت بعض الدول، مثل تايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية كقصص نجاح نسبية لتسطيح المنحنى البياني لعدد الإصابات والوفيات، قبل أن ترتفع معدلات الإصابة بشكل كبير. في الوقت الذي تستعد فيه البلدان لأزمة دامت شهوراً، جمعنا أفضل قراءاتنا ومقابلاتنا – مع خبراء وصحافيين محليين - حول كيفية استجابة الحكومات والمواطنين في جميع أنحاء العالم لتهديد كورونا حتى الآن.

سجلت تايوان أول حالة اصابة بفيروس كورونا يوم 21 جانفي، بيد أنها تمكنت من الابقاء على عدد الحالات المؤكدة إلى حدود 329 حالة فقط مع خمس وفيات إلى حدود من الأول من أفريل. يذكر أن البلاد ليست عضواً فعليا في منظمة الصحة العالمية، حيث إن العضوية لا تمنح عادة إلا للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي لا تعترف بتايوان. ولكن كما كتب هيلتون ييب، في 16 مارس، بدأت الحكومة في العمل بمجرد انتشار الأخبار حول مرض غامض في ووهان، فتايوان، التي تقع على بعد 100 ميل فقط من البر الرئيسي للصين، شرعت في تفقد المسافرين القادمين من المدينة يوم 31 ديسمبر، واقامت نظاما لتعقب من هم في الحجر الصحي الذاتي، وكثفت انتاج المعدات الطبية في جانفي. وأرجع ييب، استجابة تايوان المبكرة والفعالة للتجربة السابقة. "بالنظر إلى أن تايوان واجهت كل شيء من جارتها العملاقة - نشر الأخبار المزيفة، والتهديدات العسكرية، وحجب المعلومات الطبية الحيوية أثناء تفشي السارس في عام 2003 - فإن البلاد تعرف أنها يجب أن تكون في أقصى حالات اليقظة كلما كانت هناك أي مشاكل في الصين".

كما تمكنت كوريا الجنوبية، التي شهدت واحدة من أكبر الحالات الوبائية الأولية خارج الصين، من ابطاء انتشار حالات فيروس كورونا المستجد دون فرض أي اغلاق أو حجر صحي شامل. قال ديفي سريدار في 23 مارس، إن النموذج المثالي الذي اتبعته البلاد هو اختبارات التشخيص الجماعي وهو السبيل الوحيد لاحتواء الجائحة، وينبغي على البلدان الأخرى أن تتطلع إلى شرق آسيا للحصول على دروس. وتختبر كوريا الجنوبية، التي يبلغ عدد سكانها 51 مليون نسمة، أكثر من 20,000 شخص يومياً في مواقع اختبار محددة وتستخدم العزلة وتتبع الاتصالات على نطاق واسع لكسر سلاسل انتقال العدوى – على النحو الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية. وكتب سريدار " إن كوريا الجنوبية تظهر كيف أن هذا النموذج يحقق ثماره في النهاية في الحد من الانتشار، وإبعاد الضغط عن الخدمات الصحية، والحفاظ على معدل الوفيات فيها، وهو أحد أدنى المعدلات في العالم."

وبالاتجاه غرباً، تمكنت كندا من إجراء تجارب أكثر توسعاً من الولايات المتحدة المجاورة، كما كتب جاستن لينغ في 13 مارس. وفي فيفيري، بدأت في إنشاء الهياكل الأساسية لإجراء الاختبارات وتتبع المخالطين. جاءت الاستجابة المبكرة جزئيا من تجربة البلاد خلال تفشى السارس في عام 2003. (ثم، كانت كندا البلد الوحيد خارج آسيا الذي أبلغ عن الوفيات الناجمة عن الفيروس). ولدى كندا نظام للرعاية الصحية العامة ممول تمويلاً جيداً، ومعاييرها لمن يمكن اختباره ليست محدودة كما هو الحال في الولايات المتحدة. وكتب لينغ إن "كندا امضت العقدين الماضيين في الاستعداد لهذه اللحظة". ومن خلال التقاط الحالات في وقت مبكر، والتحقيق في أصولها، قامت كندا بإضعاف تأثير الفيروس حتى الآن".

غير أن بعض قصص النجاح تأتي من أماكن غير متوقعة. فما يلفت النظر، الاستجابة المبكرة لبلد مثل جورجيا. فعلى الرغم من صغر حجم البلاد واقتصادها المتعثر، إلا أنها بدأت في اتخاذ تدابير جادة في نهاية فبراير، بما في ذلك إغلاق المدارس وإجراء اختبارات تشخيصية واسعة النطاق. وقد تأكدت جورجيا حتى الان من وقوع 117 حالة فقذ. وقالت الصحافية الجورجية ناتاليا انتيلافا "اعتقد أن أخذ الحكومة الأمر على محمل الجد منذ البداية ساعد على تلافي الكارثة". وتقول أنتيلافا: "هذا بلد اعتاد على الأزمات، وعاش حروباً أهلية وغزواً روسياً في عام 2008 وفترة مظلمة جداً خلال التسعينات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي".

تعيش العديد من البلدان في القارة الأوروبية تحت حالة الإغلاق الشامل – ولكن ليس السويد، التي ظلت مترددة وسط تفشي الوباء شديد الخطورة. وقد أعلنت البلاد عن 4947 حالة، لكن حكومتها تراهن على أن ثقافة الثقة العالية المميزة لديها تعني أن الأفراد سيتصرفون بمسؤولية دون أن يأمروا بذلك، حسبما كتبت ناتالي روتشيلد في 24 مارس، في تقرير من ستوكهولم. إذ تقول: "هناك توقع بأن المواطنين سيمتثلون، وأنهم سيتحملون المسؤولية الشخصية ويتجنبون الحشود، وأن يعملوا من المنزل، وأن يحافظوا على مسافة الأمان في وسائل النقل العام، وما إلى ذلك، دون أن يكونوا مدفوعين بقوة السلطة للقيام بذلك". ويمكن أن يكشف الأسبوعان القادمان ما إذا كان ذلك حسابا صحيحاً.