بالنسبة لكثير من النيجيريين، لا يمثل فارقا كبيرا، إذا ما كان الشخص الذي أكد الجيش النيجيري مقتله مؤخرا، هو زعيم جماعة "بوكو حرام" المتشددة أبو بكر شيكاو، أو منتحل شخصية الزعيم الذي توفي بالفعل في وقت سابق.

فهذا الإعلان يعني ببساطة أن الشخص الذي أرهب النيجيريين في التسجيلات المصورة الأخيرة لم يعد على قيد الحياة. غير أن التركيز الآن، هو إلى أي مدى سيؤثر ذلك على الجماعة المرعبة، الذي اجتاحت خلال الأسابيع الأخيرة عدة بلدات في شمال نيجيريا، وأعلنتها جزءا من "الخلافة الإسلامية".

"ربما يكون من السابق لأوانه الاحتفال"، وفقا لخبير الشؤون الأمنية أحمد عبد الله، الذي قال في حديث لوكال الأناضول: "سمعنا نفس الأخبار مرتين في الماضي، وبوكو حرام لم تنف ذلك فحسب، بل صعدت من نشاطها العنيفة".

والأربعاء الماضي، أعلن الجيش النيجيري، مقتل محمد بشير، أحد كبار قادة جماعة "بوكو حرام"، الذي قال إنه كان ينتحل شخصية زعيم الجماعة "المتوفى"  أبو بكر شيكاو في التسجيلات المصورة الأخيرة.

ويعني هذا الإعلان أمرين، أولهما، أنه يؤيد موقف الشرطة السرية الذي تتبناه منذ فترة طويلة بأن شيكاو قد مات بعد أن تجنبت القيادة العسكرية العليا في نيجيريا لفترة طويلة مناقشة مسألة موت "شيكاو".

ثانيا، فإنه يؤكد أن "شيكاو" كان له شبيه، ينتحل شخصيته منذ مقتله، وأن منتحل الشخصية، محمد بشير، قد قتل الآن، وفقا لبيان للجيش.

ولكن وراء قضية موت "شيكاو"، تكمن مسألة أكبر بشأن ما سيحدث للجماعة بعد موته المزعوم.

وفي حديث لوكالة الأناضول، قال أبو بكر معاذو، وهو باحث في شؤون التمرد (الجماعة) المستمر منذ خمس سنوات، إنه "لا يمكن التنبؤ بمستقبل التمرد، على الرغم من أنه يظهر أن هناك مكاسب يمكن تسجيلها".

وخلال الأسابيع الأخيرة، أعلنت جماعة "بوكو حرام" سيطرتها على عدة مدن شمال شرقي البلاد، هي: "ديكوا"، و"غمبورو نغالا" و"غووزا" في ولاية "بورنو"، و"بوني يادا"، و"بارا" في ولاية "يوبي" المجاورة.

وفي وقت سابق، قالت الجماعة إنها سيطرت على ثماني بلدات في ولاية أداماوا، التي يقطنها نحو 2.5 مليون نسمة.

وفي 24 أغسطس/ آب الماضي، أعلن زعيم بوكو حرام، أبو بكر شيكاو، -أو منتحل شخصيته- أن الأراضي الواقعة تحت سيطرة الجماعة ستكون جزءا من "الخلافة الإسلامية" في شمال نيجيريا.

ومنذ مايو/ آيار من العام الماضي، أعلنت الحكومة النيجيرية حالة الطوارئ في ولايات بورنو، ويوبي، وأداماوا في شمال شرقي البلاد، بهدف الحد من خطر "بوكو حرام".

وقتل وجرح آلاف النيجيريين منذ بدأت "بوكو حرام" حملتها العنيفة في عام 2009 بعد وفاة زعيمها محمد يوسف، أثناء احتجازه لدى الشرطة.

ويلقى باللائمة على الجماعة في تدمير البنية التحتية ومرافق عامة وخاصة، إلى جانب تشريد 6 ملايين نيجيري على الأقل منذ ذلك التاريخ.

وبلغة قبائل "الهوسا" المنتشرة في شمالي نيجيريا، تعني "بوكو حرام"، "التعليم الغربي حرام"، وهي جماعة نيجيرية مسلحة، تأسست في يناير/ كانون الثاني 2002، على يد محمد يوسف، وتقول إنها تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع ولايات نيجيريا، حتى الجنوبية ذات الأغلبية المسيحية.

وفي حديث لوكالة الأناضول، قال المحلل الأمني، ديفيد لياجون، إن "بوكو حرام" على غرار عصابات إجرامية أخرى، كان أحد أعراض "دولة فاشلة"، ورأى أن الحل الوحيد هو معالجة الأسباب الجذرية للتمرد.

واعتبر أن "الإرهاب هو عرض مثل أعراض الصداع والزكام"، قائلا: "أنا اعتبر بوكو حرام من أعراض فشل مؤسساتنا، وهي مؤشر على أننا فشلنا كشعب".

وأضاف: "بوكو حرام تختلف فقط اختلافا طفيفا عن عصابات إجرامية أخرى، حيث يظهرون أنفسهم بطرق دينية-عرقية".

ومضى الخبير الأمني، قائلا: "لا يكفي قتل شيكاو أو شبيهه، وما نحتاج إليه هو فهم الأزمة، وما تسمونه التعصب الديني، هو في الحقيقة رد فعل لسياسات الدولة". وتابع متسائلا: "هل كنا عادلين مع شعبنا فيما يتعلق بشأن منحهم التعليم الذي يعطيهم بداية في الحياة؟ هل وفرنا الأشياء الأساسية التي تجعل الجريمة أقل جاذبية؟". وزاد بالقول: "بالنسبة لنيجيريا، الإجابات هي (لا) كبيرة. وربما يجب أن نبدأ من هناك".

وأيده في هذا الرأي أرينولا غريس، وهو طالب دكتوراه في قسم علوم الاجتماع في جامعة لاغوس. وفي حديث لوكالة الأناضول، ذكر أنه "لا ينبغي فقط أن نتعامل بحزم مع بوكو حرام أو الطائفية والخطف والعنف في المناطق الحضرية، ينبغي أن نتعامل بحزم مع أسباب هذه الجرائم".

وأضاف غريس: "لقد سمعنا عن حالات جندت فيها بوكو حرام الشباب نظير وعد بثلاث وجبات (يوميا)". ومضى قائلا: "هذا يشير إلى أن الناس جوعى، وعلينا دراسة المشاكل الاجتماعية التي تجعل الشباب أو النساء فرائس سهلة لمثل هذه الجرائم". وعزى "غريس" أسباب ذلك إلى أن البطالة وتراجع القيم الأخلاقية، والمسؤولية الأبوية والنظام التعليمي المتفكك.

من جانبه، قال "ألابي ألو"، وهو كاتب ومحلل سياسي: "يجب علينا أن لا نعطي أي شخص انطباعا بأن الجريمة تفيد". وأضاف في حديث لوكالة الأناضول: "ولكن هذا هو ما نفعله هنا في نيجيريا. المسلحون الذين يشنون حربا ضد الدولة أصبحوا في الوقت الراهن من أصحاب المليارات، وهذا الموقف يشجع الجريمة".

ومنذ عام 2009، تم إنشاء لجان من أجل "البحث" في الأسباب الجذرية للتمرد، حيث أصدرت كل منها تقارير تتضمن مجموعتها الخاصة من التوصيات.

بدوره قال، ناشط الحقوق المدنية ينوسا ياو: "نحن لا نعرف حتى محتويات هذه التقارير التي أصدرتها اللجان لكي نبدأ". واعتبر في حديث لوكالة الأناضول، أن الحكومة ليست جادة، وهذا يضفي مصداقية على مزاعم بأن بعض السياسيين ربما يستفيدون من الأزمة".

وأوصت معظم اللجان بالشروع في استثمارات ضخمة في البنية التحتية الاجتماعية، والضمان الاجتماعي في محاولة لكسب قلوب الناس. فيما واجهت الحكومات المتعاقبة انتقادات في ظل نفاق وفساد ملموس، وجدت اللجان، أنه ربما يشككا في مصداقيتها.

على سبيل المثال، تساءل الكثيرون كيف لم تترجم مخصصات مالية ضخمة لقطاع الأمن إلى معدات أفضل أو روح معنوية للقوات التي تقاتل "بوكو حرام". فيما أفادت تقاير أن اللجان اتفقت بالإجماع في دعواتها لاتخاذ موقف صارمة ضد الجريمة، وملاحقة كل من يثبت أنهم ارتكبوا انتهاكات خطيرة.

واختتم "ياو" بالقول "ينبغي أن تعلن الحكومة نتائج هذه اللجان للجمهور، وتتيح لهم التصرف بناء عليها، دعونا نبدأ من هناك".