قبل ظهور فيروس كورونا المستجد، كان صندوق النقد الدولي يتوقع أن تحتوي إفريقيا على ستة من أسرع 10 اقتصادات نموّا في العالم في عام 2020، وهو أمر مهم بالنسبة لقارة تضم أكبر عدد من الفقراء في العالم يقدر بأكثر من 400 مليون نسمة. ويبدو أن انتشار فيروس ''كورونا'' سيؤدي إلى مزيد من المعاناة والفقر وانعدام الأمن الغذائي للقارة المثقلة أصلًا بالأعباء. وثمّة تساؤلات كثيرة يثيرها واقع المرض: ما الآثار الاقتصادية لكوفيد 19 المستجد على اقتصادات إفريقيا؟ وما الرؤى الاستشرافية والآليات لمواجهة الآثار الاقتصادية لهذا الوباء؟

* حجم آثار صدمات كوفيد 19 على اقتصادات إفريقيا:

ففي ظل الجدل الدائر في حجم الآثار الاقتصادية لهذا المرض على دول إفريقيا، فإنّه يصعب البتّ في تحديد حجم صدمتها الفعلية، ولكن لا يكاد يختلف عليه اثنان أنّ هذا المرض كشف مجموعةً من الأمور ذات أهمية في اقتصادات الدول الإفريقية، منها على سبيل المثال:

1- الارتباط الوثيق بين اقتصادات إفريقيا واقتصادات الدول الكبرى، إلى درجة أنّ أيّة صدمة في دولة ما من تلك الدول الكبرى، تؤدي إلى آثار وخيمة في الدول الإفريقية. فبمجرد إغلاق الأسواق الصينية بعد إعلان مرض كورونا من اللجنة الوطنية للصحة في الصين شُلَّت التجارة الدولية في أكثر الدول الإفريقية. لقد صدق من قال: (إذا أُصيب اقتصادُهم بالزكام، فإن اقتصاد العالم الإفريقي كلّه يعطس).

2- محاكاة النظام الرأسمالي والعمل به في أكثر الدول الإفريقية، ومع تصاعد كوفيد 19 المستجد اتضح ابتعاد هذا النظام الاقتصادي عن القيم الاجتماعية والإنسانية السامية.

3- ضرورة وأهمية العمل الجماعي المشترك لمواجهة الأزمات، والاعتراف بدور وسائل الإعلام والتكنولوجيا في هذا العصر.

في ظل عدم وجود بيانات وأرقام للمتغيرات الاقتصادية، يصعب تحديد الآثار الاقتصادية الفعلية لهذا المرض، ممّا قد يستدعي التركيز حاليًا على مجموعات من تنبؤات الكثير حيال هذه الآثار على اقتصادات الدول الإفريقية، وهي على النحو التالي:

ـ تراجع ملحوظ في تدفقات رؤوس الأموال، والاستثمارات الأجنبية في دول إفريقيا.

ـ تراجع في أنشطة القطاع السياحي، وبالتالي انخفاض في حجم الإيرادات السياحية، وبخاصة في الدول الإفريقية التي كانت السياحة تدرّ لها موردا هامًّا. وقد توقعت دراسة للاتحاد الإفريقي معاناة الدول الإفريقية السياحية في ناتجها المحلي الإجمالي من انكماش اقتصاداتها بنسبة 3.3 في المائة في المتوسط هذا العام، فمثلاً يُتوقع انكماش اقتصادات دولة سيشل والرأس الأخضر وموريشيوس وغامبيا بنسبة 7 في المائة.

ـ تراجع في الحوالات الخارجية من العاملين الإفريقيين المغتربين والمقيمين في الدول الغربية والآسيوية.

ـ تراجع في المساعدات المالية من الدول الأوروبية؛ لأنّ طابع هذا المرض جعل تلك الدول نفسها في حاجة إلى مَن يسعفها. 

ـ تقلص في إيرادات الدول النفطية كالجزائر ونيجيريا وأنغولا. وحسب توقع الاتحاد الإفريقي قد تصل نسبة الانكماش فيها إلى 3 في المائة في المتوسط. وقد تخسر نيجيريا وأنغولا، وهما أكبر بلدين منتجين للبترول، 65 مليار دولار من الإيرادات النفطية لوحدهما.

ـ ارتفاع العجز في الميزان التجاري لأكثر الدول، وانخفاض في إيراد الصادرات السلعية.

ـ تراجع في المؤشرات الاقتصادية، وارتفاع معدل المسحوبات من البنوك بسبب الهلع، وتجميد تمويل المشروعات بسبب الانكماش.

في جلسته الاستثنائية في 3 مارس 2020م أكد مجلس وزراء الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا على انخفاض ملحوظ متوقع في النمو الاقتصادي في دول الأعضاء، موضحًا أنّ دول الأعضاء سوف تشهد ارتفاعًا في معدل البطالة، وآثارًا سيئة على قطاع النقل والسياحة والتجارة والصناعة. وثَمَّة توقعات مصرية بتباطؤ النمو الاقتصادي إلى 4.5 في المائة في الربع الثالث، و1 في المائة في الربع الرابع من السنة المالية، بسبب وباء كورونا، بينما كان هدف الحكومة المصرية تحقيق معدل نمو بنسبة 5.6 في المائة.

* مقترحات استشرافية للتقليل من حجم الآثار الاقتصادية لكوفيد19 على إفريقيا:

1- إعادة هيكلة الأنظمة الاقتصادية والسياسات المالية للاكتفاء الذاتي اقتصاديًّا، ولكن للأسف الشديد أكثر الدول في القارة -إن لم تكن كلّها- سوف تتسابق إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، رغم ما لهذا الاقتراض من آثار سلبية على اقتصادات القارة.

2- بناء مناخ اقتصادي متوازن، أكثر استقلالية وملائمة لاقتصادات القارة. وثمّة تساؤل مهمّ، وهو: هل ستُجَدِّدُ الدولُ الإفريقية عهدَها بنظام الرأسمالية بعد الأزمة، أم ستتبنى مبادئ الاقتصاد الإسلامي، أم سترجع إلى النظام الاشتراكي من جديد؟ تساؤل مهمّ يستدعي البحث والدراسة العميقة.

3- تنظيم الجهود والخبرات الوطنية، لتوفير المرونة اللازمة لانتعاش الاقتصاد الوطني وفق متطلبات السوق المتغيرة.

4- الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، وتطبيق الميزة النسبية في تحديد نمط التجارة الدولية.

5- تطويع وسائل التقنية المختلفة لتطوير قواعد الصناعة الوطنية، وابتكار صناعات تحويلية وطنية ذات كفاءة.

6- التنظيم والاستفادة من الفرص الاستثمارية في القارة؛ بحيث توجد دول تملك الأراضي الصالحة للزراعة مثل السودان وبلدان غرب إفريقيا ووسطها، وتوجد دول أخرى منتجة للنفط والمعادن. فهذا الاختلاف يعتبر مغنمًا للقارة، فإفريقيا هي القارة الوحيدة التي تمتلك جميع الموارد التي يحتاجها العالم.

إنَّ مرحلة ما بعد كوفيد 19 تعتبر مرحلة اختبار وتحدٍّ حقيقي لأفريقيا للنهوض والنمو، حيث تمتلك إفريقيا مقومات طبيعية لمواجهة آثار هذا المرض في ظل إيجاد خطة استراتيجية، تبدأ من بناء نموذج تنموي داخلي قائم على تعزيز الاقتصاد المحلي؛ لكونه الأكثر تناسبًا للحجر الصحي، والاقتصاد الأقل إنتاجًا للكربون؛ حتى لا يُؤجّج ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي الذي لا تتحمل إفريقيا مسؤوليتها على الإطلاق، بالإضافة إلى اقتصاد تضامني قائم على شرط إعادة توزيع الفائض الاقتصادِيّ. لقد أظهر الاقتصاد الإفريقي دائما عبقرية تسمح له بالتوفيق بين نظامه الإنتاجي والاستهلاك الذاتي الداخلي والتجارة الخارجية بشكل متناغم.

إن المستجدات لما بعد كورونا ستحدث بناء عليها تغييرات استراتيجية في العلاقات الدولية وربما على مستوى التحالفات السياسية، مرتكزها تصدر الصين عالميا وتعاظم دورها السياسي والاقتصادي والانساني وانفتاح دول الغرب على دول الشرق، ما يساهم في كسر الحصار على روسيا الاتحادية وحلفائها مع توسع نفوذها السياسي، وارهاصات اولى لنظام دولي جديد لن تكون أجندته عسكرية، وإنما اجتماعية بنائية تركز على الصحة العامة الدولية ونظافة البيئة ومؤتمرات حقيقية وفاعلة للحفاظ على المناخ وسلامة كوكب الأرض، والصداقة مع الطبيعة والقناعة بصعوبة السيطرة عليها، حيث ثبت أن للطبيعة أدواتها وأسلحتها التي تشهرها في وجه من اعتقدوا أنهم أصبحوا بفضل امتلاك التقانة المتقدمة قادرين على السيطرة على الطبيعة وتطويعها بما يخدم تغول الفكرة المادية على الفكرة الإنسانية ووهج المال على وهج القيم الإنسانية والدينية، حيث شكل الفيروس صدمة لحضارة اعتقدت خاطئة أنها قادرة على كل شيء.