يبدو أن جائحة الكورونا، قد أفقدت العالم توازنه، حيث لن تعود الأمور كما كانت عليها قبل العام 2020. والمشهد الإرهابي في العالم لن يكون بعيداً عن التغيرات الجذرية الجارية. 

تتحرك المجموعات الإرهابية بشكل متباين في وجه انتشار وباء يضربها بشكل متفاوت، فيقوم كل منها بالتوفيق بين ثوابت عقائدية وضرورات تمليها الصحة العامةلزمت العديد من المجموعات الإرهابية في اليمن والصومال ومنطقة الساحل الصمت حول الوباء العالمي، في حين تناولت أخرى الفيروس الذي يطال أنصارها وأعداءها على السواء.

ونشر تنظيم القاعدة في مارس وثيقة من صفحتين اعتبر فيه أن الفيروس عقوبة أنزلها الله بالذين يخالفون تعاليمهوأوضح مدير قسم مكافحة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر لوكالة فرانس برس أن "القاعدة لطالما اعتبرت نفسها حركة نخبويّة مسؤوليتها إرشاد الأمة إلى إسلام أصيل. وأحداث على غرار فيروس كورونا المستجدّ تشكل درسا وفرصة في آن لتعزيز هذا الموقف".

ولفت معهد توني بلير للتغيير الشامل إلى أن هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) أوصت على شبكتها الإخبارية "إباء" باتخاذ تدابير نظافة شخصية. ولاحقا، نددت بالاهتمام المخصص للفيروس في حين أن حصيلته تبقى أدنى بكثير من حصيلة النزاع في سورياومن المفارقة أن أولى التدابير ضد وباء كوفيد-19 في سوريا حصلت في محافظة إدلب، أخر معقل للفصائل الجهادية والمقاتلة في سوريا والتي تواجه وضعا إنسانيا صعبا.

فعلى الرغم من أن الحرب أتت على مستشفيات المنطقة، اتخذت الفصائل المعارضة المسيطرة على المحافظة وأبرزها هيئة تحرير الشام، وبمساعدة منظمة الصحة العالمية، "تدابير وقائية أكثر تشددا وسرعة من نظام الرئيس السوري بشار الأسد"، بحسب ما أكد معهد "واشنطن إنستيتيوت" ذاكرا بصورة خاصة التحقق من حرارة الأشخاص عند الحدود مع تركيا وتعقيم المدارس والمساجدورأى تشارلز ليستر أن "التحدي بالنسبة لهيئة تحرير الشام الآن هو أن تقدم نفسها لروسيا وتركيا على أنها مؤهلة لتحكم" المناطق السورية الخارجة عن سيطرة دمشق، ولو أنه من الواضح أن الحركة لن تكون قادرة على مواجهة تفشي الوباء على نطاق واسع.

بالنسبة لحركة طالبان الأفغانية التي وقعت اتفاقا تاريخيا مع الأميركيين، لم يكن للفيروس أي تأثير على استراتيجيتهاوعلى هامش هجماتها على القوات الحكومية، تطرح الحركة نفسها كبديل في مكافحة الأزمة الصحية. وأعلنت أن السلطة لا ترى في الوباء "سوى فرصة لاختلاس أموال أجنبية". ورد المتحدث باسم مجلس الأمن الوطني الأفغاني جويد فيصل "اقترحنا وقف إطلاق نار شاملا لمكافحة (وباء) كوفيد-19، لكنهم رفضوا".

وماذا لو كان الوباء يصب في مصلحة الإرهابين؟ أشارت مجموعة الأزمات الدولية في هذا السياق إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا أمر عناصره في نشرته الأسبوعية "النبأ" بمهاجمة "الكفار". والواقع أن هذه الحركات تغتنم أوضاع الفوضى وتزدهر فيها. وحذرت مجموعة الدراسات بأن "تنظيم الدولة الإسلامية قد يستفيد من الوضع طالما أن (وباء) كوفيد-19 يضعف أعداءه" داعية الأسرة الدولية إلى عدم إهمال أولويات الأمس.

في نهاية مارس كان 2500 مدربا يمثلون ثلث عناصر الائتلاف الدولي بقيادة الأميركيين في العراق، على وشك مغادرة هذا البلد، إثر تعليق التدريبات في ظل انتشار فيروس كورونا المستجدّ. ولفت الخبراء إلى أن أنشطة مكافحة الإرهاب في العراق ضعفت حتى قبل ذلك نتيجة التوتر بين إيران والولايات المتحدة.

ويبقى من الصعب معرفة ما إذا كان الوباء سيبدل الوضع في مناطق انتشار المجموعات الإرهابيةa. ففي أفغانستان والساحل والصومال، يبدو أنه لم يؤثر بعد على الوضع الأمنيويبقى خطر وقوع اعتداء كبير في أوروبا أو الولايات المتحدة محدودا على المدى القريب. وأكد جان شارل بريزار من مركز تحليل الإرهاب في باريس "فرضنا الحجر المنزلي وعمليات المراقبة على الحدود وفي المواصلات. الخطر في الوقت الحاضر محدود جدا".

لكن الوضع الصحي لا يمنع فردا معزولا أو خلية صغيرة من القيام بعملية، وهو ما أكده هجوم بالسكين نفذه لاجئ سوداني السبت في جنوب شرق فرنسا وأوقع قتيلين. ولم يظهر حتى الأحد أي ارتباط مؤكد بتنظيم الدولة الإسلامية لكن مصدرا مطلعا على الملف قال لفرانس برس "من الواضح أن خطر انتقال فرد تحركه دوافع قوية إلى تنفيذ عمل لم يتبدد مع قيام الأزمة". وحذر عنصر سابق في الاستخبارات الفرنسية قبل بضعة أيام "لم ننته بعد من هذه الحرب ضد التيار الإسلامي. نعرف أنهم قد يضربون من جديد. ولم يعد بالإمكان أن نكون مهملين".