بالرغم من الهدنة المعلنة التي تشهدها ليبيا منذ الثاني عشر من يناير الماضي،بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق لازال التوتر على الأرض سيد الموقف مع تواصل الاشتباكات المتقطعة وسط عمليات تحشيد متواصلة بين الطرفين المتصارعين.وفي ظل المخاوف من انتشار فيروس كورونا في البلاد تتصاعد الأصوات المطالبة بالتهدئة لاعطاء فرصة للجهود الحثيثة لمجابهة الوباء الذي يثير الرعب في العالم.

الى ذلك، سجّلت ليبيا 6 حالات إصابة جديدة بفيروس كورونا، ليرتفع عدد حالات الإصابة إلى 17 حالة.وأوضح المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا في بيان اليوم أن المختبر المرجعي لصحة المجتمع بالمركز، تسلم 20 عينة للاشتباه بإصابتها بفيروس كورونا المستجد، لتثبت التحاليل المعملية أن 6 حالات منها إيجابية، بينما الـ14 حالة الأخرى سلبية.

وأعلن المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا، في وقت متأخر ليل الخميس، تسجيل أول حالة وفاة جراء الإصابة بفيروس كورنا المستجد في البلاد.وقال المركز الوطني في بيان نشره عبر صفحته الرسمية على فيسبوك إن المختبر المرجعي لصحة المجتمع "تسلم عينة أخذت من امرأة عقب وفاتها يبلغ عمرها 85 عاما. وبعد إجراء اختبار كشف فيروس كورونا، تبين أن نتيجة العينة موجبة".وأضاف المركز "هذه الحالة هي أول وفاة تسجل جراء فيروس كورونا المستجد".

وسجلت ليبيا أول إصابة بفيروس كورونا الجديد نهاية مارس الماضي، لمواطن ليبي عائد من السعودية.واتخذت السلطات في شرق وغرب ليبيا حزمة من التدابير الوقائية والقرارات لمواجهة خطر الفيروس أهمها إغلاق المنافذ البرية والبحرية ثلاثة أسابيع وتعطيل الدراسة، إلى جانب فرض حظر التجول لمدة 17 ساعة يوميا.

ويأتي خطر تفشي فيروس كورونا في وقت تشهد فيه البلاد تصعيدا متواصلا في الصراع بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق في العاصمة طرابلس،فبالرغم من قبول طرفي الصراع بـ"هدنة كورونا" إلا أن دوي الاشتباكات لا يزال مستمرا في محاور طرابلس وجنوب مصراتة وغرب سرت، أين تدور معارك طاحنة وعنيفة بين الطرفين، تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة الثقيلة والطيران الحربي والمسيّر.





وعلى وقع هذا المشهد المخيف،تصاعدت المناشدات والدعوات لوقف القتال لفسح المجال امام مجابهة خطر انتشار الفيروس القاتل.ودعت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا إلى إيقاف العنف ووقف إطلاق النار، مع مرور الذكرى السنوية الأولى على حرب طرابلس التي بدأت في الرابع من أبريل 2019، مشددة على أن فيروس "كورونا المستجد" هو العدو الأول لجميع الليبيين حاليًا".

وقالت البعثة، مخاطبة الشعب الليبي وجميع الأطراف، في بيان اليوم السبت:"يجب أن تدركوا أن هذه الجائحة هي عدوكم الأول الآن. ولا يمكنكم محاربتها إلا إذا توقف العنف وإذا قررتم جميعًا توحيد جهودكم وجعل هذا أولوية وطنية ملحة، فلا توجد طريقة أخرى".وشددت على استعدادها لدعم وقف إطلاق النار والمساعدة في المعركة ضد فيروس كورونا.

وحذرت البعثة الأوروبية من أنه "بعد تسع سنوات من الصراع وعدم الاستقرار، يواجه الليبيون الآن خطرًا آخر يهدد بأخذ بلادهم إلى الهاوية"، مشيرة إلى أن الهدنة الإنسانية التي طالب بها المجتمع الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أخيرًا لم يتم الاستجابة لها، مؤكدة أن الهدنة هي "الطريقة الوحيدة التي تسمح باحتواء جائحة فيروس كورونا".

من جهتها،أكدت بعثة الامم المتحدة في ليبيا،أن جائحة كوفيد-19، التي تتفشي في ليبيا كما هو الحال في جميع أنحاء العالم، والتي لا تعترف بالحدود الوطنية ولا الخطوط الأمامية ومن الواضح أنها تمثل أكبر تهديد قريب المدى لسلامة الشعب الليبي.وقال بيان صادر عن البعثة أنه" ينبغي على أطراف النزاع الليبية والأطراف الخارجية الداعمة لها أن تستجيب لدعوات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فضلاً عن العديد من الليبيين المعنيين، لوقف هذه الحرب على الفور.

وناشدت البعثة جميع المعنيين تفعيل الهدنة الإنسانية على الفور ووقف جميع العمليات العسكرية بغية إتاحة المجال للسلطات الليبية للتصدي لخطر وباء كوفيد-19. كما دعت أطراف هذا النزاع، ومن يقف وراءهم من جهات خارجية، إلى قبول اتفاق وقف إطلاق النار المقترح في جنيف، وتبني مخرجات مؤتمر برلين وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2510 والانخراط دون إبطاء في المسارات الثلاثة (العسكرية والسياسية والاقتصادية) التي يدعو إليها هذا الاتفاق التي يدعو إليها هذا الاتفاق بقيادة الليبيين وتيسرها الأمم المتحدة.

وفي سياق متصل،دعت السفارة الأمريكية في ليبيا الأطراف الليبية إلى التخلي بشكل عاجل عن القضايا التي تفرّق بينهم وتركيز طاقاتهم كاملة على تعزيز صحّة جميع الليبيين ومجابهة فيروس كورونا الفتاك.وأضافت السفارة في بيان عبر صفحتها بموقع "فيسبوك" أنه "من الأهمية بمكان أن تتوحدّ المؤسسات الاقتصادية والتكنوقراط المعنيين بسرعة، بروح من التماسك الوطني، وأن تتخذ جميع التدابير المالية المناسبة من أجل استجابة وطنية لهذه الأزمة الصحية التي تلوح في الأفق".

وأكدت السفارة أنها "مستعدة لدعم جميع الأطراف الليبية في هذا الجهد" مبينة أن "حالة الطوارئ الصحية هذه تتجاوز السياسة والشخصيات" داعية للسماح "لجميع المسؤولين عن مجابهة الوباء -سواء من حيث رعاية المرضى، أو ضمان توافر الموارد المالية، أو تنفيذ سياسات إبطاء انتشار المرض - القيام بعملهم".

وبدوره،جدد الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، دعوته إلى وقف القتال في عموم الأراضي الليبية، مطالباً بصفة خاصة بوضع حد للعمليات العسكرية الدائرة حول العاصمة طرابلس بين قوات حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي.وقال مصدر مسئول بالأمانة العامة للجامعة بأن أبو الغيط جدد الدعوة التي كان قد وجهها إلى إسكات البنادق في مناطق الصراع العربية حتى يتسنى تركيز الجهود الوطنية على مواجهة مخاطر إنتشار فيروس كورونا وتحجيم الأضرار التي ستصيب مجتمعاتها وقطاعاتها الصحية.





وجدد أبو الغيط رفض وإدانة الجامعة العربية لكافة أشكال التدخلات العسكرية الأجنبية في الشأن الليبي، والخروقات المتعددة لحظر السلاح المفروض على البلاد، واستقدام المقاتلين الإرهابيين إلى ساحات القتال، بالمخالفة لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والالتزامات التي تعهدت بها الأطراف المشاركة في قمة برلين، والتي يتوجب وضع حد فوري وشامل ودائم لها كلها دون إستثناء.

وتثير التدخلات التركية في ليبيا مخاوف من تأزيم الاوضاع في البلاد،فالنظام التركي لم يكتفي بارسال السلاح والمرتزقة لدعم حكومة الوفاق بل انتقل مؤخرا الى شن عدوان مباشر على الاراضي الليبية حيث أطلقت سفينة حربية تركية،الأربعاء، صواريخ على مدينة العجيلات الواقعة غرب العاصمة طرابلس، والتي يسيطر عليها الجيش الليبي في تطور خطير يكشف حجم انخراط انقرة في تاجيج الفوضى في ليبيا.

كما استهدف طيران تركي مسير صهاريج نقل الوقود وشاحنات نقل السلع الغذائية من مخازنها في شرق البلاد، إلى مناطق غرب وجنوب ليبيا،ما أدى لحرقها وتدميرها على الرغم من عدم وجود أية علاقة بين هذه الشاحنات والعمليات العسكرية الجارية في تلك المناطق.وفق ما أكدت الحكومة الليبية التي قالت "أن المجتمع الدولي المنشغل حاليا بمحاربة جائحة كورونا عليه الالتفات (لتركيا) التي ضربت بكل قرارات مجلس الأمن الدولي عرض الحائط، وهي تمارس أعمالها الإرهابية" في ليبيا.

وأعلن الاتحاد الأوروبي،اطلاق عمليته العسكرية "إيريني"،والتي قال المجلس الأوروبي إن مهمتها الأساسية تتمثل في تنفيذ حظر الأمم المتحدة على الأسلحة من خلال استخدام الأصول الجوية والأقمار الصناعية والبحرية.كما ستجمع معلومات حول تهريب الوقود والنفط غير القانوني من ليبيا وتساعد في بناء خفر السواحل الليبي، بما في ذلك من خلال تدريب أفراده.

لكن المهمة الجديدة التي قوبلت بالرفض من طرف حكومة الوفاق وحلفائها كونها ستعيق الامدادات التركية لقواتها،يبقى نجاحها بحسب عضو مجلس النواب فرج الشلوي رهين جدية المجتمع الدولي في وقف تدفق الأسلحة لليبيا.وقال الشلوي في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية إن مجلس النواب يرحب بالقرار الاتحاد الأوروبي بشأن إطلاق عملية لمراقبة حظر توريد الأسلحة لليبيا مؤكدا أن هذه العملية ستنجح في وقف الدعم القطري والتركي لقوات الوفاق إذا كانت الدول الأوروبية جادة فعلا في وقف تدفق الأسلحة.

وينذر تصعيد القتال بخطر كبير في ليبيا،بسبب الوضع الكارثي للنظام الصحي في البلاد.وكان الإطار الطبي والعاملون في قطاع الصحة بليبيا،قد أطلقوا صيحة فزع، لعدم جاهزية السلطات لمواجهة فيروس كورونا في البلاد، وتقصيرها في الحفاظ على الصحة العامة، وتحدثوا عن المصاعب التي تعترضهم في التعامل مع حالات الإصابة بالنظر إلى النقص في التجهيزات والمعدات الطبية اللازمة.



وقال الطبيب إدريس القايد من العاصمة طرابلس، إن كل ما يقال عن شراء تجهيزات قادرة على تشخيص الإصابة بفيروس كورونا ومعدات طبية لحماية الأطباء واستقبال المرضى هو مجرد كلام لا يعبر عن الواقع الحالي الرديء لقطاع الصحة في ليبيا.وانتقد القايد تخلي حكومة الوفاق عن واجباتها في مواجهة انتشار فيروس "كورونا" وفي الحفاظ على الصحة العامة قائلا "المسؤولون فرطوا في المواطنين"، مشيرا إلى أن عدد الأجهزة التي تستخدم في تحليل حالات الإصابة بالفيروس قليلة جدا بينما لا تتوفر المعدات الخاصة بالفحص، مؤكدا أن هذا الأمر مخيف جداد.

ويعاني قطاع الصحة من واقع مأساوي،مع تضرر أغلب المرافق الصحية طوال سنوات الصراع والفوضى.وكانت ممثلة منظمة الصحة العالمية في ليبيا إليزابيث هوف،أكدت في وقت سابق أن ليبيا في خطر أكبر لأن نظام الصحة فيه ضعيف ومفكك بسبب الصراع"، بحسب ما نقتله وكالة رويترز.وأشارت الى إن "الأجهزة، كأجهزة التنفس وما إلى ذلك، ناقصة في العديد من المستشفيات. هناك نقص في الأطباء والممرضات في البلدات وفي الريف".وأضافت إن ما تعانيه ليبيا في القطاع الصحي، بسبب الانقسام السياسي، ولا تملك الوسائل لفرض إجراءات مكافحة لمنع انتشار الفيروس.

ومنذ الاشهر الاولى لإنتشار الوباء في ربوع العالم، أعربت الامم المتحدة عن "قلقها" من تأثير الفيروس على المناطق التي تعاني من النزاعات المسلحة على غرار ليبيا التي قد تتعرض لكارثة انسانية في ظل هشاشة الانظمة الصحية وصعوبة الكشف عن انتشار الوباء في اعقاب تواصل الاشتباكات المسلحة.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة, أنطونيو غوتيريس، إنه يجب أن تكون هناك معركة واحدة فقط في العالم اليوم، وهي المعركة ضد فيروس كورونا،وحمل الاطراف مسؤولية الصراع في طرابلس، داعيا لضرورة وقف القتال من أجل التفرغ للوباء وإدراك أن "هذه هي لحظة وقف الصراع... وتوحيد القوى لمواجهة كورونا".وحذّر الأمين العام الأممي من أن "عاصفة فيروس كورونا قادمة إلى جميع مسارح الصراع"، وأن الفيروس أظهر مدى سرعة انتقاله.

ومازالت ليبيا تدفع ثمن التدخلات الخارجية التي تدفع نحو تأجيج الصراعات،حيث   تواصل عدة دول وعلى رأسها تركيا تدخلاتها السلبية مستغلة غياب سلطة الدولة وتواصل الصمت الدولي حيال تجاوزاتها التي تغذي الفوضى والعنف في هذا البلد الممزق بالإنقسامات.وتعمق الأجندات الخارجية الانقسامات بين الأطراف الليبية بما يطيل حالة الفوضى التي تخدم أطماع الدول اللاهثة وراء ثروات البلاد.

وبالرغم من اجماع الكثير من المتابعين للشأن الليبي على ضرورة انهاء الصراع المسلح بين الليبيين وحقن الدماء والذهاب الى طاولة الحوار أملا في الوصول الى تسوية تنهى الأزمة الشائكة،فانهم يشيرون من جهة أخرى الى أن أي استحقاق قادم في ليبيا لا يمكن تحقيقه في ظل وجود المليشيات المسلحة وسيطرتها على مؤسسات الدولة،ويؤكد هؤلاء أن دخول الجيش الى طرابلس واستعادة سلطة الدولة من شأنه وضع ليبيا في الطريق الصحيح نحو بداية البناء.