تعيش ليبيا على وقع حصار إقليمي من طرف فيروس "كورونا" المستجد، إذ تعاني غالبية دول الجوار الحدودي لليبيا، وخاصة مصر والجزائر وتونس والسودان، وجود إصابات ووفيات جراء الفيروس الخطير، وإن كان بدرجات متفاوتة، كما لم تصل إلى حد الانتشار الواسع، كما حال إيطاليا التي لا يفصلها عن سواحل ليبيا سوى 320 كم، إذ أصبحت ثاني بؤرة عالمية في انتشار مرض كورونا المستجد بعد الصين. 

وظلت ليبيا محصنة ضد الفيروس الذي يثير الرعب في العالم، الى غاية الثلاثاء الماضي حين أعلن المركز الوطني لمكافحة الأمراض، تسجيل أول حالة مصابة بفيروس كورونا، وعاد المركز السبت 28 مارس 2020، ليعلن عن تسجيل إصابتين جديدتين بفيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، ليرتفع بذلك عدد الإصابات إلى ثلاث إصابات. و ذكر المركز في إجاز، إنه تسلّم بلاغا بوجود حالتين اشتباه بالفيروس، من مستشفى الحكمة مصراتة و المختبر المرجعي لصحة المجتمع بالمركز الوطني، وعقب فحص العينتين مخبريا تأكد إصابتهما بالفيروس. 

وتثير هذه التطورات مخاوف كبيرة في ليبيا من انتشار الفيروس الخطير في البلاد التي تشهد اشتباكات عسكرية عنيفة منذ أشهر بين قوات الجيش الوطني الليبي والقوات الموالية لحكومة الوفاق. ويخشى الليبيون من تزايد انتشار فيروس كورونا في البلاد وهو ما سيمثل خطرا كبيرا بسبب العراقيل الكبيرة التي تواجه سبل مجابهته.


** هشاشة القطاع الصحي

واقع القطاع الصحي في ليبيا ينبئ بالخطر، حيث يشكل توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين أكبر التحديات التي تعترض المؤسسات الحكومية، وقد زادت الاضطرابات الأمنية التي تشهدها البلاد الوضع سوءا، بسبب الصراعات والانقسامات بين الفرقاء الليبيين من حدة الأزمة التي تنذر بكارثة إنسانية خطيرة في حالة تفشى الفيروس القاتل في البلاد. 

يواجه القطاع الصحي في ليبيا أزمات خانقة، جراء الحرب الأهلية، والانقسام السياسي المتواصل، في البلاد منذ سنوات، حيث تعاني المستشفيات الليبية، من نقص حاد في الأطقم الطبية، والأدوية، والمستلزمات التشغيلية الأساسية، إضافة إلى أن عددا كبيرا من المرافق الصحية أغلقت أبوابها بشكل كامل، بعد تعرضها للاستهداف، أو لكونها تقع في مناطق تشهد معارك مسلحة بين أطراف الصراع الليبي. 

تداعي النظام الصحي في ليبيا والمخاطر الناجمة عن ذلك، أكدها رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض في ليبيا بدر الدين النجار في مقابلة مع وكالة "رويترز" للأنباء الأسبوع الماضي، حين قال إن بلاده ليست في وضع لا يؤهلها لمواجهة فيروس كورونا إذا انتقلت العدوى إليها ودعا إلى تقديم المزيد من الدعم لنظام الصحة الليبي. 

وأضاف بدر الدين ان بلاده تقوم بفحص الوافدين من الخارج عبر الموانئ والمطارات لمنع انتشار الفيروس. لكنه أشار إلى أن البلاد لا تملك ما يكفي من منشآت للعزل والحجر الصحي والعلاج وعزا ذلك إلى نقص الأموال. وتابع "في ظل ضعف الجاهزية والاستعدادات الآن أنا أعتبر ليبيا في وضعية غير قادرة على مجابهة الفيروس". 

وبدورها، أعربت ممثلة منظمة الصحة العالمية في ليبيا إليزابيث هوف، عن شكرها للجهود التي يبذلها المركز الوطني لمكافحة الأمراض، لمكافحة فيروس كورونا ومنع وصوله إلى ليبيا، بقولها: إن جهود المركز "تستحق الثناء" لكنه يواجه صعوبات هائلة. وأوضحت هوف:"عندما يتعلق الأمر بإمكانية الاستجابة، فهذا بلد في خطر أكبر لأن نظام الصحة فيه ضعيف ومفكك بسبب الصراع"، بحسب ما نقتله وكالة رويترز. 

وأشارت ممثلة منظمة الصحة العالمية في ليبيا: إن "الأجهزة، كأجهزة التنفس وما إلى ذلك، ناقصة في العديد من المستشفيات. هناك نقص في الأطباء والممرضات في البلدات وفي الريف". وأضافت إن ما تعانيه ليبيا في القطاع الصحي، بسبب الانقسام السياسي، ولا تملك الوسائل لفرض إجراءات مكافحة لمنع انتشار الفيروس. وختمت هوف حديثها عن الأوضاع المعيشية التي وصفتها بالبائسة للمهاجرين والنازحين، وقابليتهم للمرض، بسبب سوء التغذية التي تجعلهم عرضة للخطر على نحو خاص. 

ويشتكي الليبيون منذ سنوات من ضعف الخدمات الصحية في بلادهم ما يجعلهم يسافرون إلى الدول المجاورة لتلقي العلاج والرعاية الصحية. وتضررت الخدمات الصحية في ليبيا بدرجة كبيرة بسبب الصراع المستمر منذ سنوات. وبات القطاع الصحي في مرمى أزمات خانقة، أبرزها النقص الحاد في الأطقم الطبية نتيجة الإعتداءات المتكررة التي يتعرض لها الأطباء والهجمات على المراكز الطبية. وتؤثر هذه الهجمات تأثيراً سلبياً في إيصال الرعاية الصحية، وفضلاً عن كونها سلوكيات غير أخلاقية وتجافي القانون الإنساني الدولي، فإنها تعوق توفير الخدمات الصحية لمستحقيها. 

تجدر الإشارة إلى أن تردي الأوضاع الأمنية في السنوات الماضية، أدى إلى هروب الطواقم الصحية وعودتها لبلدانهم وايضاً هجرة الأطباء الليبيين للدول المجاورة نتيجة للأوضاع الأمنية المتردية. ونجمت عن هذا الوضع صعوبات تتعلق بفرص توفير الخدمات الصحية لإنقاذ المدنيين المرضى وتلبية احتياجاتهم الصحية. 

وما قد يُعزز ذلك أن مؤشر الأمن الصحي العالمي في عام 2019 يضع ليبيا في المرتبة 168 من بين 195 دولة في العالم، ذلك أن جاهزية البنية الصحية أضعف من أن تتعامل مع الأوبئة أو تحد من انتشارها، وهو أمر مماثل لدول الصراعات في الشرق الأوسط، كما حال العراق وسوريا واليمن، حيث نالت تلك البلدان مراتب متدنية هي الأخرى على التوالي في المؤشر (167، 188، 190)، ناهيك عن الفجوات الصحية بين مناطق ليبيا، نتاجًا لنمط التنمية المناطقية اللا متوازنة بعد عام 2011. 


** تردي الوضع الاقتصادي

منذ سنوات واقتصاد ليبيا يعيش ظروفا سيئة ويمر بأزمات عدة وصلت حد التأزم وألقت بظلالها على المواطن مباشرة، في ظل غياب مؤسسات الدولة، وعجز السلطات المالية والنقدية عن إيجاد حلول للأزمات التي تعصف بالاقتصاد، حيث مازال المواطن الليبي يعاني من تدني ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، ونقص السيولة الحاد في المصارف، وارتفاع أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية. 

وشكل النفط في ليبيا عام 2010، نحو 94% من عائدات ليبيا من النقد الأجنبي و60% من العائدات الحكومية و30% من الناتج المحلي الإجمالي، وكانت ليبيا تنتج 1. 65 مليون برميل يوميًا من معدل احتياطي قدره 41. 5 مليار برميل، وكانت تعتزم في خطة  العام 2011 زيادة إنتاجية بحوالي 3 ملايين برميل يوميًا، وكان معدل دخل الفرد في تلك الفترة هو 4400 دينار. 

وأثر استمرار إغلاق حقول النفط بشكل ملموس على كافة قطاعات الدولة في ليبيا، والتأثير ينعكس بشكل مباشر على المواطن. وفي وقت سابق أعلن وزير الاقتصاد الليبي علي العيساوي أن "بلاده أُرغمت على تخفيض ميزانيتها بما يقارب الثلث، بسبب الصدمة المزدوجة، الناجمة عن وقف إنتاج النفط وخفض أسعاره. ". 

وقال العيساوي في حديث لوكالة فرانس برس، الخميس 12 مارس/أذار الجار، على هامش لقاء مع الوكالة الفرنسية للتعاون التقني "‘كسبيرتيز فرانس" في تونس، "نواجه صدمة مزدوجة: وقف إنتاج النفط وتراجع الأسعار، وسببها بشكل جزئي فيروس كورونا المستجدّ". وأوضح وزير الاقتصاد في حكومة الوفاق الوطني أن ميزانية العام 2020 "طموحة" وحُدّدت بحوالى 55 مليار دينار "35 مليار يورو" "لكننا أُرغمنا على تخفيضها إلى ما يقارب 38 مليار دينار" "24,8 مليار يورو. 

وأشار إلى أن "ذلك يؤثر كثيراً على الخدمات العامة والاستثمار: سيتم إرجاء (بناء) مدارس جديدة ومستشفيات جديدة وكذلك الاستثمارات من أجل تجديد البنى التحتية النفطية". وينبغي على الحكومة التي كانت تتوقع نمواً تفوق نسبته الـ6%، أن تخفّض هذه النسبة، من دون أن يعطي رقماً معيناً. 

وأضاف أنه على الرغم من أن ليبيا هي إحدى الدول النادرة التي لم تُسجّل أي إصابة بفيروس كوفيد-19، إلا أن الوباء العالمي "ألحق أضراراً بليبيا بشكل غير مباشر، إذ إن خفض أسعار (النفط) بسبب تراجع الطلب في الصين، كان له تأثير كبير على الاقتصاد". وقال إن أولوية الحكومة هي "إيجاد وسائل مختلفة عن ميزانية الدولة لتمويل الاقتصاد. 

وفي وقت سابق أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط استمرار انخفاض الخسائر المالية لتوقف الإنتاج والتي تجاوزت 3 مليارات دولار. وأضافت المؤسسة في بيان لها أن الإقفال القسري للحقول والموانئ النفطية تسبب في تراجع كميات الإنتاج اليومي لتصل إلى نحو 98 ألف برميل يوميا فقط، وعبرت عن قلقها الشديد من نقص محتمل في الوقود خلال الأيام القادمة بعد فقدان الإنتاج المحلي. 

وبينما تُلقي حكومة الوفاق باللائمة على الجيش الليبي في ذلك الإغلاق النفطي، كونه يسيطر عسكريًّا على تلك الموانئ والحقول؛ إلا أن الجيش ينفي، حيث يشير إلى أن جماعات قبلية في شرق ليبيا هي التي أقدمت على ذلك، احتجاجًا على إنفاق حكومة الوفاق عائدات النفط على الميليشيات والمرتزقة في معركة طرابلس. وتكمن معضلة ورقة النفط في أنه بينما يسيطر الجيش الليبي عسكريًّا على حقول النفط التي تميل غالبيتها لجهة الشرق، فإن العوائد تدار من طرف المؤسسة الوطنية للنفط التابعة لحكومة الوفاق المعترف بها أمميًّا، وكجزء من ضغوطات القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، على قطاع النفط الليبي. ومما زاد من معضلة تلك الورقة، الاتفاقات الليبية التي سعت لتسوية الصراع وتجاهلت بناء اتفاقات محددة حول التوزيع العادل لعوائد النفط، بما فيها اتفاق الصخيرات المتعثر منذ توقيعه في ديسمبر 2015. 


** أزمة النازحين والمهاجرين

تحولت ليبيا منذ عام 2011 إلى نقطة عبور لآلاف المهاجرين، الذين يسعون للوصول إلى أوروبا. وبينما نجح البعض في الهدف الذي جاء من أجله، بقي من فشلوا في الهجرة ليواجهوا أوضاعا إنسانية مأساوية، زاد من حدتها تصاعد المخاوف من خطر انتشار فيروس "كورونا" في ليبيا التي تعاني أيضا من انتشار النازحين جراء الاوضاع الأمنية المتردية في عدة مناطق. 

وقالت منظمة الصحة العالمية إن الفئات السكانية الضعيفة في ليبيا، مثل النازحين داخليا والمهاجرين، أكثر عرضة لخطر الإصابة بفيروس كورونا المستجد، بسبب قلة الرعاية الصحية والمعلومات عن المرض. ونقلت وسائل الإعلام الليبية عن مدير المكتب الإقليمي للمنظمة أحمد المنظري قوله إن أوضاع البلدان ذات النظم الصحية الهشة في الشرق الأوسط مثل ليبيا وسوريا تثير القلق بعد تسجيلها إصابات بالفيروس. 

ونبه المنظري، بحسب بيان أوردته المنظمة على موقعها الإلكتروني، الجمعة 27 مارس/ذار، إلى خطورة النقص العالمي في معدات الفحص المختبري والوقاية للعاملين الصحيين، إلى جانب القيود المفروضة على السفر وإغلاق الحدود، ما يعرقل قدرة المنظمة على توفير الخبرة التقنية والإمدادات اللازمة بشكل عاجل لهذه البلدان وغيرها. 

وأشار المنظري إلى ستة مجالات تقنية ذات أولوية للدعم العاجل في ليبيا، بهدف تمكين البلد من الكشف عن مرض كوفيد-19 والاستجابة له بشكل أفضل، وذلك بالتعاون مع المركز الوطني لمكافحة الأمراض ووزارة الصحة في حكومة الوفاق. وتشمل هذه المجالات تعزيز الترصّد الوطني للأمراض، وتعزيز فرق الاستجابة السريعة على الصعيد القُطري، ودعم التحري والاختبار في نقاط الدخول، وتحسين القدرة المختبرية، وزيادة المعلومات الصحية والتواصل، ودعم إنشاء عنابر وأقسام للعزل في مستشفيات محددة ومناطق للحجر الصحي في نقاط الدخول

وأكد أنه في ظل انتشار الفيروس على مستوى الإقليم، يُمثل الوصول إلى الفئات الأكثر عرضة للخطر والأشد احتياجا أولوية قصوى، وتعد إتاحة الخدمات الصحية الأساسية، لاسيما للاجئين والسكان النازحين والمهاجرين، ذات أهمية بالغة لنظم صحية قائمة على الحقوق وتحقيق الأمن الصحي العالمي. 

‎ وسبق للمنظمات الدولية للهجرة أن ساهمت في نقل مئات المهاجرين من ليبيا إلى بلد مستضيف، ضمن برنامج العودة الطوعية، الذي تم بدعم من "الصندوق الاستئماني للطوارئ" التابع للاتحاد الأوروبي لأفريقيا. لكن بعد وقف رحلات الطيران بين دول العالم تعطل هذا البرنامج. وهو ما يزيد من المخاوف خاصة مع أوضاع المهاجرين المأساوية. 

ويوجد في ليبيا نحو 7 آلاف مهاجر غير نظامي يحتجزون في مراكز للإيواء في مدن بالعاصمة طرابلس، بالإضافة إلى وجود أكثر من 700 ألف طلقاء يعيشون وسط الليبيين، وفقاً للعقيد المبروك عبد الحفيظ، رئيس جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية لصحيفة "الشرق الأوسط". وتقول جمعيات حقوقية كثيرة إن "غالبية المهاجرين في مراكز الإيواء يعانون أوضاعاً إنسانية وصحية سيئة، في ظل افتقاد هذه المراكز إلى وسائل النظافة والتطهير، فضلاً عن نقص حاد في الغذاء". 

والقت صحيفة "الغارديان" البريطانية الضوء على الحالة المأساوية للمهاجرين في ليبيا بعد أن تقطعت بهم السبل ولم يجدوا من يوفر لهم المساعدات بسبب تعليق عدد من المنظمات أنشطتها في ليبيا وهو ما دعا كثير منهم للتعبير عن تخوفهم من انتشار فيروس كورونا في العالم. وأضافت الصحيفة أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستغلق بعض الأنشطة في ليبيا بسبب الظروف الحالية حتى يتم توفير لوازم الحماية الشخصية لموظفيها. 

يأتي ذلك في وقت تم فيه إيقاف الرحلات المخصصة لإعادة المهاجرين إلى مواطنهم بسبب انتشار الوباء. وقد عبّر العديد من المهاجرين للغارديان عن خوفهم من هذا المرض في حال دخوله إلى ليبيا مبينين أنهم بقيوا محاصرين في منازلهم دون أن يجدوا وسيلة للحصول على لقمة عيشهم. وضع مأساوي مع خطر وباء جعل المهاجرين محاصرين دون أن يجدوا التفاتة من أحد وعلى الرغم من عدم وصول الفيروس إلى ليبيا إلا أن مصير هؤلاء اللاجئين يبقى مجهولا حتى يتم القضاء على هذا الوباء الذي انتشر في العالم بسرعة كبيرة. 


** انقسامات وصراعات

مازالت ليبيا تعيش على وقع الانقسامات السياسية والصراعات المتواصلة بين الفرقاء والتي تغذيها التخلات الخارجية ووخاصة التركية الساعية الى استمرار مسلسل الفوضى في البلاد خدمة لأجنداتها ومخطاتها الرامية الى نهب ثروات البلد النفطي ووتحويله الى بوابة لمد نفوذ أنقرة في المنطقة بصفة عامة. 

واشتدت المعارك على عدة جبهات في ليبيا في طرابلس وذلك على الرغم من خطورة التهديد الذي يمثله استمرار القتال على الجهود المبذولة لوقف انتشار وباء فيروس كورونا. وتجدد القتال العنيف هذا الأسبوع بعد هدوء نسبي في الأسابيع الأخيرة في تحد لمطالبات دولية بالتهدئة للسماح للنظام الصحي الليبي المثقل بالأعباء بالفعل بالاستعداد لأي انتشار للفيروس. 

وأعرب الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء عن أسفه لتصاعد القتال في ليبيا على الرغم من الدعوات الدولية إلى هدنة إنسانية للمساعدة في احتواء جائحة فيروس كورونا في البلاد. وقال الممثل الأعلى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل في بيان له إن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء يأسفون لتصاعد القتال في ليبيا على الرغم من الدعوات الدولية إلى هدنة إنسانية للمساعدة في احتواء جائحة فيروس كورونا في البلاد. 

وأضاف بوريل "إن الظروف الصعبة الناجمة عن وباء فيروس كورونا تجعل الحاجة إلى وقف القتال في طرابلس وفي جميع أنحاء البلاد أكثر إلحاحًا" مضيفا "نحن ندين بشدة أي هجوم على السكان المدنيين". وتابع "نحث جميع الأطراف الليبية المعنية على وقف القتال على الفور والانخراط في التوصل إلى حل سياسي للأزمة وينبغي أن تلتزم قيادة الطرفين بمشروع اتفاق وقف إطلاق النار الذي وضعته اللجنة العسكرية المشتركة ("5 + 5") في محادثات جنيف التي تيسرها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حتى يتسنى نشر جميع الأصول المتاحة كأولوية لاحتواء أزمة فيروس كورونا". 

ودعا بوريل "جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مرة أخرى إلى احترام ودعم حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، ووقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى ليبيا، والامتناع عن الأعمال التي تزعزع الاستقرار والتي يمكن أن تزيد من تدهور الوضع الهش أصلا في البلاد". مشيرا الى أنه "يتعين على جميع الأطراف الليبية الانخراط بشكل بناء في المحادثات بين الأطراف الليبية التي تيسرها الأمم المتحدة من أجل الاتفاق على تنفيذ تدابير اقتصادية ومالية عاجلة". 

وكانت الأمم المتحدة بالإضافة إلى دول غربية وعربية دعت الأسبوع الماضي طرفي النزاع في ليبيا إلى الوقف الفوري للأعمال القتالية لمواجهة خطر وباء كورونا المستجد. وأبدى أصحاب المبادرة أملهم في أن تؤدي هذه الهدنة الإنسانية إلى اتفاق قيادات كلا الطرفين الليبيين على مشروع وقف إطلاق النار، الذي يسّرته الأمم المتحدة في 23 فبراير (شباط) الماضي، والذي تم التوصل إليه في جنيف في إطار اللجنة العسكرية المشتركة الليبية "5+5"، والعودة إلى الحوار السياسي. 

ورحب الجيش الليبي بالدعوة الصادرة بخصوص وقف القتال لأغراض إنسانية للاستجابة لوباء كورونا. ولاحقا، أعلنت حكومة الوفاق في طرابلس حظرا جزئيا للتجوال بسبب كورونا. ورحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش السبت بالردود الإيجابية من الأطراف الليبية، على دعوات بوقف إنساني للقتال للسماح للسلطات بالاستجابة لتحدي الصحة العامة الذي يشكله تفشي فيروس كورونا. 

وبالرغم من ذلك، فان وقف اطلاق النار لم يتواصل، حيث عادت الخروقات من جديد من طرف المليشيات، التي شنت هجوما مفاجئا على قاعدة الوطية العسكرية هدف تحقيق تقدم في المعارك ضد الجيش الوطني الليبي بعد أن فشلت في تحقيقه طوال الأشهر الماضية. وكشف آمر غرفة العمليات المشتركة التابعة لقوات الوفاق أسامة الجويلي، عن انطلاق عملية "عاصفة السلام" للسيطرة على قاعدة الوطية الجوية. 

واعترف رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، باختراق الهدنة الإنسانية، حيث تبنى ما يسمى عملية "عاصفة السلام"، وأشاد السراج، في بيان أصدره بقواته، والقوة المساندة التي "نفذت مهامها بكفاءة واقتدار" في العملية، وقال إنها "رد اعتبار لضحايا عمليات الميليشيات الإرهابية المعتدية، ومن معها من مرتزقة إرهابيين، وإننا سنرد بقوة على مصادر أي عدوان يقع علينا. في إشارة إلى قوات الجيش الوطني. 

وفشل الهجوم فشلا ذريعا وتمكن الجيش من تكبيد الميليشيات خسائر فادحة وأسر مقاتلين شاركوا في الهجوم على القاعدة الجوية الواقعة غرب طرابلس. وقالت شعبة الإعلام الحربي التابعة للجيش إن مقاتلات سلاح الجو أفشلت الهجوم الغادر على قاعدة الوطية العسكرية "ما كلف العدو خسائر كبيرة في العتاد والأرواح". كما أعلنت عن أن الجيش "أسر 7 مسلحين من المرتزقة وغنم عددا من الآليات العسكرية المحملة بالأسلحة والذخائر. 

كما تمكن الجيش الليبي من تحقيق تقدمات كبيرة بعد أن عكس الهجوم واستطاعت الجيش الليبي فرض معادلة عسكرية جديدة قد تساهم في تغيير موازين القوى خاصة مع اقتراب الجيش الليبي من إحكام سيطرته على مُجمل الحدود البرية الليبية مع تونس التي تعد الشريان الرئيسي للعاصمة طرابلس التي تخضع للميليشيات والتنظيمات الإرهابية الموالية لحكومة الوفاق. 

وبالرغم من تبني السلطات في شرق وغرب ليبيا لاجراءات احترازية تحسبا لانتشار فيروس كورونا، فان التصعيد المتواصل والهجمات المتكررة تنذر بخطر كبير يتهدد البلاد خاصة مع ضعف الامكانيات في القطاع الصحي. ويشير مراقبون الى أن استمرار الانقسامات والصراعات من شأنه تشتيت الجهود لاحتواء خطر الفيروس وهو ما قد يكلف ليبيا ثمنا باهضا، ويؤكد هؤلاء أن توحيد مؤسسات الدولة بات ضروريا لمواجهة التحدي الصعب الذي عجزت امامه دول متقدمة لحد الآن. 


** أزمة الحدود

منذ ظهور "كورونا" في دول الجوار خصوصا تونس والجزائر ومصر، استبقت سلطات ليبيا وصول الفيروس واتخذّت إجراءات احترازية، وذلك بإغلاق الحدود المشتركة مع عدد من دول الجوار الليبى وحظر التجول. ووجهت القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية تعليماتها بإغلاق كافة حدود الدولة الخاضعة لسيطرتها، وذلك ضمن الإجراءات الاحترازية للتصدي لوباء كورونا والحد من انتشاره. 

وأعلنت المناطق العسكرية الجنوبية في ليبيا، عن إغلاق الحدود الليبية مع دول الجوار السودان وتشاد والنيجر والجزائر ابتداء من هذا الأربعاء 18 مارس الي حين إشعار آخر. وحذرت عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، من مخالفة القرار، داعية الجميع التقيد بهذا القرار الذي يشمل المناطق الادارية الواقعة تحت نطاق مجموع المناطق العسكرية الجنوبية على النحو التالي "منطقة مرزق العسكرية"، "منطقة أوباري غات العسكرية"، "منطقة الكفرة العسكرية". 

ومن جهتها، أعلنت حكومة الوفاق الوطني الليبية ومقرها طرابلس يوم السبت (14 مارس آذار) حالة الطوارئ وأغلقت جميع الموانئ الجوية والبحرية اعتبارا من يوم الاثنين. وقال رئيس الوزراء فايز السراج إن الحكومة خصصت 500 مليون دينار ليبي (360. 54 مليون دولار) لمكافحة المرض إذا وصل إلى ليبيا. 

وأعلن الجيش الليبي، الثلاثاء 24 مارس، تسيير دوريات عسكرية لتمشيط الحدود مع 4 دول: مصر، تشاد، الجزائر، والنيجر، من أجل الحيلولة دون وصول كورونا ومنع تهريب الوقود إلى دول الجوار. وقال محمود الورفلي، مدير مكتب الإعلام بالمناطق العسكرية الجنوبية، إن آمر (قائد) المناطق العسكرية الجنوبية اللواء بلقاسم الأبعج وصل إلى مدينة الكفرة، جنوب شرقي البلاد بغية إطلاق الدوريات. 

وأضاف، في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن الدوريات العسكرية تمشط صحراء أوباري، حيث تعد نشطة في الهجرة غير الشرعية وتهريب الوقود إلى دول جوار ليبيا، بالإضافة لمنع دخول مهاجرين غير شرعيين مصابين بفيروس كورونا المستجد. وأوضح أن الدوريات وصلت إلى الحدود كذلك مع الجزائر والنيجر، كما تم مصادرة شاحنات كبيرة وثلاث سيارات دفع رباعي كانت تستخدم في تهريب الوقود. 

ومن المقرر أن تبدأ دوريات عسكرية في الجنوب الشرقي للبلاد، وذلك لمراقبة الحدود والسيطرة على أي محاولات لنقل فيروس كورونا إلى داخل ليبيا. وبرغم هذه الاجراءات، فلا يُعرف يقينًا ما إذا كان هنالك تسرب من تلك الدول المصابة إلى ليبيا، مع بداية أزمة كورونا من عدمه، في ظل هشاشة السيطرة على بعض مناطق الحدود الطويلة مع دول الجوار الإقليمي، خاصة من جهتي الغرب والجنوب الليبي. 

ومثلت حدود ليبيا غير مضبوطة منذ العام 2011، خطرا كبيرا على البلاد حيث أتاح ضعف الامكانيات وغياب المراقبة الحدودية المجال لأسواق السلاح والبشر والمخدرات أن تزدهر، إلى جانب عمليات الاتجار غير المشروع اليومية بالوقود والبضائع، وهو ما ترتّب عنه عواقب وخيمة عاينتها ليبيا خلال السنوات الماضية. ويخشى كثيرون من أن يكون فيروس كورونا الخطر الأكبر الذي يتهدد حدود ليبيا بالرغم من المحاولات الكبيرة التي يبذلها الجيش الليبي لتأمينها. 


** مخاطر التدخل التركي

تمثل التدخلات الخارجية خطرا يتهدد ليبيا منذ سنوات، ومع انتشار فيروس كورونا باتت الأنظار متجهة الى آلاف المرتزقة الذين تدفع بهم تركيا منذ أشهر للقتال الى جانب حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي، بالاضافة الى جنود ومستشارين أتراك وهو ما يحمل مخاطر كبيرة لاحتمال انتشار كورونا لا سيما إذا وضعنا في الاعتبار أن تركيا أصبحت إحدى بؤر المرض في منطقة الشرق الأوسط. 

وكان وزير الصحة التركي، فخر الدين قوجة، أعلن، يوم الجمعة 27 مارس/آذار 2020، عن ارتفاع عدد الوفيات نتيجة الإصابة فيروس كورونا في تركيا إلى 92 حالة وعدد المصابين إلى 5698 شخصا، حيث تم تسجيل 17 وفاة وأكثر من 2000 إصابة جديدة خلال الـ24 ساعة الأخيرة. وطالب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، المواطنين الأتراك، بفرض "الحجر الطوعي" والبقاء في منازلهم. 

وقالت مصادر أمنية إن الفيروس انتقل إلى العاصمة طرابلس نتيجة استمرار السلطات التركية في إرسال المرتزقة السوريين لدعم حكومة الوفاق. وبحسب صحيفة "العرب" اللندنية، قالت مصادر ليبية إن هناك حالات عديدة مصابة بفايروس كورونا وسط الميليشيات جراء اختلاطهم بالمسلحين الذين أرسلهم الرئيس التركي للقتال ضد الجيش الليبي في محاور العاصمة طرابلس. وتضيف هذه المصادر أن هناك شكوكا واضحة بشأن عملية الإعلان عن وجود إصابة واحدة في ليبيا خاصة في ظل استمرار إرسال النظام التركي لمرتزقته إلى ليبيا مستغلا انشغال العالم بمكافحة المرض. 

وأضافت الصحيفة، أنه كان هناك اعتقاد واسع بين الليبيين بأن الحرب الدائرة في البلاد والتي تسببت في إغلاق مطارات ومعابر حدودية، ساهمت في تأخير وصول الفايروس إلى ليبيا، لكن رحلات المرتزقة القادمة من تركيا قد عززت المخاوف من تفشي الفايروس. ويبدو أن هذا الأمر هو الذي عجل بوصول الوباء خاصة في ظل تحذيرات من مغبة الاستمرار في إرسال المرتزقة من تركيا إلى طرابلس. 

وقال اللواء فوزي المنصوري قائد محور عين زارة بالجيش الوطني في جنوب طرابلس، إن تفشي الوباء في تركيا لن يجعلها تتوقف عن تزويد المرتزقة بالسلاح والذخيرة، مشيراً إلى مواصلة الرحلات الجوية من تركيا إلى ليبيا. وأضاف في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن أردوغان يرسل مستشارين عسكريين وجنوداً أتراكاً ربما يكونون مصابين بفيروس كورونا المستجد. 

من جانبه، أكد المتحدث باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري أن تركيا والوفاق استغلتا الموقف الإنساني المتعلق بإعادة المواطنين الليبيين العالقين بمطارات تركيا، لنقل المرتزقة الإرهابيين من المطارات التركية على ذات الرحلات المتجهة إلى مطار مصراتة. وأوضح المسماري، في تصريحات صحفية، أن إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية من الموانئ التركية إلى ميناء طرابلس ومصراتة مستمر حتى الآن. وأشار المسماري إلى أن نقل المرتزقة السوريين والأتراك حالياً إلى طربلس قد يؤدي إلى انتشار فيروس كورونا بطرابلس وغرب البلاد. 

ويشير الكثيرون الى أن المليشيات الموالية لتيار الاسلام السياسي وبدعم من تركيا تسعى لاستغلال الأوضاع الراهنة لتحقيق انتصارات ميدانية عجزت عن تحقيقها خلال الاشهر الماضية. وتدفع قيادات تيار الاسلام السياسي إلى سيناريو تصعيد الصراع في هذا التوقيت، كما حال المفتي المعزول الصادق الغرياني الذي دعا الليبيين في الغرب إلى عدم الاهتمام بكورونا، وتوجيه كل دعمهم للجبهة العسكرية في مواجهة الجيش الوطني الليبي. 

ويؤكد مراقبون أن الهدنة في ليبيا تبقى هشة وقابلة للانهيار، وبينما يشترط الجيش الوطني الليبي إخراج المرتزقة والقوات التركية، ووقف إمدادات السلاح التركي، وتصفية الجماعات الإرهابية من غرب ليبيا، كي يتم تفعيل ذلك وقف اطلاق النار الدائم؛ تطالب حكومة الوفاق بعودة الجيش الليبي إلى ما قبل خطوط بدء معركة طرابلس في الرابع من أبريل 2019. 

يزيد انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد -19) في ليبيا، من تنامي حالة الإحباط من واقعٍ صراع لا يكاد يدنو من السلام خطوة، حتى يبتعد عنه خطوات أخرى، برغم مرور تسع سنوات من الأزمة التي عصفت بالبلاد عقب التدخل الغربي الذي اغتال الأمن والاستقرار وألقى بهذا البلد في غياهب الفوضى والانقسامات. ويأمل الليبيون في توحيد الصفوف من أجل اعادة بناء الدولة بما يضمن مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.