تتسارع وتيرة تغيّر المناخ بصفة غير مسبوقة. حيث لا جدال في أن الأنشطة البشرية هي سبب هذا الاضطراب، مما تسبب في ظواهر مناخية شديدة ومتواترة (موجات الحرارة ، هطول الأمطار الغزيرة ، الجفاف ،...)
نتيجةً لهذه التغيرات المناخية و ظاهرة الاحتباس الحراري الناتجة عن إرتفاع نسبة إنبعاث الغازات الدفينة (يمكن أن تبلغ 52 % في أفق 2050) ،ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرها، تتزايد موجات الحر في المدن بشكل كبير ما من شأنه أن يهدّد صحة وحياة السكان.
وتسمى هذه الظاهرة "كتل الحرارة الحضرية"، إذ ظهر هذا التعبير في منتصف القرن العشرين تقريبًا. وهو يشير إلى ظاهرة ارتفاع درجة الحرارة الموضعية في المناطق الحضرية مقارنة بالمناطق الريفية المجاورة. هذه الكتل الحرارية عبارة عن مناخات مصطنعة ناتجة عن الأنشطة البشرية (محطات الطاقة والمحولات الحرارية وما إلى ذلك) والتخطيط الحضري (الأسطح المظلمة التي تمتص الحرارة ، مثل القطران).
وقد وجب أخذ ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية وتداعياتها المحتملة على الصحة اليوم بجدية أكبر في سياق الاحترار العالمي و فقًا لأحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ، والذي تم الإعلان عنه في أبريل .2022
يتجه العالم نحو ارتفاع درجة حرارة + 3.2 درجة مئوية في أفق 2050 ولن يتبقى أمام البشرية سوى ثلاث سنوات لعكس هذا الاتجاه. من أجل تجنب هذه السيناريوهات الكارثية ، يجب اتخاذ العديد من التدابير مثل الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من خلال ترك الوقود الأحفوري نهائيًا ، والاستثمار في الطاقات المتجددة ، ووقف جميع عمليات إزالة الغابات واستعادة النظم البيئية الطبيعية ، وإنشاء زراعة مستدامة ومنطقية ، وإنشاء كفاءة أفضل للطاقة مع ، على سبيل المثال ، التجديد الحراري للمباني ، فضلاً عن اقتصاد أخضر أكثر تقييدًا بشكل عام.

يعتبر تخضير المساحات الخضراء والحفاظ عليها ضرورةً ملحة في مكافحة ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية. يعمل الغطاء النباتي على توفير بيئة باردة، سواء عن طريق إنشاء ظلال في فصل الصيف أو عن طريق تبخير المياه وخلق بيئة ملائمة للحيوانات والنباتات، وتقليل فارق درجات الحرارة.توفر الأشجار والنباتات فوائد إضافية في البيئة الحضرية، بما في ذلك تحسين جودة الهواء من خلال توليد الأكسجين واستيعاب ثاني أكسيد الكربون، وتنقية الجسيمات العالقة وتقليل احتياجات التكييف. إنها تساهم في تخزين مياه الأمطار في التربة وتقليل مخاطر الفيضانات. تقي السكان من الأشعة فوق البنفسجية وتقلل من ضغوط الحرارة، بالإضافة إلى توفير مساحات للنشاط البدني وبالتالي تأثير إيجابي على الصحة العقلية والبدنية.
في المناطق الحضرية، يجب اختيار النباتات بعناية لضمان توفير كثافة جيدة للأوراق والظل، مما يمكن أن يصل إلى 60٪ من الإشعاع الشمسي عندما تنضج الأشجار. من المستحسن تجنب الأنواع التي تسبب تلوث الهواء وتشكيل الضباب الدخاني، وكذلك النباتات المسببة للحساسية. يجب أيضاً اختيار الأنواع المحلية التي تتأقلم مع التغيرات المناخية والبيئية.
تعتبر المساحات الخضراء أساسية في بيئة حضرية عالية الجودة. في تونس، تغطي المساحات الخضراء حوالي 1062 هكتار، مما يعني مساحة خضراء تصل إلى حوالي 14.65 متر مربع لكل ساكن. تتضمن هذه المساحات المتنزهات الحضرية والمساحات المشجرة في جميع أنحاء المدينة. من بين هذه المناطق، يبرز بارك البلفيدر كأكبر مساحة بيئية عامة في البلاد.
تعمل الوزارات المعنية والبلديات في تونس على نشر الوعي البيئي وحماية المساحات الخضراء، ولكن هذه الجهود تبقى محدودة مقارنة بالدول المتقدمة. يعود النمو العمراني وارتفاع معدلات الهجرة من الريف إلى تقلص المساحات الخضراء، حيث يتم الاستيلاء عليها لأغراض البناء. من الأمثلة على ذلك هو حي رواد والتقدم العمراني الذي يؤثر على الغابة الشبه حضرية في سيدي عمر.
باختصار، تسود المدن التونسية اللون الرمادي أكثر من الأخضر، وهذا يؤثر سلباً في ظاهرة الاحتباس الحراري. ومع تغير البيئات الحضرية باستمرار، هناك العديد من الفرص لدمج الغطاء النباتي في خطط إعادة الهيكلة الحضرية والتطوير. من الإجراءات والاستراتيجيات المهمة التي يجب اتخاذها: استراتيجيات التخضير الحضري، زراعة الأشجار في الشوارع، إنشاء أماكن للظل في مواقف السيارات، خلق مناظر طبيعية حول المباني، تصميم جدران خضراء، وبناء أسقف خضرا.