تقف ليبيا اليوم أمام مفترق طرق، حيث تواجه سيناريوهات التقسيم نتيجة الفوضى الناتجة عن غياب الدولة ومؤسساتها القادرة على بسط نفوذ القانون واحتكار العنف، وسط تساؤلات عن فعالية قرار قيادة الجيش بوقف إطلاق النار في جميع المدن لوقف الاقتتال الداخلي. 

لا يختلف المراقبون على أن ما يجري في عموم ليبيا عنف ممنهج تقف وراءه أطراف بعينها، في غياب لمؤسسات الدولة يكاد يصل حد اللامبالاة حيث يتم يفرض الواقع بقوة السلاح، لتكون الشرعية الواقعية، فالسلاح يقف حائلاً في وجه كل من يريد التأسيس من أجل البناء، ما أدى لعرقلة إعادة بناء الدولة الليبية وجعل مرحلة ما بعد سقوط معمر القذافي تتميز بالفوضى والخطورة ، فوق ما كانت فيه ليبيا أساساً، وأصبحت هذه الحالة تهدد أيضاً كل دول الجوار، تونس والجزائر ومصر وشمال المتوسط. وكان من المفروض أن تتخلى الميليشيات التي أسهمت في إسقاط القذافي عن سلاحها بعد رحيله لكنها بقيت محتفظة به، بل إن حمل السلاح أصبح هو الضمان للاحتفاظ بالقوة والسلطة في البلاد وهو ما جعل مؤسسات البلاد تفقد هيبتها تدريجيا، لصالح سلطة الفرد. 

ليس من مصلحة الشعب الليبي نشوب حرب داخلية ، وليس أيضا من مصلحة دول الجوار قيام هذه الحرب لأن تداعياتها ستكون وخيمة ، والحل بإيجاد مخرج لهذه الأزمة عبر ضبط خريطة طريق واضحة لنزع السلاح من كل الميليشيات غير المنضوية تحت مؤسسات الدولة والعمل على قيادة عملية مشاركة شعبية عارمة تشرع في البناء والتنمية والإعمار بعيداً عن قعقعة السلاح ولغة الدم والانزلاق نحو الفوضى.

ثمة أسباب عدة تدفع للتفاؤل بمستقبل ليبيا، حيث إن الأوضاع لم تصل بعد إلى الدموية التي يشهدها العراق وسوريا، ومن الممكن أن ينجح البرلمان الجديد في توحيد البلاد. وليس أمام الليبيين الآن إلا أن يترفعوا عن أحقادهم ويفعَلون بقوة مبدأ المصالحة لبناء الدولة، إذ لا مجال لبناء الدولة إلا في كنف التسامح ، وهذا هو السبيل الوحيد ، وبدونه لا يوجد خيار عدا قوات أجنبية تفرض السلام بالقوة على أرض ليبيا.