منذ إنهيار الدّولة في ليبيا و إنتصار "ثور 17 فبراير" المدعومة بطائرات خلف شمال الأطلسي و سقوط نظام  العقيد معمّر القدّافي ,دخلت البلاد في حالة من الفوضى بسبب تفكّك مؤسسات الدّولة و انتشار السّلاح وسيطرة  الميليشيات المسلّحة المنتظمة على أساس قبلي و جهوي و عقائدي حيث يوجد في ليبيا الآن أكثر من 30 ميليشيا مسلحة متفرقة في كامل أنحاء البلاد ترفض في معظمها تسليم أسلحتها أو الإنصهار في جسم وطني موحّد ،الشيء الذي يعطّل حتى الآن بناء جيش وطني ليبي قويّ ,و التفرّغ بالتالي لبناء باقي مؤسسات الدّولة عقب "ثورةِ" دامية سقط فيها عشرات الألاف من الضحايا بين قتيل و جريح و مشرّد ,غير أنّ الأمر لا يتوقّف عند هذا الحد ,ففشل الساسة في بناء نظام سياسي صلب يستطيع أن يحل مشاكل البلاد بما فيها مشكلة السلاح و الميلشيات أمرٌ يزيد المشهد تأزّما خاصة مع انتهاء المدّة القانونية للمؤتمر الوطني في 7 فبراير الجاري ما جعل البلاد تدخل في حالة من عدم الإستقرار السياسي علاوة على وضعها الأمني الدّاخلي المتدهور بطبعه و المنفلت بين الحين و الآخر في شكل مواجهات مسلحة و إغتيالات سياسية و عمليات إختطاف أشهرها و أخطرها اختطاف رئيس الوزراء علي زيدان نفسه الشيء الذي إعتبره كثير من المراقبين مؤشرا واضحا على هذا الوضع المأساوي و الكارثي الذي تعيشه البلاد .

و تشير الإحصائيات إلى أن الميليشيات المسلحة في ليبيا أقوى تنظيما و تسليحا من القوات النظامية الضعيفة و ربّما الشّكلية أيضًا في البلاد، إذ تمتلك هذه الميلشيات  من 75 إلى 85 في المائة من المقاتلين المتمرسين وتسيطر على معظم مخزونات السلاح التي تقع خارج سيطرة الحكومة ففي مصراتة، مثلا، تسيطر الميليشيات على أكثر من 820 دبابة، وعشرات من قطع المدفعية الثقيلة، وأكثر من 2.300 سيارات مجهزة برشاشات وأسلحة مضادة للطائرات، ويُعتقد أن هذه النسبة تبلغ أكثر من ذلك بكثير.

داخل هذا المشهد المأساوي و الكارثي على المستويين السياسي و الأمني خرج اللواء خليفة حفتر القائد السابق للقوات البرية الليبية، أواخر الأسبوع الماضي  معلنا تجميد عمل المؤتمر الوطني والحكومة الليبية والإعلان الدستوري ,غير أنّ هذه "المبادرة" التي نفى صاحبها في ما بعد أن تكون إنقلابًا ,لم تلقى أي صدى أو إستجابة على أرض الواقع ,لتخرج اليوم كتيبتا "القعقاع" و "الصواعق" لتعلنا في بيان شديد اللهجة بشأن "ما يحدث في ليبيا من قتل وخطف وانعدام للأمن" بأنها تمهل المؤتمر الوطني العام (البرلمان الليبي المؤقت) 5 ساعات لتسليم السلطة، و"من يخالف ذلك سيعتبر خارجا عن الشرعية ومطلوب للعدالة". على حد تعبيرها .

وقالت الكتيبتان، في البيان، إن "ثوار ليبيا الحقيقيين في كل مكان، يمهلون المؤتمر 5 ساعات لتسليم السلطة، من لحظة قراءة البيان، وسيعتبر بعدها كل عضو في المؤتمر خارج عن شرعية الشعب ومطلوب للعدالة، ويعتبر كل من يبقي من أعضاء المؤتمر مغتصبا للسلطة وضد إرادة الليبيين وسوف يكونوا مطلوبين وهدف لنا بالقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة جراء ما قامو به من أعمال ونتهمهم بالتآمر علي ليبيا وسلب خيراتها وإهدار مالها وخيانة الشعب".

وأضافت: "إيمانا منا بأن سبب مشاكل البلاد هم الإخوان والجماعات المؤدلجة والمتطرفة، ونعتبرهم داءا، ووباءا لهذا البلد وسوف نكون نحن الدواء، ونتعهد أمام الشعب أننا لسنا طلاب سلطة ولكن وفاء لدماء رفاقنا من الشهداء ووفاء لهذا الوطن، أن نكون حماة الوطن حتي يقف علي قدميه لبناء مؤسساته العسكرية والأمنية وسوف نكون داعمين لذلك بكل ما أوتينا من قوة".

وحملت الكتيبتان المسؤولية كاملة لأعضاء المؤتمر في حالة البلاد إلى الهاوية ودفع الثوار إلى القتال فيما بينهم، وقالت: "نحملهم دم كل ليبي يسيل علي هذا الوطن وسوف تطال يد الثوار الحقيقيين كل خائن وجبان أينما كان وسوف نطهر البلاد من أشباه الثوار الأنذال". وفي ختام البيان قالت الكتيبتان: "بعد هذا التاريخ وهذه المده الكل يتحمل مسؤولية هذا الوطن ونطالب من الشعب الليبي الحر الوقوف إلى جانب الحق في تطهير البلاد ومناصرته الكاملة فهو صاحب الشرعية والسيادة بعد الله".

 

من هي "القعقاع" و "الصّواعق" ؟ و ماذا تُريد ؟

 

 كتيبا "الصواعق" و "القعقاع" ينحدران كلاهما من منطقة الزنتان من جبل نفوسة غرب البلاد ,بالنسبة  لــ"الصواعق" فهي تشكيل مسلّح و منظّم و مهيكل بصرامة كانت قد اشتركت في الهجوم على طرابلس في سبتمبر 2011 ضمن ما سُميّ بعمليّة "فجر أوديسا" ، وكلفت بعد ذلك بحماية كبار أعضاء الحكومة الانتقالية، لتقوم  بتغيير اسمها إلى كتيبة الصواعق للحماية، وأدرجت تحت سيطرة وزارة الدفاع في كتوبر 2012 وعدد أفرادها غير معروف، لكن تسليحها على مستوى عال جدًا ، خاصة و أنها تمتلك أسلحة مضادة للطائرات و تعتبر من أقوى التشكيلات المسلحة في ليبيا و تُكوّن و تخرّج بإستمرار دفعات جديدة من المقاتلين و المجنّدين ,و يوصف عناصرها بأنّهم على مستوى عالي من التّدريب و الكفاءة القتالية كما تمتلك الكتيبة ترسانة حربية كبيرة قوامها عدد كبير من الدبابات و الاسلحة المضادة للطائرات و تسيطر على مخازن كبيرة للسلاح و الذخيرة غرب البلاد . يقود الكتيبة  عماد مصطفى الطرابلسي و لا يعرف عنها أي ميولات دينية متشدّدة على عكس الكثير من الميلشيات الأخرى. و كان الطرابلسي آمر الكتيبة قد تعرّض لمحاولة إغتيال فاشلة في يوليو العام 2013 عندما قام مجهولون بإستهداف مقر كتيبته في العاصمة طرابلس بقذيفتين نوع "أر بي جي"  ما  أسفر عن إصابة الطرابلسي ، وإحداث ضرر طفيف بالمبنى.

أما كتيبة القعقاع فقد تكونت على يد مجموعة من "الثوّار" من منطقة الزنتان عام 2011 أثناء المعارك التي خاضتها المدينة ضد القوات النظامية أيام الحراك الثوري و الانتفاضة ضد نظام العقيد معمّر القدّافي و آمر هذه الكتيبة هو عثمان مليقطة الذي انشق عن النظام الليبي مع بداية "ثورة 17 فبراير" و يبدو أن مليقطة مازال يواجه تهمة الإنتماء لــ"فلول النظام السابق" من خلال ما ينسبه البعض في ليبيا الى "كتيبة القعقاع" بإحتوائها على عناصر من "اللواء 32 معزّز" الذي أسّسه و كان يقوده خميس معمّر القذافي نجل الزّعي الليبي الراحل و قد صرّح مليقطة لراديو الشباب الليبي يوم 21 يونيو 2011  بأن "اتهامه بوجود عناصر من اللواء 32 معزز المنحل ليست تهمة و أن رئاسة الأركان ووزارة الدفاع قد نقلت إليه العناصر التي لم تتورط في دم الليبيين وقال أنهم كفاءة وقادرين على مكافحة الإرهاب وتأمين ليبيا "

و تتبع كتيبة القعقاع رسيميًا وزارة الدفاع وقد تم تغيير اسمها منذ الفاتح من أكتوبر/تشرين الأول العام 2012 الى " اللواء الأول لحرس الحدود والمنشآت النفطية " .

و كان جمعة القماطي رئيس حزب التغيير الليبي قد وجّه أصابع الإتهام في عملية إختطافه في أكتوبر من العام قبل الماضي الى كتيبة القعقاع غير أن مساعد آمر الكتيبة نفى ذلك مؤكّدًا أنّه تقدّم بشكوى ضد القماطي في الغرض .

و كانت كتيبتا "القعقاع" و "الصاعقة" تسيطران على مناطق كثيرة داخل العاصمة طرابلس أهمها المطار  ومواقع حساسة أخرى في المدينة  قبل أن تنسحبا في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي و سلم عناصر الكتيبتين المواقع التي كانوا يحتلونها وغادروا المدينة مع اسلحتهم وآلياتهم حيث أعلن قائد لواء القعقاع عثمان المليقطة حينها ، أن افراد مجموعته انضموا الى حرس الحدود وسيتوجهون الى اماكن خدمتهم في الحدود الجنوبية.

و يأتي هذا الإنسحاب على خلفية مظاهرات شهدتها العاصمة طرابلس مطالبةً بخروج الميليشيات المسلحة من المدينة بسبب الفوضى و المواجهات الدّامية التي تقوم بين الحين و الآخر في الأحياء و الشوارع بين كتائب من مصراطة و الزنتان ما حوّل العاصمة الى مكان للمعارك المسلحة و جعل الأمن فيها مفقودًا بصورة تامة خاصة بالليل .

هذا و يُذكر أنّ كتيبة القعقاع بقيادة عثمان مليقطة المناوءة للجماعات الإسلامية و التي يصفها البعض بأنّها مُقرّبة من محمود جبريل الليبرالي و الخصم السياسي الأقوى للإخوان المسلمين في ليبيا و هو أمر غير مُثبت بقرائن واضحة و يحتاج الى التأكيد و لكنّه في ذات الوقت غير مُستبعد ,لا توافق على مشروع التّمديد المقترح للمؤتمر الوطني و قد قامت في 3 فبراير الجاري بإقتحام مقر المُؤتمر الوطني و تحدثت مصادر اعلامية بأن مليقطة الذي طلب مقابلة "بوسهمين" رئيس المجلس لم يتمكّن من ذلك فترك رسالة شفويّة فيها تحذير من عملية التمديد المقترحة .و يبدو أن هذا البيان التحذيري الصادر اليوم يندرج ضمن ذات السياق الرّافض للمؤتمر الوطني و للتمديد ..