يكشف كينيث ر. تيمرمان في كتابه الجديد، {قوى الظلام} (Dark Forces)، أن قاسم سليماني كان الشخص الغامض وراء مقتل السفير كريستوفر ستيفنز في بنغازي، ليبيا.هو الساحر الخفي وراء الإرهاب الإيراني، وهو الإرهابي الأكثر فاعلية وخطورة على وجه الأرض.إنه قاسم سليماني، رئيس قوة {القدس}، تلك المنظمة التي تجمع بين مهام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وجنود {القبعات الخضراء} بالنسبة إلى إيران، وهو الرجل الذي خطط لحملة الفوضى ضد الولايات المتحدة حول العالم.اليوم، تتحالف إدارة أوباما مع سليماني لمحاربة {الدولة الإسلامية في العراق والشام}.في هذه الحالة، تتلاقى أهداف إيران (نشوء حكومة مؤيدة للشيعة في العراق) مع الآمال الأميركية بتجنب انهيار البلد.لكن يجب ألا ينخدع أحد بما يحصل: إنها مجرد شراكة مصلحة ولن تدوم طويلاً.

قال لي رئيس استخباري إيراني سابق لأوروبا الغربية: {إيران تريد الفوضى. يريدون تأجيج مشاعر الغضب المعادية للولايات المتحدة، وتعزيز نزعة التطرف لدى الثوار، والحفاظ على مناخ الحرب. يتعاملون مع الوضع بجدية مطلقة. يريدون الاساءة إلى سمعة الولايات المتحدة باعتبارها بلداً يحب الحرية بنظر العرب}.خطط سليماني للاعتداءات في جميع الأماكن، بدءاً من لبنان وصولاً إلى تايلاندا. تتّهمه وزارة العدل الأميركية بمحاولة الاستعانة بعصابة مخدرات مكسيكية لقتل السفير السعودي لدى الولايات المتحدة أثناء وجوده في العاصمة واشنطن.في غضون ذلك، تفيد مصادري بأن سليماني كان متورطاً في اعتداء مباشر على الولايات المتحدة، أي مقتل السفير كريستوفر ستيفنز في بنغازي، ليبيا.أضاف رئيس الاستخبارات: «في ليبيا، أرادت إيران أن تكبح النفوذ الأميركي كونها تعتبره تهديداً عليها. اعتبر الإيرانيون الانتفاضة ضد القذافي (والربيع العربي عموماً) فرصة لتحقيق ذلك».

عملية الخطف

أقام ملحق وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في بنغازي مركز تنصت لوكالة الأمن القومي وقد كان يراقب سراً الاتصالات بين الجماعات الجهادية.في فترة متأخرة من بعد ظهر يوم الاثنين، في 30 يوليو 2012، سمع الملحق محادثة باللغة الفارسية بين عنصرين من قوة {القدس}.قدّم المترجم العامل في وكالة الأمن القومي نصاً إنكليزياً عن محادثتهما إلى مدير الموقع. فضحك الأخير حين قرأه وقال: {يبدو أن الشبان يتابعون خطتهم}.كان مدير الموقع قد حصل على معلومات استخبارية مفادها أن إيران سترسل عناصر إلى المنطقة. فكلّف بضعة عملاء كانوا يعملون ضمن ميليشيا الزنتان التي تدير مطار بنغازي بتعقب الإيرانيين السبعة الذين كانوا سيصلون في ذلك اليوم من طرابلس.

كانوا يعملون بشكل سري باعتبارهم جزءاً من الفريق الطبي التابع للهلال الأحمر (طبيب وممرضون ومسعفون ومسؤول إدراي)، ولا شك في أنهم ظنوا أن الأميركيين لا يعلمون شيئاً عن هوياتهم الحقيقية. هذا ما فهمه مدير الموقع على الأقل من الاتصالات التي جرى التنصت عليها.لكنه كان يعلم أن فريق {الهلال الأحمر} يشمل بعض ضباط العمليات الذين أرسلهم الإيرانيون إلى بنغازي لتنفيذ اعتداء على المقر الدبلوماسي. إنها العملية الكبرى التي كان ينتظرها الجميع.

لم يعلم مدير فرع وكالة الاستخبارات المركزية ما إذا كانت خطتهم تقضي بخطف السفير أو قتله أو الاستعانة بسكان محليين لقيادة سيارات مفخخة واختراق الجدار المحيط.كل ما كان يعرفه هو أنهم أشرار وقد جاؤوا لتنفيذ أسوأ كوابيسه.خلال الساعة اللاحقة، تلقى نائبه مجموعة متلاحقة من التقارير عبر الجهاز اللاسلكي التكتيكي من الشبان في ميليشيا الزنتان حول تقدّم الفريق الذي سينفذ العملية. هبطت الطائرة في مطار بنينا الدولي.ثم تجمّعوا في موكب من مركبات {الهلال الأحمر}: كانت كل واحدة منها مطليّة باللون الأبيض وعليها هلال إسلامي أحمر على الأبواب والسقف (إنه المقابل الإسلامي للصليب الأحمر).

كانوا في طريقهم إلى فندق {تيبستي}. كان مدير الموقع قد أرسل فريقاً ثانياً كي ينتظر في مركبات منفصلة في الخارج لتعقبهم حين يغادرون المطار. كان كل شيء يسير وفق الخطة.بعدما استعاد الإيرانيون نشاطهم في الفندق، خرجوا مجدداً لتناول إفطار مع الشبان المحليين من {الهلال الأحمر}. كان ذلك الحدث بروتوكولياً. بما أنهم كانوا في منتصف شهر رمضان، لم يجلسوا لتناول العشاء قبل وقت متأخر.

ثم في الساعة الواحدة فجراً، وقع المحظور.قفز نائب مدير الموقع فجأةً من مكانه. جنّ جنون الشبان العاملين معه.لفتت الضجة انتباه مدير الموقع. فسأل: {ماذا يحدث؟ ماذا يقولون؟}.فترجم له نائبه صيحات العملاء. بدا وكأن فريق {الهلال الأحمر} كان يعود أدراجه إلى فندق {تيبستي} حين تعرّض لكمين من ست شاحنات {تويوتا} صغيرة فيها عناصر يحملون أسلحة رشاشة بعيار 50.أجبر أعضاء الميليشيا الإيرانيين على الخروج وكبّلوهم ثم أدخلوهم في سيارتين من نوع {جيب شيروكي} وانطلقوا مسرعين.فضّل شباننا عدم اللحاق بهم.هكذا اختفوا. انتهى الأمر. لقد تعرضوا للخطف.

خلال الأربع وعشرين ساعة اللاحقة، لم تتمكن شبكة العملاء التي يديرها مدير الموقع في بنغازي من معرفة مكان الإيرانيين أو هوية محتجزيهم.وفق ديلان ديفيس، المسؤول السابق عن العمليات البريطانية الخاصة (وهو من أدار التفاصيل الأمنية غير العسكرية في المقر الدبلوماسي الأميركي)، علم عميل محلي بأنهم محتجَزون في معسكر ليبي سابق خارج البلدة، على طريق طرابلس.فأخبر ديفيس بما يلي: {يحصلون على الغذاء ولكل واحد منهم سريره الخاص. هم بخير}.

زعم ذلك العميل بأن العملية ترتبط بالصراع الشيعي- السني فقال: {يظن البعض أن الإيرانيين الشيعة غير مرحّب بهم هنا. لكنّ وضعهم جيد}.يقول ديفيس إنه علم بعد بضعة أيام أن مدير موقع وكالة الاستخبارات المركزية كلّف فريقه الأمني السابق المرتبط بالقوات الخاصة بإطلاق عملية لإنقاذ الرهائن، ربما بهدف استجواب الإيرانيين داخل مركباتهم المدرّعة من طراز {مرسيدس ج}.في اللحظة الأخيرة، قال العميل لديفيس إن الإيرانيين تحرروا وركبوا طائرة متوجهة نحو طرابلس وفي طريقها إلى طهران. فقال لضابط الأمن الدبلوماسي في المقر: {قم بإلغاء العملية. لقد غادروا البارحة في رحلة إلى طهران}.حين عبّر الأميركيون عن دهشتهم حول طريقته في معرفة هذه المعلومة، قال إن ابن عم عميله يعمل في المطار: {لقد شاهد الشبان السبعة وهم يغادرون المكان}.لكن تم التلاعب بديفيس وبمدير مقر وكالة الاستخبارات المركزية هناك.

مصادر الإلهاء

علمتُ حقيقة ما حدث من ضابطين سابقين في الاستخبارات الإيرانية. كان كل واحد منهما يملك شبكة ناشطة من المعارف داخل إيران، ويتولى بعضهم مناصب رفيعة المستوى في النظام الإيراني.

تأكدتُ من معلوماتهم الأولية عبر مصادر متعددة في الاستخبارات الغربية وهي ليست على ارتباط بهم.كان مدير فرع وكالة الاستخبارات المركزية محقاً حين اعتبر أن فريق {الهلال الأحمر} شمل ضباطاً متخفيين من قوة {القدس} وقد تم إرسالهم لتنفيذ اعتداء إرهابي ضد الولايات المتحدة.وفق مصادري الإيرانية، كانت الأوامر التي تلقوها تقضي بخطف السفير الأميركي في ليبيا أو قتله وتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أنهم يستطيعون التحرك ضدها في أي مكان أو زمان في الشرق الأوسط.

لكن فيما كانوا يستعدون لتنفيذ الخطة، علم فريق قوة {القدس} الميداني في بنغازي بأن غطاء {الهلال الأحمر} انكشف وأن وكالة الاستخبارات المركزية تطارده بعد التنصت على اتصالات الملحق التكتيكية.لذا قرروا سحب الفريق كله من الشوارع (والقيام بعملية خطف وهمية) لإقناع مدير الموقع بزوال الخطر.قال لي نائب مدير الموقع السابق في بغداد، جون ماغواير: {كان الفريق الذي يتولى قيادة العمليات في بنغازي من أتباع قاسم سليماني. لقد كانوا عبارة عن عناصر ناضجين وأصحاب خبرة في العمليات وجاؤوا من إيران. ينتمي هؤلاء الشبان إلى فِرَق الصف الأول}. كانوا يتعاملون مع الوضع بجدية تامة.

طوال سنتين في العراق، كان ماغواير يضاهي قائد قوة {القدس} سليماني من حيث الحنكة، وقد كسب احتراماً كبيراً نظراً إلى إمكاناته اللافتة: {هو موهوب وجذاب. والعاملون لديه هم على مستوى عالٍ من الكفاءة والتدريب. يتمتعون بمختلف المهارات التي كنا نقدّرها على مستوى تنفيذ العمليات. كذلك هم ملتزمون بهذه المعركة على المدى الطويل}.حقق سليماني وأتباعه في قوة {القدس} نجاحاً كبيراً في قتل الأميركيين في العراق لأنهم اخترقوا العمليات الأميركية.لم يضعوا عبوة ناسفة عشوائياً على جانب الطريق. بل إنهم وضعوها حيث كان الموكب الأميركي سيمرّ.

قال ماغواير: {كانوا يسيطرون على اتصالاتنا وخططنا. هكذا تمكنوا من قتل عدد كبير من الأميركيين}.كانت عملية الخطف المزيفة في بنغازي مقاربة نموذجية بالنسبة إلى قوة {القدس}. لقد استعملوا ميليشيا محلية تكره الشيعة ظاهرياً مثلما استعملوا {طالبان} في أفغانستان وتلاعبوا بتنظيم {القاعدة}.قال لي ماغواير: {هم ماهرون جداً في عمليات التمويه}. في المقابل لم يفقه فريقنا شيئاً. وقع مدير موقع وكالة الاستخبارات المركزية ونائبه في الفخ بكل سهولة.

النتيجة النهائية

كانت قوة {القدس} تستعمل العملاء الناشطين في العراق ولبنان واليمن وتركيا ومصر لتمويل وتدريب جماعة {أنصار الشريعة} المتطرفة في ليبيا وتجهيزها، وقد حرصت على عدم الكشف عن نواياها الحقيقية إلا أمام مجموعة منتقاة من الأشخاص.بالنسبة إلى جميع الناشطين ميدانياً، كان هؤلاء العناصر الإيرانيون يشبهون العرب أو الأتراك ويتكلمون مثلهم. ساهموا في إنشاء سلسلة من الميليشيات الصغيرة والمتطرفة (لم تكن {أنصار الشريعة} الحركة الوحيدة، وقد اتضح ذلك عندما تجمّع المجاهدون في 7 و8 يونيو في بنغازي) لإعاقة أي تقدم نحو الديمقراطية.تشير المصادر التي أتكل عليها إلى أن الإيرانيين استعانوا بأكثر من ألف مقاتل ليبي لإنشاء هذه الميليشيات التي كانت على {احتكاك مباشر مع ضباط في قوة {القدس}}.

في منتصف أغسطس 2012، كان التخطيط للاعتداء على المقر الدبلوماسي الأميركي ومقر وكالة الاستخبارات المركزية في بنغازي قيد التحضير منذ شهرين.وفق مصادري الخاصة، كان رئيس الفريق الإيراني في بنغازي ضابطاً بارزاً في قوة {القدس} واسمه ابراهيم محمد جوداكي. بدأ بقتل الأكراد في شمال غرب إيران ثم انتهى به الأمر في لبنان حيث درّب مقاتلي {حزب الله}. كان قد تعرّف إلى نائبه، خليل حرب، وعمل معه لسنوات في لبنان.

كان حرب عميلاً بارزاً في {حزب الله} ونائباً لرئيس قوة {القدس} قاسم سليماني. بصفته عربياً، كان من الأسهل عليه أن يتواصل مباشرةً مع الميليشيات المحلية وأن يتعامل مع النواحي اللوجستية من تلك العملية.خلال أول شهرين، تولى جوداكي توزيع الأموال بينما جمع حرب وفريقه المؤلف من قتلة متوحشين المعلومات الاستخبارية وجنّدوا عناصر الميليشيات ووضعوا اللمسات الأخيرة على الخطة.تقول مصادري إن حرب حشد ما مجموعه 50 عنصراً من قوة {القدس} ميدانياً لإدارة الاعتداءات.كانت الأوامر الأولية تقضي بخطف السفير الأميركي أثناء زيارته بنغازي وبتدمير ملحق وكالة الاستخبارات المركزية. أرادوا أن يُخرِجوا الولايات المتحدة من بنغازي حيث ظنوا أن الوكالة تشرف على نقل الأسلحة إلى الثوار السوريين.قال رئيس الاستخبارات السابق لأوروبا الغربية: {اعتبرت إيران أن وجود وكالة الاستخبارات المركزية ميدانياً في بنغازي يطرح تهديداً مباشراً}.

الاعتداء

تم التخلي عن خطة الخطف بعد وصول فريق {الهلال الأحمر} وبعد أن كشفتها وكالة الاستخبارات المركزية. فاستبدلها حرب وجوداكي بأمر مباشر بالقتل.وفق مصادري الخاصة، وصل عميل يحمل بين 8 و10 ملايين دولار قبل ثلاثة أسابيع تقريباً من الاعتداء. وزع جوداكي الأموال عن طريق حرب على قادة {أنصار الشريعة}.وصلت الأموال عبر تونس ثم عبر الصحراء الجزائرية جنوباً، وصولاً إلى ليبيا براً. وقد جاءت من حسابات قوة {القدس} في ماليزيا.في 11 سبتمبر 2012، هاجمت {أنصار الشريعة} القنصلية في بنغازي وقتلت السفير ستيفنز.

في الأسبوع الماضي، قبضت القوات الأميركية على أحمد أبو ختالة، أحد الزعماء المشتبه بهم في الاعتداء. صحيح أن {أنصار الشريعة} كانت تحظى بدعم مادي من الإيرانيين، لكن أبقى قاسم سليماني وقوة {القدس} التي يديرها أيديهم نظيفة.لكن ماذا عن هؤلاء العاملين {المخطوفين} من الهلال الأحمر؟ لقد تم تحريرهم بطريقة عجائبية في 6 أكتوبر في بنغازي وظهروا في صورة جماعية مع الهلال الأحمر الليبي، ثم صعدوا في طائرة متوجهة إلى طرابلس وعادوا فوراً إلى طهران.هذه هي الخدعة المميتة التي نصبتها لنا إيران. قد يتعاون معنا سليماني لمحاربة {داعش}، لكن لا تصدقوا للحظة أنه صديقنا.

*عن « الجريدة » الكويتية