من خلال كتاب "هتلر والسينما: هواية الفوهرر المجهولة" يمكن فهم أن الدعاية الناتجة عن الأفلام الاخبارية النازية تفقد مصداقيتها تدريجيا لأن غياب هتلر المتكرر في أحداثها فهم على أنه هو نفسه لم يعد يؤمن بها.

*حاول جوبلز وهتلر اقناع الجمهور بأن دمار الرايخ الألماني على يد اعداءه كان، كما عبر هتلر في كلمته برأس السنة لعام 1945، فعل "انتهاك سياسي"، فالبنسبة لهتلر كانت "الثقافة الألمانية كل ما وقف حاجزا بين الغرب  ونجاسة سيطرة العالم "اليهودي البولشفي" (هكذا التزمت الرأسمالية العالمية المتغولة وربيبتها الصهيونية بنفس النغمة "الاعلامية المكررة" فبررت تعنتها بثقافة الديموقراطية وحرية الرأي والمعتقد والليبرالية، ونعت الفكر المقاوم بالتسلط والهيمنة الثقافية وبتأجيج خطابات الكراهية ومعاداة السامية والطائفية وصولا للحسد والحقد والتطرف...الخ)، واستغلت بذكاء بعض الممارسات الشمولية القهرية لدى الطرف المناوىء لتبرير وجهة نظرها!

*لقد كانت ملحمة هارلان التاريخية "كولبرغ"(1945)،آخر فيلم نازي وصل الى شاشات السينما، ملخصا مغزى المقاومة للحكاية التاريخية: حيث في الفيلم تكافح بلدة "كولبرغ" ضد نابليون بفضل صمود دفاع المواطنين بقيادة زعيم عسكري باسل، وكان غوبلز يقول انه يريد من الفيلم أن يظهر أنه "بامكان الشعب المتحد في الوطن وعلى الجبهة أن ينتصر على أي عدو"(ص.339).

*في العام 1943، عندما بدأ العمل على الفيلم، ربما كان هتلر لا يزال يعتقد انه قادر على انجاز ما أنجزه نابليون. وكان القصد من مشهد ظهور نابليون واقفا عند قبر فريدريك العظيم التذكير بانحناءة هتلر امام فريدريك نفسه في مارس 1937...ولكن الهزيمة بدأت الآن حتمية، عرض "كولبرغ" الازدواجية الجوفاء للدعاية السياسية النازية بصورة اكثر حدة من اي فيلم دعائي قبله (341). 

*في المشهد العام، أخذ هتلر الأفلام على محمل الجد كاداة مهمة للدعاية السياسية، اذ نسب الى الأفلام والشرائط الاخبارية قدرة على الاصلاح الموجه سواء كانت "تحتفي بالنازية، أم تروج لمعاداة البولشفية، أم لتحسين النسل أم لمعاداة السامية، أم للحملات العسكرية النازية"، وكما قالت ريفنشتال في العام  1940 "ان بامكان الأفلام أن تغير العالم". فالأفلام تملك قدرات تعمل حتى الا ما بعد حاضرها...وقلما اعطي لموضوع الأفلام بعدا فلسفيا عميقا، لكنها كانت عندما ينظر لها تستنبط رؤى "سياسية" كبيرة، حيث انه سيكون من الجميل لو كان باستطاعتنا اليوم، ان نشاهد افلاما من الماضي، عن فريدريك العظيم ونابليون والأحداث التاريخية في العهود القديمة...وقد طلب هتلر من ريفنشتال أن تتصل بمعهد "كايسر فيلهلم" في برلين وتناقش معهم امكانية انتاج مادة للأفلام "مصنوعة من ارقى المعادن"، قادرة على مقاومة عوامل الزمن لتصمد قرونا طويلة: فقط تخيلي لو أن الناس بعد ألف سنة قادرون أن يروا ما نعيشه اليوم، وكان ينظر الى الحاضر كأنه التاريخ (ص. 343/344): وبغض النظر عن اختلافنا الكبير معه كزعيم نازي متطرف مرعب "متطرف وعنصري"، الا أنه كان بالحق يملك بصيرة سينمائية فذة لا مثيل لها عند معظم زعماء العالم القدماء والراهنين وربما منذ بدايات صناعة السينما وحتى الآن، حيث نلاحظ أنه حتى مع تفجر انتاجات السينما العالمية والاقليمية والمحلية، فاننا لا نجد تبجيلا وتوجيها موازيا عالميا لدور السينما الروائية والتسجيلية، بل نجد احيانا تجاهلا واستهتارا وربما جهلا مخزيا وضعف تقدير واضح لدور السينما الجماهيري الحيوي (تأمل كمثال معبر رداءة الأفلام الوثائقية الأربعة من اصل خمسة افلام شاهدتها مؤخرا في مهرجان عمان السينمائي الدولي)، التي كادت تصبح وسيلة ترفيهية مشوقة (كوميدية-تهريجية وحكواتية) وأحيانا احتفالية (همها يكمن وينحصر في حصد الجوائز والمكافآت) تسعى للترويج وتضليل وعي الجماهير والنخبة، مع تجاهل مقصود لدورها المحوري في زراعة الوعي ودق جرس الانذار ومواكبة الأحداث الجسام، تماما كما فعلت السينما الألمانية طوال سنوات تألقها! (الفقرة الأخيرة لكاتب المقالة).  

*في العام 1942، صرح هتلر بأن على عاتق السينما الألمانية "مهمة هائلة"، وهي تصوير تاريخ الأباطرة الألمان: "فقد حكموا العالم طوال 500 سنة". وقد كانت توقعات هتلر في السينما والرسم والنحت عالية وطموحة...وقد كان يريد من السينما تحقيق الرؤيا التاريخية للرايخ الثالث، وفي الخلاصة فان واقع صناعة السينما الألمانية ككل قد روجت لهتلر كزعيم نازي تاريخي كما لم تفلح مثيلاتها في الدول الاخرى المناوئة من القيام بادوار مماثلة.