تعتبر قضية "لوكربي"،إحدى أبرز القضايا التي شغلت الرأي العام الليبي والعالمي منذ سنوات نظرا لغرابتها وغموضها. وبالرغم من مرور أكثر من ثلاثين عاما على الحادثة، فان القضية مازالت مطروحة في المشهد الليبي، الذي يعاني منذ سنوات أزمات عدة حولت البلاد الى حالة ضعف وهشاشة شديدة.

وعادت قضية "لوكربي" إلى الواجهة،خلال الأسابيع الأخيرة،مع بيان نشرته وزارة العدل بحكومة الوحدة الوطنية الليبية،  على صفحتها بـ"فيسبوك"، أكدت فيه أن ملف قضية تفجير طائرة أمريكية في سماء اسكتلندا عام 1988 والمعروفة دوليا بقضية "لوكربي" قد "أقفل بالكامل من الناحية القانونية والسياسية ولا يمكن إثارته من جديد ولا يمكن العودة إليه.

وجاء بيان وزارة العدل الليبية، ردا على الجدل الذي تصاعد مؤخرا حول القضية الشهيرة، والذي ارتبط أساسا بالحديث عن اختفاء مسؤول المخابرات الليبي السابق، أبوعجيلة مسعود المريمي، المتهم بتفجير لوكربي، والذي تطالب واشنطن بتسلمه لمحاكمته على أراضيها، وسط اتهامات لحكومة الوحدة باختطافه.

ونقلت تقارير اعلامية، خبر اختفاء المريمي في ظروف غامضة من داخل السجن الذي يقبع فيه منذ العام 2011، بالعاصمة طرابلس التي تسيطر عليها حكومة الوحدة الوطنية. واثار الامر جدلا كبيرا ومخاوف من اعادة فتح القضية وهو ما من شانه مضاعفة الضغوط على الدولة التي تعاني أصلا من أزمات متعددة وظروف معقدة على جميع الاصعدة.

مخاوف عبر عنها، المجلس الأعلى للدولة،الذي طالب حكومة الوحدة الوطنية، بتوضيح ملابسات هذا الاختفاء الغامض، محذرا من أن يكون ذلك له علاقة بالتحقيقات في قضية لوكربي. وأعلن المجلس في بيان رفضه إعادة فتح ملف لوكربي من قبل بعض الجهات المحلية وإرجاعه إلى الواجهة مرة أخرى، لافتقاره إلى أي مبررات سياسية أو قانونية، مؤكدا عدم التزامه بكل ما يترتب على هذا الإجراء من استحقاقات تجاه الدولة الليبية.

وبدوره،أعرب المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان في ليبيا،عن مخاوفه حيال الأنباء الواردة عن اختفاء المريمي، وأن يكون هناك توجه لفتح تحقيقات جديدة في القضية المفروض أنها طويت. وقال المجلس في بيان له،أن إعادة فتح الملف في الوقت الحالي في ظل التحديات التي تواجه الدولة الليبية ستخلق لها تحديات والتزامات جديدة، مضيفا أن اختفاء مواطن ليبي تم خطفه أو تسليمه بإجراءات رسمية أو غير رسمية يتنافى مع كافة قواعد القانون الوطني والدولي.

وتعود الاتهامات الموجهة لحكومة الدبيبة،الى تصريحات سابقة لوزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، قبل عام،خلال لقائها مع قناة بي بي سي البريطانية، قالت فيها إن "بلادها مستعدة للتعاون مع الولايات المتحدة لتسليمها مشتبها به في قضية تفجير لوكربي"، مشيرة إلى أن هناك "نتائج إيجابية آتية".لكن وزيرة الخارجية نفت حينها هذه التصريحات.

وسبق لوزارة العدل الأميركية، في ديسمبر /كانون الأول 2020، توجيه الاتهام رسمياً إلى الليبي أبو عجيلة، بـ"ضلوعه في التخطيط وتصنيع القنبلة" التي أسقطت الطائرة فوق "لوكربي" خلال رحلتها من لندن إلى نيويورك، وأدى إلى مقتل 270 شخصاً، بينهم 189 أميركياً.وطالب المدعي العام (وزير العدل) وليام بار، حينها السلطات الليبية في طرابلس بسرعة تسليم أبو عجيلة، الموقوف لديها لتقديمه للمحاكمة في الولايات المتحدة.

وقبل ذلك، تناقلت وسائل الإعلام الأميركية خبر اعتزام السلطات الأميركية إعادة فتح ملف القضية، بزعم ظهور أدلة جديدة، تشير إلى مشتبه به آخر، تبين وجوده مسجوناً بأحد السجون في العاصمة طرابلس.وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن الليبي الذي تسعى الولايات المتحدة لتسلمه من أجل محاكمته يدعى أبو عقيلة محمد مسعود وهو موقوف حاليا في ليبيا، لكن صحيفة "نيويورك تايمز" قالت إن مكان وجود هذا المطلوب الليبي مجهول.

وسقطت طائرة ركاب أمريكية، فوق قرية لوكربي في اسكتلندا، عام 1988 ما أسفر عن مقتل 259 شخصا ،هم جميع من كان على متنها إضافة إلى 11 شخص من سكان القرية.ووجّهت أصابع الاتهام الى ليبيا.واتهم في القضية عبد الباسط المقرحي كما أشارت محاكم امريكية واسكتلندية الى تورط ليبي اخر هو الامين خليفة فحيمة بالحادث في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1991

لكن المحكمة التي بدأت جلساتها عام 2000،سرعان ما أخلت سبيل فحيمة بعد أن برأته من التهم الموجهة اليه.فيما حكم على المقرحي في الـ13 من يناير 2001 بالسجن المؤبد. وفي نوفمبر 2003، قررت المحكمة العليا في أسكتلندا أن على المقرحي أن يمضي 27 عاما على الأقل في السجن.وفي الـ20 من أغسطس 2009، أفرجت عنه الحكومة الأسكتلندية لأسباب صحية وذلك بسبب إصابته بمرض السرطان،وتوفي في الـ20 من مايو 2012،في منزله في العاصمة الليبية طرابلس.

وفي يناير 2021، رفضت محكمة اسكتلندية التماساً قدمته عائلة المقرحيا، لتبرئته من الإدانة في قضية تفجير طائرة.وأصدر حينها عامر أنور، محامي العائلة، بيانا نقل فيه عن علي ابن المقرحي قوله إن حكم اليوم كان صادما للعائلة، وإنها طلبت من فريقها القانوني تقديم طعن أمام المحكمة البريطانية العليا.وشككت عائلة المقرحي وبعض أقارب الضحايا الاسكتلنديين مرارا في قرار إدانته، معتبرين أن الحقيقة لم تظهر.

وتعتبر قضية "لوكربي"، ملفا حسّاسا بالنسبة لليبيين، الذين يرفض غالبيتهم إعادة فتحه، ويعارضون بشدّة تسليم مواطن ليبي لمحاكمته بالخارج، كما يعتقدون ببراءة بلادهم من كل الاتهامات التي تلاحقها في هذه القضيّة.ويثير ظهور القضية مجددا على السطح، في هذه الظروف التي تعيشها ليبيا خاصة مع تواصل الصراعات والتدخلات الخارجية،مخاوف من مزيد من الصعوبات التي تهدد باطالة أمد الأزمة.