يعود تاريخ اصدار اول عملة ليبية موحدة وهى الجنيه الليبي الى 1952/3/24 , أى بعد ثلاثة اشهر فقط من الاستقلال ، وكان عدد السكان لايتجاوز المليون نسمة في احسن الاحوال ، وتم اصدار الجنيه الليبي من اختصاص لجنة مؤقته سميت لجنة النقد والتي حددت قيمية الجنيه الليبي وساوته بالجنيه الاسترلينى , وذلك قبل انشاء المصرف المركزى او " البنك الوطنى الليبي " فى عام 1956 والذي آلت اليه مهمة اصدار العملة.

اليوم وبعد عقود من الاستقلال وفي ظل غياب الادارة الرشيدة وانعدام الرقابة الفاعلة في الدولة الليبية وتعدد وتمدد الاجسام التي تحكم البلاد بطولها وعرضها فقد نتج عنها ازمة تحولت الى محنة ، بل أن هذه الاجسام مجتمعة قد ساهمت بشكل مباشر وفاضح في محنة المواطن اليوم وانتشار الفقرالمدقع في ليبيا ، وكأن بالتاريخ قاد عاد بنا للوراء أي الى ماقبل الاستقلال، وبكل أسف لاأرى في الافق أن هذه المحنة ستنتهي فريباً ، فالكل متمسك بمنصبه ومغنمه ولاتهمه مصلحة المواطن الذي انتخبه وأوصله الى سدة الحكم (أوصل البعض وليس الكل.

في غياب رجال دولة حقيقيين فإن مانشهده هو عبث حقيقي وبكل تفاصيله وشواهده، فلارؤية ولاخطط ولااهداف، وبكل وضوح فان كل مايجري على الارض هو عبارة عن ردود افعال مبني أغلبها على العواطف ليس إلا والدليل على ذلك هو تعديل جدول المرتبات لفئات بعينها دون الاخرى والتي كانت تتقاضى مرتباتها حسب قانون 15 لسنة 1981 حتى العام 2013 ، وفي مقابل ذلك جحود ونكران لفئة المتقاعدين والذين أفنوا عمرهم في خدمة البلاد ، والادهى والامر انه قد صدر بحقهم قرار تعديل معاشاتهم ولكنه لازال حبيس الادراج منذ صدوره.


كما هو موضح بالصورة الاولى فمع الاستقرار الامني (النسبي) والانتعاش الذي ساد البلاد في العامين 2012 و 2013 فقد بلغت الميزانية العامة مايقارب 70 مليار كان بند المرتبات وحدة يتجاوز ثلثها مع العلم بأن اجمالي الصادرات البترولية لنفس العام لم يصل ل 50 مليار دولار، ثم ومع تراجع اسعار البترول واغلاق الموانئ النفطية تراجعت ايرادات الدولة من النفط الى رقم لايكاد يذكر وتراجع معها بند المرتبات قليلاً، ولكن وبكل اسف ومع ظهور بوادر توحيد مؤسسات الدولة وتقليص اعداد العاملين بالسفارات مطلع 2018 تلاه صرف المرتبات والحوالات للعاملين بالخارج وفقاً لقاعدة بيانات الرقم الوطني فإن الرقم وتجاوزال 26 مليار وهو الاعلى على الاطلاق ، ممايعني عملياً تأكل رصيد الاحتياطات الليبية، لأنه بوجود اكثر من 2 مليون موظف بالدولة لايمكن لايرادات البترول بالسعر الحالي ووالذي يترنح بين 55 و 65 دولارأن تغطي حتى  بند المرتبات وحدهولابد لتغطية هذا البند وحده أن يكون سعره على الاقل 113 دولار. 



وفي الصورة الثانية تتضح الفروق بين بعض الفئات وبالارقام ، وحسب وجهة نظري فان الجهات المالية (الجمارك- الضرائب...الخ) والرقابية وسلك القضاء يستحقون مرتبات عالية بحكم طبيعة عملهم: فالقاضي ووكيل النيابة يعملان تحت سلطة قضائية وبمعزل كامل عن باقي سلطات الدولة ويجب ان يحظوا بمكانة خاصة في المجتمع، كذلك هو الحال لجهات التحصيل المالي والرقابة الادارية والمالية ، اما الجهات الاخرى بحسب وجهة نظري لا ارى لها الحق في اي ميزات (حسب الصورة 2.

كما تلاحظون اننى قد تحدثت في مقامي هذا فقط عن الباب الاول من الميزانية وهو المخصص للمهايا والمرتبات وفقاً لارقام معلنة ومنشورة ولم اتطرق لامن قريب ولامن بعيد عن مصروفات باقي الابواب ، وفي المقابل فان هناك جهات ممولة ذاتياً ومن خارج الخزينة العامة مثل مؤسسة الاستثمار والشركات العامة، ورغم ان بعض من هذه الجهات قد اوفت بالتزاماتها تجاه عامليها الا ان هناك اكثر من 40 شركة عامة متعثرة لم يتقاضى عامليها مرتباتهم منذ سنوات بكل اسف، وهي بحاجة لحلحلة مشاكلها هي الاخرى.

حسب وجهة نظري الشخصية فان هناك خطوتان ضروريتان يجب اتخاذهما :
 
الاولى عاجلة وفورية وهي رفع الحد الادنى للاجور وتفعيل قرار زيادة معاشات المتقاعدين ، والخطوة الاخرى (اقتصادية ) لكنها تحتاج لتأني وروية ودراسة لمدة سنة واحدة كحد اقصى وتشمل:
 1-
اعداد قاعدة بيانات للعاطلين الحاليين عن العمل ، وقاعدة اخرى لاعداد الخريجين المنتظر دخولهم قريباً لسوق العمل.
 2- 
اعداد ملاكات وظيفية وفق وصف وظيفي صحيح ((وحسب الحاجة الفعلية)) لكل ادارة او مصلحة او شركة او جهة.
 3- 
الفائض من 2 يتم دمجهم في قاعدة بيانات الباحثين عن عمل.
 4- 
الفائض في 2 يستمر صرف اساسي مرتباتهم فقط.
 5- 
اطلاق برامج حاضنات اعمال ومشروعات صغرى ودعمها ومتابعتها بكل صرامة.
 6- 
تشجيع القطاع الخاص للمساهمة في الاقتصاد بكل فاعلية.
 7- 
تنمية صادرات المنتجات المحلية (عسل النحل - زيت الزيتون- منتجات النخيل- الاسماك....الخ)
 8- 
منح العاطلين عن العمل وبالاخص الخريجين منهم منحة عاطل وفق تشريع واضح.
 9- 
يجب ان يتم بنهاية العام 2019 الانتهاء من من 1 و 3.
 11- 
اعادة هيكلة المؤسسة الليبية للاستثمار ومؤسساتها ومساهماتها كي تكون رافد للاقتصاد الوطني.
 12- 
تقليص اعداد السفارات الليبية بالخارج.
 13- 
يجب ان يتم ربط برامج التعليم بسوق العمل والتركيز على التعليم التقني والفني اكثر من غيره.
 14- 
تشجيع التقاعد المبكر
 15- 
يعقب كل هذه الخطوات اعداد جدول مرتبات واحد فقط ولجميع الجهات ، ولكن مايميز اي جهة عن اخرى في جدول مرتبات الدولة هو علاوة او ميزة ( فرجل المطافي سيتقاضى بالطبع مرتب اكبر من زميله الشرطي الذي يعمل عملاً ادارياً ، ومهندس البترول بالصحراء لن يتساوى مرتبه بالتأكيد مع زميله المهندس الذي يعمل بادارة شركته ، كما ان الجهات التي تورد اموالاً للخزينة العامة لن يتساوى موظفوها مع موظفي باقي القطاع العام ، وكذلك الحال بالنسبة للجهات الرقابية والقضاء)

ان هذا المقترح هو سلاح ذو حدين في حال اذا ماتم تبنيه بمزاجية وانتقائية لانه على الاقل سيفقد اكثر من مليون وظائفهم وهم الان بطالة مقنعة في اوضح صورة .

اختم بالقول ان العواطف لاتبني الدول ، وان البترول بقدر ماهو هبة من الله الا انه حول المجتمعات البترولية الى مجتمعات كسولة ومبذرة ، وان كل المجتمعات المتقدمة بنيت على المعرفة والادارة ولم تبنى على الريع ، وان الادارة الصحيحة والحقيقية تبنى على التخطيط وليس على ردود الافعال.