احتفل المغرب في السادس والعشرين من حزيران الجاري كبقية دول العالم باليوم العالمي لمكافحة المخدرات، ويأتي هذا الاحتفال كحضّ على التذكير بالأخطار القاتلة التي ينشرها تعاطي المخدرات والاتّجار بها، وتأكيداً على أهمية الإجماع على محاربة هذه الآفة التي تعتبر داءَ هذا العصر. وتعد مشكلة تعاطي المخدرات من أخطر المشكلات النفسية والاجتماعية التي تواجه المجتمعات المختلفة ومنها مجتمعنا المغربي، وتشيع هذه المشكلة في مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية والأسر ذات المستويات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، كما تمتد عبر المراحل العمرية المتعددة ولكن تبدو أكثر خطورة وشيوعا لدى قطاعات الشباب والمراهقين وهم بطبيعة الحال طلاب المدارس والجامعات، وهذا العمر هو الذي يصل فيه الفرد إلى قمة قدراته على العطاء والبذل والإنتاج، ويزيد من خطورة هذه المشكلة أنها أكثر شيوعا لدى الذكور منها لدى الإناث حيث هم يتحملون العبء الأكبر في العمل والإنتاج. وبالرجوع إلى نتائج عدد من البحوث والدراسات الميدانية التي تم إنجازها حول الإدمان بالمغرب في السنوات الأخيرة، أشار رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضا الشامي، إلى وجود أكثر من 6 ملايين من المدخنين (500 ألف أقل من 18 سنة)، وحوالي 18.500 شخص يتعاطون للمخدرات عن طريق الحقن، وأكثر من 9 في المائة من القاصرين في الوسط التعليمي استهلكوا مرة واحدة على الأقل مخدر القنب الهندي.

عند تحليلنا لهذه الأرقام فإننا نعتبرها مثيرة للقلق لأنها تؤشر على خطورة هذه الإشكالية بالمغرب، وضرورة التصدي لانعكاساتها الوخيمة على الأشخاص المعنيين بها في سلامتهم العقلية والنفسية وصحتهم الجسدية. وتقترن مشكلة التعاطي لدى الشباب والمراهقين بوقوع العديد من المشكلات والأمراض الاجتماعية، منها على سبيل المثال تدهور مستوى الصحة النفسية والجسمية وصور التوافق النفسي والاجتماعي وازدياد مستويات أو معدلات السلوك الإجرامي والعدواني على المستويين الشخصي والاجتماعي، مما يشكل تهديدا خطيرا للسلامة الشخصية والأمن الاجتماعي، حيث لوحظ أن أغلب حوادث العنف والسرقة والخطف والتحرش الجنسي والاغتصاب والقتل يرتكبها المراهقون والشباب من متعاطي المواد المخدرة، إما نتيجة للاضطراب العقلي الذي يحدث نتيجة لآثار التعاطي السلبية أو للرغبة في الحصول على الأموال اللازمة للتعاطي والحصول على النشوة والانتشاء الناتجين عن تعاطيها، ومن ثم الإدمان والتعود والازدياد المضطرد في معدلاتها. ولقد تبين أن ازدياد هذه المشكلة وتنامي معدلاتها خاصة لدى الشباب والمراهقين يكلف المجتمعات اعتمادات مالية وخسائر فادحة تنفق على عمليات الوقاية وإعداد الخطط والحملات التي تهدف إلى مكافحة مهربي المخدرات وموزعيها، أو علاج الآثار المترتبة على ذلك ومنها علاج المدمنين ورعايتهم وإعادة تأهيلهم، هذا بالإضافة إلى الحاجة المستمرة إلى توجيه العديد من الموارد لبرامج التنمية الأسرية والشباب وتحسين الأحوال المعيشية لهذه الفئة من الشباب وأسرهم.

وتصنف المخدرات إلى قسمين: على أساس مصادرها وعلى أساس النوع أو التأثير الذي تحدثه، فمن حيث مصادرها فتشمل ثلاثة مصادر رئيسة وهي: أولا، المواد الطبيعية أو أنسجة الحيوانات أو المواد الخام كما هي على طبيعتها، ومن أمثلتها الحشيش والأفيون والتي يطلق عليها المخدرات الطبيعية.

ثانياً، المواد المستمدة من معالجات كيميائية للمواد الطبيعية مثل الهيروين والمورفين. ثالثاً، مواد مخلقة كيميائيا أي تنتج وتصنع بطريقة كيميائية بحتة.‏ أما من حيث نوع التأثير فتشمل أربع فئات:

1 ـ مهبطات الجهاز العصبي وتشمل المهدئات والمنومات والكحوليات.‏

2 ـ المنشطات والمنبهات مثل النيكوتين ومادة الكولا والحبوب المنشطة.‏

3 ـ المهلوسات، وهي مواد تؤدي إلى التشويش الحسي والبصري وتغيير المزاج والتفكير والإدراك الزماني والمكاني، ومنها الحشيش (القنب الهندي).

4 ـ المسكنات وهي مواد تقلل من الإحساس بالألم لذا تستخدم في التخدير والجراحة، ومن أمثلتها الأفيون ومشتقاته كالهيروين والمورفين، وهي مواد تحدث اعتمادا نفسيا وجسميا شديدا عليها إذا ما تكرر تعاطيها.‏ أما الآثار النفسية والاجتماعية التي تترتب على عملية تعاطي المخدرات فيمكن تلخيصها في الآتي:‏

ـ الشعور بدافع قهري لتناولها من أجل الحصول على آثار اللذة والمتعة والنشوة الناتجة عن ذلك.‏

ـ المعاناة النفسية والجسمية إذا لم يتعاط الشخص المواد النفسية.‏

ـ ازدياد الحاجة إلى تناول المزيد من الجرعات للحصول على نفس الآثار النفسية.‏

ـ لجوء الفرد إلى المخدرات عندما تواجهه مشكلات معقدة نفسية أو اجتماعية أو حياتية بصورة عامة بدلا من التفكير الواقعي والمنطقي في معالجة هذه المشكلات والتعامل معها.‏ وتشير العديد من المؤشرات العالمية والمحلية إلى أن بدء التعاطي يقع غالبا في سن المراهقة (خاصة المبكرة) وهي الفترة التي يقضيها الشباب في المدارس والجامعات.

أما الأسباب المؤدية إلى تعاطي المخدرات لدى الشباب والمراهقين فيمكن حصرها في العوامل النفسية والاجتماعية التالية: 

أولاً: التعرض للمخدر أو ما يسمى بثقافة المخدرات وذلك من خلال السماع أو الرؤية للمخدر أو وجود رفقة السوء أو أهل يتعاطون المخدرات أو وسائل الإعلام المختلفة التي تعرض ذلك خاصة بصفة قد تثير حب الاستطلاع أو بصورة جذابة أو مغرية أو رغبة في الشهرة أو لجذب الاهتمام أو مجرد سوء الفهم أو الغرض، وهذا كله يؤدي إلى تأثيرات سلبية في انجذاب المراهقين والشباب لتجربتها ومن ثمة تعاطيها وصولا إلى إدمانها.‏ 

ثانياً: الظروف الاجتماعية المهيئة للتعاطي، وهي الأفكار والقيم والسلوكيات أو التصرفات الشائعة في المجتمع المحيط أو المؤثر حيال تعاطي المخدرات، وهي تختلف من مجتمع لآخر، ومنها عوامل التنشئة الاجتماعية والأسرية أو التأثير الحضاري والاجتماعي والثقافي، وهذه العوامل تؤثر على إقبال الشخص على تعاطي المخدرات أو نفوره منها. ومن أمثلة ذلك شيوع أفكار على أن المخدرات ترفع معدل الذكاء أو تنشط الذهن والأفكار، أو أنها تزيد أو تفعل الكفاءة أو القدرات الجنسية لدى الذكور أو أنها من علامات الرجولة والقبول الاجتماعي، أو أنها ترتبط بالانحطاط الاجتماعي والتصرفات السيئة، أو التدهور الديني والأخلاقي... ومما لاشك فيه أنّ الإنفاق على تعاطي المخدرات يعتبر هدراً اقتصادياً مدمراً لميزانية الفرد والعائلة، فهي سلعة غير ذات نفع، وتقع ضمن المقاييس الاقتصادية في حقل إشباع الحاجة، ومن جهة أخرى فإن هذه النفقة ضمن تيار الإنفاق الوطني هي هدر جزء من دخل الأمن القومي للحصول على أدوات فعالة لهدم حياة عشرات العائلات والأفراد، وقد يصل الأمر إلى هدم أمة، ولاسيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ارتفاع أسعار السلع المخدرة لأسباب خطورة التعامل معها، وصعوبة استخراجها، ومسافات نقلها، وذلك يعني إضاعة قوى بشرية عاملة، وإضاعة الأراضي التي تستخدم في زراعة المخدرات بدلاً من استغلالها في زراعة محاصيل يحتاج إليها واستخدام الطاقات البشرية في ما ينفع الوطن ويزيد من إنتاجه، وأهم الآثار الاقتصادية لتعاطي وإدمان المخدرات: انهيار الطاقة الانتاجية للفرد، انخفاض مستوى الدخل القومي، التأثير السلبي على المسارات الاقتصادية بمساراتها المختلفة، وحدوث خلل في التعاملات المادية، وتفشي الظواهر غير الصحية في مجال التعاملات المالية مثل ظاهرة غسل الأموال.

آفة المخدرات خطر داهم ينخر بنيان المجتمعات ويهددها بالسقوط، وبخاصة لدى الشباب والمراهقين، وعن الوقاية من خطر تعاطي هذه السموم، فإن أفضل وسيلة لمنعها هي الاهتمام بشكل أكبر بالوقاية وإعطاء أولوية لمكافحتها لتحرير المجتمع والشباب منها عن طريق الوقاية الدينية ـ الاجتماعية، العلمية ـ الصحية، القانونية، الحضارية ـ الثقافية. فبهذا نكون قد أنقذنا جزءاً من مجتمعنا وحمينا الجزء الآخر، حيث أن الوقاية عامل أساسي جداً في مكافحة المخدرات من خلال التعريف بالمادة، والتعامل مع الضغوط والشدات النفسية التي يتعرض لها الشباب، كما أن الجهل هو الذي يدفع المتعاطي لتجربة المادة وبالتالي إدمانها، ولذلك يجب أن نعرفه على هذه المادة، ويجب أن نخبره أكثر من (احذر المخدرات وابتعد عنها)، وهنا لابد أن نشير أن الوقاية نوعان: الوقاية الأولية: وهي منع الأبناء من الوقوع في الإدمان، وهذا يبدأ في سن مبكرة، ومن خلال العلاقة القوية والنقاش الهادئ المفتوح مع الأبناء، وتعويدهم على هذا في سن مبكرة، وإعطائهم الفرصة دائمًا للحديث عن أحوالهم وأصدقائهم، وأن يكون الوالدان مستمعين جيدين، لا يرهب الابن في أي عمر من التحدث معهما أو الاستفسار منهما والرجوع إليهما في كل ما يعرض له من مشاكل، وهذا هو صمام الأمان للأبناء،  فلا بد أن تبقى هذه القنوات من الاتصال مفتوحة، وأن يكون الوالدان والأبناء في حوار هادئ دافئ بنَّاء ودائم، وفي حالة تحدث الابن أو الابنة عن موضوع شائك مثل أنه رأى صديقًا يدخن سيجارة حشيش أو سمع عن شباب يتعاطون الهيروين، أو يشربون الكحول، فلا بد من مناقشة الموضوع دون تشنج وأوامر بعدم الاختلاط والحديث مع هذا وذاك، حتى لا يُصدم الابن برد فعل العائلة مما يؤدي به إلى تحاشي الحديث إليهم، وهذا ما يزيد من فرصة وقوعه في الخطأ والانحراف، كما أن طرح المواضيع ومناقشتها وإعطاء الرأي والمشورة والنصيحة (الهادئة) هو الأفضل، وفي حال شعر الوالدان بضرورة الاستعانة بالمراجع العلمية والكتب وشبكة الإنترنت فلا داعي للتردد.

أما الوقاية الثانوية: فهي قدرة الأهل على اكتشاف الإدمان في وقت مبكر قبل أن تستعصي المشكلة، وهذا يعني الاهتمام بأي تغير يطرأ على سلوك وصحة وتصرفات المراهق، مثل: زيادة الصرف من النقود دون مبرر واضح، أو الانعزال في الغرفة على غير عادة، والتكتم على بعض الأوراق والحاجيات، والاتصالات التليفونية الهامسة السرية، والتأخير غير المعهود خارج المنزل، بالإضافة لملاحظة الاختلاف في صحة الشاب، فالشحوب والسرحان والنحول ونقص الوزن كلها من مظاهر الإدمان المعروفة، وقد يجد الأهل بعض المواد أو الحبوب الغريبة في حوزة الابن، وأحيانًا محاقن مستعملة أو غير مستعملة، مع وجود شمع وأشياء أخرى ترتبط بالتعاطي، ولا يجوز إغفالها، وفي حالة حدوث اشتباه في أي من هذه الأمور فإن رد الفعل يجب أن يكون هادئًا حنوناً، نعرض فيه خدماتنا على الابن، ونشرح له أن وقوعه في مشكلة ليس نهاية العالم إذا هو قرر حلها، كما أنه لا بد من استشارة أهل الاختصاص وعدم التعامل مع الموضوع دون خبرة ودراية أو التصرف بأسلوب خاطئ مثل حجز الابن في البيت ومحاصرته مما قد يؤدي لدخوله في أعراض انسحابية قاتلة، أو محاولة منع التعاطي بأسلوب بوليسي شديد قد يعطي نتائج سلبية أكثر من حله للمشكلة، فمهما بلغ الوالدان من الثقافة فلا بد لهما أن يستمعا لما يقوله الخبراء، وهم في الإدمان الأطباء النفسيون تحديداً، لأن خطة العلاج وسحب المخدر وعودة الشاب لحياته الطبيعية لا بد أن تكون ضمن خطة علاجية متخصصة يتعاون فيها الشاب وعائلته مع الفريق المعالج.