" تشعر بنا، وبأحوالنا، حتى أنني أجد أحدهم يبدو حزينا، فأبدا في مصالحته، وأحيانا أقدم له طعاما مميزا".. بهذه الكلمات وصف أحد التجار في مصر، حال الإبل التي احتضنها أكبر أسواقها بالقاهرة، والتي بدا عليها حالة من الترقب الذي تستمده من أصحابها ومتفقديها من زبائن يبحثون عن أضحية لهذا العام. 

ويلمس متفقد سوق الجمال الذي يمتد على مساحة 25 فدانا، وسط قرية برقاش، جنوب القاهرة، والذي يأتي إليه مضحون من القاهرة والمحافظات المحيطة بها، تأثر عدد كبير منها بأحوال البلاد بعد سنوات قليلة من الشد والجذب والتأرجح بين الاستقرار والاضطراب؛ فالجمال، كما يقول أصحابها، تشعر بهم، وتشاركهم الترقب لأوضاعهم المعيشية، مدللين على ذلك بانخفاض صوت رغائها (صوت الإبل الناتج عن إفراز اللعاب)، وحالة السكون التي تنتابهم هذا العام.

وعند سؤال مراسلة وكالة الأناضول، للتجار عن الأوضاع المعيشية أعرب غالبيتهم عن أملهم في تحسن الأحوال المعيشية والتي ساءت جراء ركود حركة البيع والشراء،  وقال أحد التجار يدعى "حسين": "هذا حالنا، وهذا حال جمالنا، والدولة ترى وتسمع".

تاجر آخر يدعى الحاج سعيد، قال لوكالة "الأناضول": "أكثر ما يعاني منه التجار ارتفاع سعر الدولار الذي يؤثر أحيانا على عملية بيع الجمال، صحيح هذا لم يحدث بالدرجة الكبيرة هذا العام لكن مازلنا نعاني من ارتفاع أسعار العلف والذي لا غني عنه لتقوية الجمال"، مشيراً إلى أن "التجار مثلهم مثل باقي فئات المجتمع يعانون من الأزمات الحياتية".

وأضاف الحاج سعيد، الذي قدم من سوهاج (جنوبي البلاد) لبيع جماله "البعض يعتقد أن التاجر منا يكون ميسور الحال، لا يعرفون كيف نعيش، وأننا في أحيان كثيرة نتحمل ظروف صعبة لأجل تربية الجمل الذي هو في الحقيقية رأس مالنا، لا يعرفون كيف نقوم بتوفير علفه ثم رحلة المجيء للقاهرة لبيعه".

ويعتمد الموردون على الدولار لشراء الجمال، وارتفاع قيمة الدولار مقارنة بالجنية المصري يؤثر على عملية البيع والشراء نظرا لأنه يزيد سعر الجمل، الأمر الذي يتسبب في عزوف المشترين عنه مما يتسبب في حالة من الكساد. 

عصمت محمد أحمد، أحد التجار الذي يعج بهم السوق، قال لمراسلة "الأناضول": "في العادة ترفع الجمال رغائها عندما ينتابها غضب، وخاصة عند ضربها بالسوط أو عقلها؛ فالجمل يشعر كأنه زعيم وجرى هزيمته".

ويفسّر عصمت اختلاف الحال هذا العام بقوله: الجمال تشعر بنا، وبأحوالنا، حتى أنني أجد أحدهم (يقصد الجمل) يبدو حزينا ويتخذ مكانا في أقصى الحوش (مكان خاص بالجمال)، فأبدا في مصالحته، وفي أحيان أقدم له طعام مميز".

والمعروف أن ضرب الجمال بالسوط يكون بغرض جعلها ترمح (تجري هنا وهناك) أمام المشتري، كما أن استعمال "العقل" (أن تربط إحدى قدمي الجمل) يأتي لإظهار قدرتها على الوقوف، وفي أحيان أخرى يدخلها صاحبها إلى الأحواش (أماكن تشبه العنابر تتجمع فيها الجمال) كي تعتاد الحركة، وهي أمور تسهل من عملية بيع الجمال.

عصمت الذي شبه علاقته بالجمال بعلاقته بصغاره، قال أيضا إن "سوق الجمال يعد سوقا عالميا، لأنه يضم الجمال من كل من الصومال والسودان، وأيضاً الجمال المصرية".

وعن الفارق بين الجمل السوداني والصومالي، أوضح عصمت الذي يعمل في هذه المهنة منذ أكثر من 25 عاما، أن الجمل السوداني "يختلف كثيراً عن الصومالي، في أمور عدة بعضها يتعلق بالشكل حيث أن الجمل الصومالي أملس وخشن، بينما الجمل السوداني قليل الشعر، له عدة ألوان".

وأضاف عصمت ان الاختلاف أيضاً "يتمثل في أن الجمل السوداني لديه لحم دسم بخلاف لحم الجمل الصومالي" الذي يصفه عصمت بأنه "لا يقارن بلحم الجمل البلدي (يأتي من دول عدة) أو السوداني"، كما أنه "لا يستجيب للسوط ويخضع، فتجده يتذمر أحيانا، ويعاند في الحركة، وهو ما يدفع المشتري لتفضيل الجمل السوداني، إذا ما عرض في المزاد خارج الأحواش"، على حد قوله.

  ويستخدم التجار الجمال، قبيل بيعها، في أعمالهم اليومية، وخاصة في حمل المواد الغذائية كالقصب، والقمح، لاسيما في المحافظات بصعيد مصر (جنوب)، قبل أن يضعوا لها أرقاما وشارات تحمل أسماءً للدلالة على أصحابها، حتى لا تختلط بغيرها.