إكتسبت مدينة درنة أهمية استراتجية نظرا لموقعها الجغرافي بالقرب من الحدود مع مصر على الطريق المؤدي إلى بنغازي ووقوعها على الساحل الليبي في منطقة الشرق.وقد تعاقبت على السيطرة على درنة جماعات متشددة منذ العام 2011،حيث عانت المدينة من فوضى عارمة حولتها إلى ساحة حرب لا تهدأ.

ورغم تحريرها منذ أشهر،مازالت مدينة درنة تتصدر المشهد الليبي،في ظل تسارع الأحداث في المدينة والتي كان آخرها القبض على أحد أبرز القيادات الإرهابية،في ضربة جديدة تنضاف إلى سلسلة إنتصارات الجيش الوطني الليبي في حربه على الإرهاب الذي تغول في البلاد منذ سنوات.

صيد ثمين

وفي تطور جديد،أعلنت القوات المسلحة الليبية،الإثنين 08 أكتوبر 2018، أنها ألقت القبض على الإرهابي المصري هشام عشماوي،أحد أخطر قيادات الجماعات الإرهابية في مصر، خلال عملية أمنية في مدينة درنة.

وأوضح المكتب الإعلامي للناطق باسم الجيش الليبي أحمد المسماري، أنه تم القبض على عشماوي رفقة زوجة الإرهابي محمد رفاعي سرور، التي أكدت مقتله في بداية عمليات تحرير درنة.وقال المكتب الإعلامي، أن الإرهابي عشماوي قبض عليه في حي المغار في مدينة درنة وكان يرتدي حزام ناسف لكنه لم يستطيع تفجيره بسبب عنصر المفاجأة وسرعة التنفيذ العملية من أفراد القوات المسلحة.

ويعتبر عشماوي أبرز الوجوه الإرهابية في درنة،وهو ضباط مصري انضم إلى الجيش في التسعينيات، ثم التحق بقوات الصاعقة، وعمل بسيناء أكثر من 10 سنوات، وبعدها استبعد من الجيش في العام 2011 وكان برتبة مقدم، وانقطعت صلته نهائيا بالمؤسسة العسكرية بعدما ثبت اعتناقه للأفكار التكفيرية.

وعقب فصله كوّن عشماوي خلية تضم مجموعة من الجهاديين بينهم 4 ضباط شرطة مفصولين من الخدمة على رأسهم هاشم حلمي، هو ضابط شرطة تم فصله من الداخلية، بعدما تبين أنه اعتنق الفكر الجهادي أيضا وثبت أنه له علاقة بتنظيم أجناد مصر الذي يحمل فكر القاعدة.

وفي العام 2013 سافر إلى درنة في ليبيا وتدرب في معسكرات تنظيم القاعدة، وانضمت مجموعته إلى مجموعة القيادي الجهادي كمال علام، وشكل تنظيم أنصار بيت المقدس.ومع مبايعة تنظيم "أنصار بيت المقدس" لـ"داعش" في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، انشق عشماوي عن التنظيم وأسس تنظيماً موالياً للقاعدة في ليبيا سماه "المرابطون".

ويتهم عشماوي بأنه شارك في محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري السابق اللواء محمد إبراهيم عام 2013، ومشاركته كذلك في مذبحة كمين الفرافرة عام 2014، التي أودت بحياة 22 عسكريا مصريا، إضافة إلى مذبحة العريش الثالثة عام 2015 والتي أسفرت عن مقتل 29 عسكريا مصريا.

وفي يونيو 2017، ظهر المتحدث باسم الجيش الليبي، العقيد أحمد المسماري، متحدثًا عن هشام عشماوي، حيث قال: "إن ضابطًا مصريًا سابقًا يقود حاليًا جماعة متشددة في مدينة درنة شمال شرقي ليبيا، ضالع في الهجوم الإرهابى بالمنيا في مصر، والذي أسفر عن مقتل 29 قبطيًا، الأسبوع الماضي".وأضاف -خلال مؤتمر صحفي- "المدعو هشام عشماوي، وهو ضابط تم طرده من الجيش المصري في 2012، هو الآن زعيم للجماعات الإرهابية في درنة، ويقود العمليات الإرهابية من هناك".

ويمثل سقوط عشماوى،بحسب المراقبين ضربة قوية للإرهاب العابر للحدود، وخصوصًا أن الرجل يمثل كنزا كبيرا من المعلومات كونه الصندوق الأسود للتنظيمات والجماعات المتطرفة فى ليبيا،ويعتبر القبض عليه مؤشرا لكشف مفاتيح العمليات الإرهابية ليس فقط فى ليبيا ولكن فى الشرق الأوسط بأكمله.

نجاحات سابقة

وتواصل قوات الجيش إسقاط القيادات الإرهابية في درنة،وأعلنت القيادة العامة للجيش الليبي،الأحد 23 سبتمبر 2018، عن مقتل أحد قادة العصابات الإرهابية في مدينة درنة،أثناء مواجهات مع الأجهزة الأمنية.وأكدت غرفة عمليات عمر المختار في بيان صحفي، على أن "الأجهزة الأمنية في مدينة درنة قد تمكنت من قتل زيزو الجيباني، أحد قادة العصابات الإرهابية أثناء مواجهة مع الأجهزة الأمنية في المدينة.

شهدت الأشهر الماضية،سقوط العديد من قيادات وعناصر الجماعات التكفيرية التي شكلت خلال السنوات الماضية تهديدا كبيرا من خلال أنشطتها الإرهابية التي طالت ليبيا وجوارها.ومن أبرز القيادات الإرهابية التي سقطت،"يحيى الأسطى عمر"،مسؤول الملف الأمني لتنظيم القاعدة بمدينة درنة،الذي أعلن الجيش الليبي،القبض عليه الجمعة 08 يونيو 2018، في خطوة مثلت ضربة قوية للجماعات الإرهابية.

ويعد الأسطى، الذي يعرف كذلك باسم "أبو سليم"، من أبرز قيادات تنظيم القاعدة وهو الرجل الثاني فيما ما يسمى بـ"مجلس شورى درنة" الذراع العسكرية لتنظيم القاعدة في ليبيا، حيث كان مسؤولاً عن تسليح هذا التنظيم،ويمثل صيدا ثمينا نظرا لكم المعلومات الهائلة التي يمتلكها، والتي تتعلق بخيوط تنظيم القاعدة الرئيسية داخل ليبيا، وأماكن نشاطها وعلاقاتها بالتنظيمات الإرهابية خارج الحدود.

أما عمر رفاعي سرور،فقد أكدت زوجته مقتله فى بداية عمليات تحرير درنة الليبية،وذلك خلال التحقيقات معها عقب إلقاء القبض عليه برفقة هشام عشماوى.ويعتبر سرور من الوجوه الإرهابية البارزة في درنة،وقد كان يشغل منصب القاضي الشرعي لتنظيم القاعدة في ليبيا، وأشرف على معسكر التنظيم في المدينة. 

وكان سرور يتولى مسئولية استقبال العناصر الأجنبية، وتربيتهم وتأهيلهم وفق أفكار التنظيم، وأطلق على نفسه لقب "أبو عبد الله المصرى" بهدف تضليل أجهزة الأمن.وقد ساهم في تشكيل مجلس شورى مجاهدى درنة، وهو هجين إرهابى يضم مجموعة من التشكيلات، أهمها كتيبة أبو سليم وجيش الإسلام وبعض من قيادات وعناصر الجماعة الليبية المُقاتلة، ومن أهم قياداته سالم دربى، رئيس المجلس، وناصر العكر، وفرج الحوتى، وقد قتلوا جميعا.

تأمين المدينة

وتأتي هذه العملية النوعية،بعد أيام من إعلان الجيش الليبي مساعيه لتأمين مدينة درنة.وكشف الناطق باسم قيادة الجيش احمد المسماري في مؤتمر صحفي حقيقة الأوضاع في درنة قائلا أن "ما تشهده المدينة حاليا هو عمليات أمنية وليست عسكرية، تدار من قبل غرفة درنة الأمنية، وغرفة عمليات عمر المختار". 

وقبل ذلك،شهدت المدينة تجدد الاشتباكات العنيفة،بين قوات الجيش وبقايا الجماعات الإرهابية في محور المدينة القديمة بمدينة درنة.وأشارت مصادر عسكرية، بأن الاشتباكات تأتى إثر تمكن قوات الجيش من إستهداف مواقع للإرهابيين في المحور بواسطة المدفعية الثقيلة لكتيبة 303 المرج التابعة لها.

ووتسارع الجهود لتأمين مدينة درنة،حيث عقد آمر الغرفة الامنية العليا درنة،العميد عبدالعالي البرعصي،الخميس الماضي،إجتماعا مع عميد بلدية درنة عبدالمنعم الغيثي ورئيس مجلس حكماء وأعيان درنة صالح غيضان وأعضاء من الحكماء والاعيان ونخبة من الشباب والنشطاء والسياسيين.وأكد البرعصي،بحسب المكتب الإعلامي للمجلس البلدي لدرنة على تأمين وحماية المدينة وضبط الأمن وملاحقة أي خارج عن القانون وتطبيق القانون.

وكان الناطق باسم بلدية درنة عبد الكريم صبره،قال في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية" انه جرى افتتاح مركز تدريب عناصر شرطة في المدينة موضحا انه استقبل 500 طالب سيتلقون دورات تدريبية ليلتحقوا بالأجهزة الأمنية في المدينة.وأشار صبره إلى انه جرى تفعيل جهاز الشرطة العسكرية ومديرية الأمن والدعم المركزي لتأمين درنة بعد إعلان تحريرها.

وسقطت مدينة درنة منذ سنوات في فخ التنظيمات الارهابية التى إستغلت حالتي الفراغ السياسي والأمني لتجعل من المدينة ،التي كانت تعتبر وجهة سياحية هامة في ليبيا،مركزا رئيسيا لتجميع الإرهابيين الذين شكلوا تهديدا أمنيا في ليبيا والمنطقة بصفة عامة.

وشهدت المدينة منذ مايو/أيار الماضي،معركة عسكرية،تتالت فيها إنتصارات الجيش الوطني الليبي،وإنتهت بإعلان التحرير،الذي فتح الباب أمام عودة الحياة الطبيعية للسكان، في أعقاب طرد المجموعات الإرهابية ودك معاقلها في أغلب مناطق المدينة الساحلية الواقعة شرقي البلاد.

ومثل تحرير المدينة خطوة هامة في الحرب على الإرهاب،حيث في تجنيب ليبيا المزيد من الهجمات الارهابية،اضافة الى تجنيب دول الجوار وخاصة مصر هجمات ممثالة، لا سيما وأن تلك المدينة تعد ملاذا لخلايا إرهابية عابرة للحدود من مصر وتونس والسودان،وأشار مراقبون إلى أن نجاح العمليات في درنة أفقد التنظيمات الإرهابية موقعاً استراتيجياً مهماً.