يقول إن القذافي من الشخصيات الفريدة التي يمكن الكتابة عنها نظرا لغنى مسيرتها ولنضالاتها الكثيرة وليس من السهل الإحاطة بها أو الحكم عليها بجملة أو ببعض التعبيرات العاطفية من أصدقاء أو خصوم. يعتبره إلى جانب زعماء آخرين زعيما إشكاليا وشخصية غنية يمكن للكاتب أن يجد مجالا للكتابة عنها فهو زعيم استثناء كان مثار جدل بين العديد من الكتاب والباحثين، ويضيف أنه كان يفكّر منذ فترة طويلة في الكتابة عنه لكن الظرف حان الآن للقيام بذلك.

بهذه الكلمات بدأ الكاتب التونسي الصافي سعيد تقديم كتابه الجديد "القذافي ... سيرة غير مدنسة (1942-2011)"، الصادر عن منشورات سوتيميديا للنشر بتونس، وهو مؤلف قد يكون مختلفا عن كل ما كتبه سعيد في السابق بالنظر إلى الجدل الذي سيفتحه بين الناس. الكاتب قال إنه حاول قد الإمكان أن يكون موضوعيا في تناول شخصية العقيد الليبي، لكنه لم ينف في الأخير تدخل الجانب الذاتي فيما كتب. وهذا طبيعي بالنظر إلى تأثر الرجل بالزعيم الليبي وحياته السياسية الطويلة.

يفتتح الصافي سعيد الكتاب بإهداء، يبيّن بوضوح قيمة القذافي عنده، حيث يقول "إن كل رجل عظيم ينتهي بين دفتي كتاب رجل آخر.. وهذا الكتاب هو قبر القذافي الذي لم يعرف له قبر". ومن خلال الإهداء يبدو واضحا الجانب الذاتي في الموضوع من خلال اعتبار الرجل عظيما. قد يبرر الكاتب أن هذا التوصيف قد يكتبه حتى خصم للقذافي لكن من يعرف الصافي بالتأكيد سيذهب إلى قيمة "الرجل العظيم" عند "الكاتب العظيم".

لحوالي نصف ساعة من التقديم، تطرق إلى أغلب ما احتواه الكتاب من معطيات حول سيرة العقيد في علاقة بالسياسة الداخلية والخارجية. فعاد إلى المشروع الاقتصادي والمشروع النووي والنهر الصناعي والتعليم والجامعات والاشتراكية، كما عاد إلى تأميم النفط والزوايا المظلمة لقضية لوكربي والحصار والهجوم الأمريكي والممرضات البلغاريا وإفريقيا والوحدة العربية، إلى أن وصل إلى حرب الناتو وأسبابها الحقيقية.

يقول الصافي سعيد في تقديم كتابه أنه اختار الكتابة عن شخص ذي فكر وذي مشاريع. فهو يعتبر أن القذافي خلال مسيرته الطويلة فعل كل شيء، نجح في الكثير وفشل كل شيء، كما عرفت مسيرته تقلبات مختلفة في علاقة بالغرب ودول المنطقة وقادتها من السادات إلى بورقيبة إلى النميري. كما ذكر أن القذافي شخص يفهم في المستقبليات من خلال تنبؤه ببعض الأحداث من بينه طريقه موته أو موت الزعيم العراقي السابق صدام حسين. يقول إن القذافي رجل ثورة، ويؤمن بالثورات ومعجب بالثوريين في العالم ويريد أن يموت مثلهم وقد حصل له ذلك، مستحضرا في ذلك صورة السياسي الفرنسي روبيسبيير وغيره من من الشخصيات المؤثرة في العالم.

تناول الصافي سعيد العقيد معمّر القذافي مثلما يريد. يعتبره خصما قويا للامبريالية، وهي التي خططت ونفذت لإزاحته عن الحكم. تحّدث عن الحرب التي خيضت ضده وعن صواريخ التوماهوك التي كانت تدك طرابلس وعن طائرات الناتو التي لم تتوقف إلا عند تيقنها من إنهائه، مشيرا إلى أن ما وقع في ليبيا ليس ثورة، بل مجرّد غضبة بغير درس. واعتبر أن هناك في ليبيا طموحين ومختلفين مع معمّر القذافي لكن كل ذلك لا يعطي أي شرعية لاستقدام التخريب إلى البلاد، وإسقاط الدولة من أساسها.

المهم أن "القذافي سيرة غير مدنسة" سيكون محتوى مثيرا للكتاب والسياسيين العرب. كاتبه يقول إنه يكتبه للنقاش حوله وليس لأن يرضى عن محتواه الجميع والواقع أن العدد الحاضر في لحظة التقديم يكفي لأن يؤكّد أن للرجلين (الصافي سعيد ومعمّر القذافي) قيمة عند الناس، في انتظار معرفة ما سيكتب عن الكتاب بعد قراءته خاصة أن مجرّد الاطلاع على بدايته تعطي انطباعا أننا أمام مؤلف مغرِ بطريقة خاصة في السرد تجمع بين السرد والتحليل والكتابة الصحفية.