مر عيد الأب خجولا بينما يضج العالم بيوم عيد الأم.‏..! فلم نشاهد الأبناء الأبرار مشغولين بلقطات السيلفي مع الآباء الكرام، ولم نشاهد صوراً منشورة ولو على عيون العالم فقط في "بوستات" على "الفيس بوك" لا تكلف شيئاً في الحقيقة سوى القليل من الوفاء وضرورة مساواة عيد الأب مع بقية الأعياد التي يصرعون الدنيا من أجلها ليل نهار!  مرَّ عيد الأب من دون أن يتذكره أحد، وكان على حمّال ''الأسية''، أن يبلعها وهو ساكت... هذه المرة أيضاً كعادته كل عام، ليس لأن العطار غير قادر على إصلاح ما أفسده الدهر كما يقول المثل، بل لأن هذا العيد "الأممي" موضوع بمنزلة رفع عتب، ولأن المنظمات الدولية ووسائل الإعلام يهتمون بكل شيء، بدءاً من انقراض الباندا إلى حمى المباريات الرياضية وحرائق الغابات وسوء التغذية وجدري القرود...، أما حقوق الأب فتذهب في هذا المشهد العالمي هباء، مع أن المطلوب بسيط في هذه المناسبة لا يتعدى كلمات عرفان بالجميل...
الثابت اليوم أنّ الاحتفال بتكريم الأب غير معمم بين دول العالم، بينما الاحتفال والقداسة ارتبطت بالأم دائماً وأبداً، وأزعم أن التربية التي حيدنا بها الأب عن دوره في التربية والتوجيه هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، فمعظم الآباء، لا يعرفون أن لهم عيداً عالمياً تحتفل به البشرية المتقدمة في أماكن أخرى من العالم. لقد حضر دور الأم المؤثر في طفولتنا المبكرة، ولاسيما إذا كانت علاقتها بزوجها غير سوية، أو لا صحية، مع العلم أنه ليس دائماً هو السبب في اضطراب العلاقة الزوجية، ولكن الأم ـ في أحيان ـ تؤدي دورها بطريقة خاطئة، وتجعل الأبناء يكرهون والدهم ـ لفظ "الوالد" من قبيل المجاز، فالأم هي الوالدة الفعلية، والأب يسمى والداً على الرغم من أنه لم يلد، ولا هم يحزنون ـ ولأنه مشغول بالعمل خارج البيت أغلب الوقت، فهي تقوم عادة بغسل أدمغة أبنائها بأنها مظلومة، تعمل كل شيء، بينما هو يعيش على كيفه وهواه، هذا إذا لم تتهمه باتهامات شتى مثل "نسونجي" أي يدور على "النسوان" ليل نهار، وقد تقول عنه: "إنه بخيل، يكسب المال الكثير من عمله، يا أبنائي الأعزاء، لكنه لا يعطيني إلا النزر اليسير كي أصرفه عليكم..." إلى آخر هذه الأسطوانة المشروخة التي غالباً ما تكون حفظتها من أمها عن ظهر قلب. وغير نادرات هن الأمهات اللواتي يقلن لأولادهن:
ـ  إن "أبوكم" يعمل بجد ويتعب ويشقى كي يؤمن لكم ما تحتاجونه، وإنه ـ أعانه الله ـ مرهق دائماً، فإن كان ثمة مشكلات بيننا، فهذه مسألة نحلها أنا وهو، لكن عليكم أن تطيعوه وتحترموه، فهو والدكم، ويكاد يزهق روحه من أجلكم. فهل ترانا زدنا في تبجيلنا للأم إلى درجة القداسة، وكثير من الأمهات يستأهلن هذا، وظلمنا الطرف الآخر، وهو الأب المسكين؟!

 رحم الله شاعرنا الجليل ''إيليا أبو ماضي'' الذي قال:
أبي! وإذا ما قلتها فكأنني…. أنادي وأدعو يا بلادي ويا ركني!.

 ومع كل الأدوار التي يلعبها الأب في هذا الزمان، يبقى دوره أجمل المشاهد، فهو في البيت الصاحب والسند، هو لأبنائه الخليل والأخ، بين بناته الملك العادل، خارج أسوار مملكته يكافح ويعاني، ليعود آخر الليل يمسح وجهه كل عبوس، فوسام البطولة أقل ما يمكن أن يكافأ به هذا الأب. وفي هذا السياق أظهرت دراسات لا حصر لها أهمية دور الأب في مرحلة الطفولة المبكرة، ويعد هذا الدور الآن عنصراً مهماً في التأثير على الكفاءة الاجتماعية للطفل، والمبادرة الاجتماعية، والنضج الاجتماعي، والقدرة على الاندماج مع الآخرين، فجميع الأطفال بحاجة إلى حب الآباء، وأوصت الدراسات بضرورة تسليط الضوء على دور الأب من أجل توفير لقمة العيش والحياة الكريمة لأسرته وحبه الخالص لعائلته، وتفانيه من أجل إسعادهم، ورغم برودة العلاقة بين الآباء وأبنائهم نتيجة الانشغال الدائم للأب خارج المنزل على عكس العلاقة مع الأمهات، إلا أن الأب يبقى المثل الأعلى للابن، وحب الفتاة الذي لا ينتهي، فجميل أن يذكر الأولاد آباءهم الذين تعبوا وضحوا وسهروا كي يروا في أولادهم رجالاً ونساء يفتخرون بهم، ويشعرون بأن تضحياتهم لم تذهب سدى. وما أحرانا أن نقول بموضوعية، وبلا مواربة: الأب شريك أساسي في عملية التربية، ولئن كانت الأم ربة الأسرة، فإن الأب رب البيت كله.

 

أقوال الفلاسفة:

 

أب واحد خير من عشرة مربين (جان جاك روسو).

لا يغفو قلب الأب، إلا بعد أن تغفو جميع القلوب (ريشيليو).

من لا يستطيع أن يقوم بواجب الأبوة، لا يحق له أن يتزوج وينجب أبناء (جان جاك روسو).

ليس هناك فرح أعظم من فرح الابن بمجد أبيه، ولا أعظم من فرح الأب بنجاح ابنه (سوفوكليس).

ليس أرق على السمع من كلام الأب يمدح ابنه (ميناندر).  

الأب وحده الذي لا يحسد ابنه على موهبته (غوته).

في حياة المرأة ثلاثة رجال: الأب وهو الرجل الذي تحترمه، والأخ وهو الرجل الذي تخافه، والزوج وهو الرجل الذي يحبها وتحبه (وليم شكسبير).

يعترف الأب بابنه سواء كان موهوباً أو بلا موهبة (كونفوشيوس).

ليس هناك مكان ينام فيه الطفل بأمان مثل غرفة أبيه (فريدريك نوفاليس).

 

كاتب صحافي من المغرب