رثي الفنان الفوتغرافي منصور الصغير، الفنان الفوتغرافي الراحل سعد إبراهيم، الذي توفي أغسطس الماضي بعد أن ألم به مرضا لم يمهله طويلا.

ونشر الصغير، مرثية قصيرة على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تحت عنوان.. قصة تمرد عنوانها "كان بيني وبين الألوان مودة"، بمناسبة مرور أربعين يوم على رحيل الفنان الفوتغرافي سعد إبراهيم، ننشر نصها في هذا السياق:

سعد إبراهيم أمام عدد من لوحاته

"في لغة التصوير وأدبياته يوجد نمط يسمي الأحادي والمقصود به الأسود وتدرجاته بما فيها الرمادي، هذا النمط بالذات ابتدأ به بواكير مشواره في التصوير بصور ظلية تسمي "سولويت"، كانت الصور لحصان مع راعي أغنام، وكأن المشهد قد صور قبل مئة عام، شدّت هذه الصور انتباه الجميع بلا استثناء وخصوصا زملاء الوسط الفني ودخل بها إلى عالم الفوتوغرافيا من أوسع أبوابه.

استمرت رحلته مذ ذاك الحين مع أنماط مختلفة من التصوير إلى أن حط به الرحال وفقد الحافز وأصبحت عنده الدنيا رمادية قبل حوالي العشر سنوات من نهار اليوم، كما بدأ الرحلة بالأحادي الشاحب الخالي من البهجة أنهاها بذات النمط، وخصوصا بعد أن فقد أو غاب في السجون الإخوة والأحباب والأصحاب.

في معرض تبريره بعد سؤاله عن المغزى وراء الأسود بالذات؟ 

أجاب أن الأسود هو سيد الألوان، وهو ما يليق بها كلها، بل أفضل ما يتماهى معها، وأيضا هو الذي يكسبها رونقها، فلولا الأسود لم نعرف الأبيض، ولولا ظلام الليل لم يكن بزوغ الفجر، ولم يكن للقمر الرمادي المصمت ليضيئ ويشع لولا انعكاس ضوء الشمس على وجنتيه.

لم يكن أبدا سيداً بالنسبة له قبل ذلك التاريخ الفاصل في حياة الكل، لم يختاره عبطا لأنه يعرف بأن التمرد قد لا يكون بالسلاح، قد يكون بموقف، أو بكلمة، أو بصورة، أو بالفن، التمرد بالأساس هو موقف يعبر فيه الإنسان عن عدم رضاه عن وضع ما، يخرج فيه الإنسان عن النواميس أو الأعراف أو المتداول إلى النقيض، قد يعبر أحدنا عن ذلك لبعض الوقت، فما بالك أن يلازم الفرد عقدا من الزمن، ويكون شعارا يرفع، عنوانه العريض "كان بيني وبين الألوان مودة"، وأن يصطبغ هذا النمط كل ما كان نابض بالحياة بالنسبة له قبل حين.

من الصعب بما كان أن ترى كل ما حولك أحادي ميت لا ينبض بالحياة، أن تصاب بعمى الألوان إختياريا وبإرادتك، وأنت تعلم بأن الألوان هي ما يعطي لهذه الحياة البهجة والأمل، وخصوصا إننا جميعا نستمد من الألوان ذلك الحافز والشغف للاستمرار، لبذل المزيد من العطاء.

إنه قرار وفلسفة في الحياة توافق فيها مع نفسه، بين تلك البداية الظلية في بادية الظهير بسرت، حيث ابتدى مشوراه الفني إلى فترة العشر سنون الأخيرة التي انطلي كل شيئ فيها عنده بالرمادي، فيما يبدو أنه نوع من الوفاء للمبدأ الذي دخل به لعالم الفوتوغراف، أو للأحباب الذين ودعهم، أو للخلان الذين وسدهم التراب، أو للأصحاب الذين اعتزلهم وهو بتلك الغصة والحسرة من موقفهم في ذلك العام، لقد تطابق سعد ابراهيم في مبادئه مع مبادئه، مع نفسه، مع ضميره، وهي أسمى حالات السلام الداخلي، أن يتطابق ما تعتقد به في قرارة نفسك، مع تصرفاتك، مع نمط معيشتك، مع هواياتك، مع ما أحببت، علي روحك في اربعينيتك السلام، وأن غبت عنا جسدا فلن تغيب عنا مكانة وموقفا."

بعض أعمال الفنان الراحل سعد إبراهيم