يتحدى جامعو أنواع من الكمأ الأبيض في ليبيا الوضع الأمني المتدهور وصقيع الصحراء بحثا عن هذا الفطر المحبب لدى السكان المحليين والمستهلكين في بلدان الخليج حيث يُعتبر منتجا فاخرا.
يأتي ميلاد محمد الستيني سنويا إلى منطقة صحراوية قاحلة لا تنبت فيها إلا أعشاب قليلة مع صديقين له ليبحث عن كمأ بري موسمي يعرف باسم فطر الترفاس ينبت بفعل الأمطار التي تتساقط شتاء ويعد من ألذ أنواع الفطر وأغلاها ثمنا في العالم.
تعرف المنطقة باسم الحمادة الحمراء وتتقاطع فيها الوديان الجافة وهي تبعد مسافة 500 كيلومتر تقريبا جنوب غرب العاصمة طرابلس.
ولا تصادف زائر هذه المنطقة الشاسعة سوى قطعان إبل سارحة في الأرض الجرداء من حين إلى آخر.
ويقول ميلاد محمد وهو يدخن أمام خيمة نصبها عند هبوط الليل للاتقاء من البرد القارس "هذه ليست مهنة في الحقيقة، بل متعة وعلاج للنفس وتصفيتها من صخب المدينة".
ويضيف "كل عام يقودني شغفي إلى هذه الصحراء الجميلة والشاقة في آن واحد، المكان هنا يجعلك تشعر بوحدة وعزلة عن البشر، بحثا عن فطر الترفاس الذي يحمل قيمة كبرى لدينا خاصة أبناء الجبل".
وهو يقطع عشرات الكيلومترات مشيا ويرصد الفطر المطمور تحت الرمال على عمق عشرة أمتار أحيانا.
ويتوقف من حين إلى آخر ليحتسي الشاي الأخضر الذي يعده على موقد. ويقول "يأتي بعض الناس الشغوفين مثلي إلى هذا المكان ليقوموا بعمل ممتع، حيث لا شغف يضاهي حفر الأرض باليد المجردة، وإخراج هذا الفطر الثمين الذي قد يعالج المرضى خصوصا من يعانون أمراض العيون". ويستخدم الفطر الأبيض في الطب التقليدي .

ويبيع ميلاد غلته من هذا الفطر في مدينته الزنتان الواقعة على بعد حوالى 300 كيلومتر شمالا.
وثمة إقبال واسع على الكمأة البيضاء هذه بسبب مزاياها الغذائية وطعمها اللذيذ وقد تضاعف سعرها ثلاث مرات في السنوات الأخيرة في ليبيا بسبب تغير المناخ والطقس غير المناسب فضلا عن انعدام الأمن في البلاد منذ سقوط نظام معمر القذافي في العام 2011.
وكان محصول هذه السنة وافرا بحيث أدى إلى تراجع أسعار الجملة من 130 دينارا (حوالى 33 دولارا) للكيلوغرام في مطلع الموسم إلى 80 دينارا (20 دولارا) لأفضلها على ما أفاد تاجر.
وقرب الزنتان على الطريق المؤدي إلى الحمادة الحمراء نصبت خيمة هي عبارة عن سوق جملة لكمأة الصحراء يأتي إليها ميلاد محمد وجامعون آخرون بعد جولات مضنية تستمر بضعة أيام.
فقد أمضى خالد عبدالواحد (46 عاما) أربعة أيام في الصحراء نجح خلالها بجمع ثمانية كيلوغرامات من الفطر. لكنه لا يخفي خيبة أمله من السعر الذي طرحه تاجر جزائري يعبر الحدود بين البلدين سنويا في موسم فطر الصحراء بين تشرين الثاني/نوفمبر وآذار/مارس.
ويوضح "مرت علينا ليال باردة كادت تجعلنا مرضى (…) للأسف لا يشتري منا هذا التاجر البضاعة إلا بثمن بخس، ليعيد بيعه بضعف المبلغ الذي اشتراها به (…) التاجر يربح بشكل وفير وهو جالس في خيمة ينتظرنا نهاية كل يوم".
ويمضي قائلا "التاجر والأغنياء يستحوذون على الكميات الأكبر من الترفاس ونحن الفقراء بالكاد نتذوقه مع أسرتنا حيث نبقي على غرامات محدودة، والبقية نبيعه لنواجه بماله أعباء الحياة".
ويؤكد التاجر خليفة الصحراوي من جهته "هذا الكلام ليس دقيقا، نشتري الترفاس ونبيعه لغيرنا من التجار والأغنياء من الناس".
ويقول تاجر آخر يدعى عبدالله ميلود "نبيع الترفاس إلى أشخاص آخرين يقومون بدورهم ببيعه بطرقهم الخاصة ونقله إلى خارج ليبيا، وهي مهمة لسنا مسؤولين عنها أو نشارك فيها".
ولا تتوافر أي أرقام رسمية حول كمية الترفاس التي تصدر إلى خارج ليبيا.
لكنه ميلود يؤكد أن "الترفاس أنقذ عائلات عدة كانت معوزة".