كثفت فرنسا من خطواتها لتعزيز مصالحها الاقتصادية في الجزائر لاستعادة مكانتها كأكبر شريك تجاري، بعدما انتزعته الصين في السنوات الماضية.

هيمن الطابع الاقتصادي على الزيارة التي يقوم بها وفد فرنسي كبير للجزائر، يقوده وزير الخارجية لوران فابيوس، في مسعى لاستعادة فرنسا مكانتها كأكبر شريك تجاري في السوق الجزائرية.

وتحاول باريس مواجهة النفوذ الصيني الذي انتزع ذلك الموقع منذ عدة سنوات، وقد عينت في سبيل ذلك الوزير الفرنسي السابق وأمين عام قصر الإليزية، جون لوي يبونكو، ممثلا خاصا للعلاقات مع الجزائر خلفا لجون بيار رافاران.

وتحمل حقيبة فابيوس إلى الجزائر، العديد من الملفات الثقيلة لترميم العلاقة المتصدعة بين الجانبين، على خلفية رفض بوتفليقة التواصل مع فرانسوا هولاند، خلال اختطاف المواطن الفرنسي واغتياله في منطقة القبائل الجزائرية في سبتمبر الماضي.

واضطر هولاند حينها إلى متابعة الملف مع رئيس الوزراء عبدالمالك سلال، وقال في تصريحات إن “الرئيس بوتفليقة لا يقدر على الكلام، لذلك لم أتواصل معه”.

وقالت مصادر مطلعة إن باريس لم تكن مقتنعة باستمرار بوتفليقة في الحكم، وحاولت دعم وصول رئيس جديد للبلاد، وهو ما أزعج بوتفليقة ودفعه إلى مقاطعة الرئاسة الفرنسية بسبب ذلك.

وقد حضر فابيوس افتتاح مصنع لشركة رينو للسيارات قرب مدينة وهران يوم الأحد، في إطار مساعيه لاستعادة الثقة المهزوزة مع بوتفليقة.

ويقول مراقبون إن الليونة التي تبديها فرنسا إزاء بعض الملفات السياسية، ستكون مقابل انتزاع مزايا وصفقات اقتصادية مغرية، تعينها على النهوض باقتصادها المتعثر، واستعادة مكانتها في السوق الجزائرية كشريك أول، في مواجهة التقدم الجامح للتنين الصيني.

وكانت أعداد من المؤسسات الفرنسية قد استحوذت على استثمارات هامة في مجالات المياه والسكك الحديد وقطارات المترو والبنية التحتية، لكن نموذج مصنع شركة رينو للسيارات جاء بشروط وامتيازات مثيرة.

وتعهدت الجزائر بمنح الفرنسيين امتيازات خاصة لمدة 5 سنوات لا يتم خلالها إنشاء أي استثمار في مجال السيارات، إلى جانب التعهد بتسويق جميع الإنتاج، حتى يصل المصنع إلى ذروة طاقته عند 70 ألف سيارة سنويا.

وقال المسؤول الفرنسي الجديد عن العلاقات مع الجزائر جون لوي يبونكو، في أول تصريح له، إن “كل الظروف مواتية لإعطاء دينامكية جديدة للعلاقات بين الطرفين، على أسس من الموضوعية والصداقة”.

وأضاف أن العلاقات الجزائرية الفرنسية سجلت في الفترة الأخيرة تطورا إيجابيا في مناخ ملائم تطبعه نشاطات مكثفة في المبادلات، في ظل إرادة سياسية قوية في تسوية المشاكل التي تواجه العلاقات الثنائية.

وكان وزير الخارجية لوران فابيوس، قد عبر عن “ارتياحه للتعاون الفرنسي الجزائري في المجالين الأمني والقضائي”. وقال إن “العلاقات بين فرنسا والجزائر في أفضل حال، وأن الإمكانيات التي أمامنا هائلة”.

وأكد أن “التعاون في منطقة الساحل الأفريقية يسير بشكل جيد، وأن الجزائر تقدم في ليبيا تسهيلات مفيدة ومكملة لوساطة الأمم المتحدة “.

ورفض فابيوس الطرح المتداول في بعض الدوائر الفرنسية، بأن الجزائر تعطل بحث القضاة الفرنسيين عن الأدلة، في قضية رهبان تيبحيرين.

وقال إن “المؤسسات القضائية الفرنسية راضية عن التعاون مع القضاء الجزائري وأنها تعول على السلطات الجزائرية كي يستمر التعاون بشكل مرض”. وأكد ضرورة “احترام إجراءات القانون الجزائري والقانون الفرنسي، مؤكدا أهمية التوصل إلى إثبات الحقيقة”.

وشدد فابيوس على أن باريس “ترغب في تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتعلم أن هناك منافسين، لا سيما الصينيين”.

وقال إن بلاده بصدد دراسة العديد من المشاريع الهامة، حيث يرافقه الرئيس التنفيذي لشركة مروحيات آيرباص، لبحث آفاق التعاون في مجال صناعة الطيران.

وأكد أن باريس “تفكر أيضا في التعاون في مجالات الطاقة والسكن والتدريب والسياحة وتخطيط المدن والنقل، وقد حددت السلطات الجزائرية خطة تنمية طموحة ونريد العمل في إطارها”.