يرتبط عيد الأضحى المبارك في العديد من المجتمعات العربية بجملة من الطقوس والعادات التي ورثها المجتمع أباً عن جد، لتطفو على سطح الحياة الاجتماعية مع حلول هذه المناسبة المباركة سنوياً.

فقبل حلول العيد بأسابيع يفرض موضوع الأضاحي وأسعارها نفسه على رأس قائمة اهتمامات الكثيرين، ويبدأ الجدل حول سعر هذه الأضاحي في الأسواق والمقاهي وفضاءات العمل، ووسائل النقل العمومية وجلسات النساء والعزائم وغيرها، وكل يستقرئ المشهد والوضع على طريقته.

فالغلاء بالنسبة للبعض مرتبط بمواسم الجفاف وإمساك السماء وارتفاع أسعار الأضاحي، أما بالنسبة إلى البعض الآخر فهو غيض من فيض غلاء المعيشة عموماً، كما يرى آخرون أن احتكار السوق وغياب الرقابة الصارمة هو السبب وراء ذلك.

وفي خضم الجدل يبقى اقتناء خروف العيد، خاصة في بعض المجتمعات كتونس على سبيل المثال، ضرورة يجتهد في تحصيلها رب العائلة بكل السبل حتى يضمن لعائلته التمتع بأجواء العيد ولمة الشواء صبيحة يوم النحر.

وقبل 10 أيام من عيد الأضحى تنتشر ساحات بيع الخراف في البطاح الواسعة من الأحياء الشعبية يسميها المواطن التونسي بالعامية "الرحبة" وفي أماكن بلدية مخصصة لهذا الغرض تسمى "الباتوار"، لتغدو مقصداً للرجال والأطفال وبعض النساء اللاتي يحرصن على مشاركة أزوجهن وأطفالهن في انتقاء أصحية العيد.

ساحات واسعة تغص بالأغنام، تفرش ببساط من أعلاف ويتمركز فيها بائعو الأضاحي الذين يسمون بالعامية التونسية "القشارة"، عارضين ما تيسر عندهم من أضاحي، وأصوات "مأماة" الخراف وقهقهات الأطفال وجلبة المتجادلين حول الأسعار و"المتمازحين" تعم المكان.

كل مساء يهرع الأطفال من مدارسهم والرجال من أعمالهم نحو هذه الساحات، متعة للكل تكلل باقتناء أضحية العيد، حيث يحمل الخروف في سيارة خاصة أو عربة صغيرة إذا كان المنزل قريباً، ويرافق مشوار الأضحية تهاني من هنا وهناك، ممن تعرف ولا تعرف لمقتني الخروف، مفادها" أضحية مباركة.. عيد مبارك.. سنين دايمة.."

وما أن يصل الخروف للبيت، وسط جلبة المهنئين ومرح الأطفال الفرحين سواء أكانوا من أهل ذلك المنزل نفسه أومن بيوت الجيران الذين يهلون مهنئين بالأضحية، حتى يوثق الخروف لزاوية من البيت ويقدم له العلف وتأتي الأم بشيء من الحناء تضعها على جزء من رأس الخروف وجلده إكباراً لكونه أضحية عيد مجيد يجله كل المسلمين.

وتفوح رائحة البخور في البيت ويهرع الأطفال لجلب أشرطة الزينة من مختلف الألوان لتزيين صوف الخروف بتشكيلة زاهية من الألوان ويقدم بعضه للخروف على مدار أيام شيئاً من السكر بيديه الصغيرتين على أمل كسر خوف الخروف وربط علاقة ودية معه بتقبيله والتقرب منه، وفعلاً ينجح بعضهم في هذه المهمة وترى عدداً من الخراف ترافقهم جنباً إلى جنب وتتابع خطواتهم في "الزقاق" دون وثاق أو جهد، وهذا ما يسعد الأطفال كثيراً.

وفي المساء، وإلى غاية ليلة العيد، تخرج الأضاحي من البيوت ويوثقها الرجال أمام المنازل ويجلس كل حذو أضحيته، فتعج الشوارع بالخراف والناس، وتعم البهجة، وتنتشر القهقهات والتسامر حتى حلول صلاة المغرب، حيث يعود كل لبيته.

ويجد بعض الناس، وخاصة منهم مرتادو ساحات بيع الخراف، متعة في مقارعة بعض أعتى الخراف وأكثرها قوة وأكبرها قروناً لبعضها البعض، في إطار ما يسمى "بالمناطحة"، حلقة يرتفع فيها التصفيق والصفير والهتاف والضحك والثناء على الخروف الفائز وصاحبه.

وتلتقط الصور التذكارية مع أضحية العيد في إطار جو عائلي مرح حتى صبيحة يوم العيد أين تصل بهجة الجميع في هذه المناسبة الروحانية عنان السماء.

 

*نقلا عن سكاي نيوز عربية