تنتهج روسيا نهجا جديدا في سياساتها الخارجية، من خلال عودتها للعب دور فاعل في الساحة الدولية ومحاولة تصدر المشهد السياسي في العديد من القضايا الدولية.

واتبعت موسكو سياسة براجماتية تجاه طرابلس فبرغم كونها حليف لطرابلس ولديهم علاقات تاريخية ترجع إلى عام 1955، كما تطورت هذا العلاقات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي من خلال اعترف ليبيا بروسيا عام 1991، فيما شهدت العلاقات نقلة نوعية أثناء زيارة رئيس الوزراء الروسي   فلاديمير بوتين إلى طرابلس للقاء القذافي الذي مثل أول لقاء يجمع بينهم عام 2008، و أثمرت هذه الزيارة عن تكثيف التعاون بين الجانبين على كافة الأصعدة، والإعلان عن مذكرة تفاهم تحتوي عقودًا في المجالات الدبلوماسية و الاقتصادية و التقنية والأمنية و العسكرية.

ولم ترفع روسيا الفيتو على قرار مجلس الأمن لسنة 2011 للقيام بحظر جوي وأدركت موسكو، ان سياساتها الخارجية تجاه ليبيا لم تكون في مسارها الصحيح و بدأت في تعديل نهجها.

وتدعم موسكو خيار التسوية الإقليمية للحل في ليبيا، وهي تسوية تقوم على مبادرة ثلاثية بين تونس ومصر والجزائر، لكن تم القفز عليها لفائدة مبادرات فرنسية وإيطالية لم تحقق وفاقا ليبيا حولها.

وتقول إن أي حل في ليبيا لا بد أن يجمع مختلف الفرقاء بما في ذلك أنصار العقيد الليبي الراحل معمر القذافي. كما تدعم دورا مستقبليا لنجله سيف الإسلام القذافي. وكان الناطق باسم الجيش الليبي العميد أحمد المسماري قد دعا موسكو إلى القيام بمبادرة لإنقاذ الحل السياسي في ليبيا المتعثر حاليا.

وقال المسماري في تصريحات سابقة لوكالة سبوتنيك الروسية "إن رأي الجانب الروسي، مثلما صرح لافروف، يقوم على أساس أن الحل يجب أن يكون حلا سياسيا باتفاق كل الليبيين وبإجماع كل الليبيين على حل ليبي داخلي".

ويرى مراقبون إن موسكو ستراهن على بناء شراكات اقتصادية وتجارية ثنائية وعقد صفقات أسلحة وتقديم إغراءات ووعود دعم لدول شمال أفريقيا لتدعيم استراتيجيتها في التنافس مع واشنطن وباريس داخل القارة.

في مقال نشرته مجلة وال ستريت مؤخرًا عن القوى الدولية لروسيا نقرأ كيف أن روسيا استطاعت أن تجري تحالفات مع الجنرال حفتر، وأن تعيد مصالحها للواجهة، سواء من خلال تعاقدات السلاح أم من خلال عقود النفط والغاز، وكيف أن بوتين استطاع أن يشكّل تحالفًا مع الرئيس السيسي، وأن تعيد الحديث عن صفقات السلاح مع مصر، وأن يفرض حلولًا إقليمية في سوريا مع تركيا وإيران، وأن يتدخل في الانتخابات الأمريكية وهو ما جعل الرئيس دونالد ترامب يعاني مسلسل التحقيقات حول التدخل الروسي في الانتخابات، كما أن تصاعد التيار اليميني مؤخرًا في إيطاليا قد يجعل لروسيا قوة حقيقية في تشكيل تحالفات مع قوى أوروبية قد تؤثّر تأثيرًا كبيرًا في مستقبل شمال إفريقيا.

ويقول مراقبون إن روسيا تحظى بفرص واعدة لتعميق دورها كمنافس اقتصادي في شمال أفريقيا، فضلا عن دور سياسي في حل أزمات المنطقة يستفيد من تراجع الثقة في واشنطن خاصة بسبب عدم دعمها للانتقال الديمقراطي في تونس، والمواقف المتناقضة لها بشأن مسألة الصحراء المغربية، وعدم حماسها لإنهاء الصراع في ليبيا.