سخَّر الرئيس الأميركي باراك أوباما قوة بلده العسكرية لدعم الديمقراطيّة الوليدة التي تحتاج لمُساعدتنا بشدة. وكانت النتيجة نجاحًا مدويًا وتوضيحًا جليًا لقدرة أميركا على استخدام قواها غير المتحدة للوصول إلى نهايات إيجابية.فعلها مرة أخرى، بإرسال القوات الخاصة للبحرية الأميركية. ولكن هذه المرة لم يكونوا يقتلون إرهابيًا. بدلاً عن ذلك، سيطروا على حاوية غامضة خرجت من ليبيا بشحنة نفط حاولت إحدى ميليشيات ليبيا المارقة بيعها في السوق السوداء. وبنجاح القوات في هذه العملية أحبطت تحديًا قد يُغيّر اللعبة بالنسبة إلى سلطة الحكومة الليبيّة الواقعة تحت ضغوط داخلية كبيرة.رد الفعل في واشنطن: تثاؤب عميق. صمت يصم الآذان من أعضاء مجلس الشيوخ، جون ماكين وليندزي غراهام، السريعان دائمًا في طلب مساعدة الجيش الأميركي في مواقف سيزيدها هذا التدخل سوءًا.

"فوكس نيوز" بالكاد لاحظت، إذ لم تصدر كلمة مدح من حلفاء الرئيس الليبراليين في الكونغرس. ونشرت "نيويورك تايمز" تقريرًا سطحيًا.وبالنسبة إلى باقي أميركا: حسنًا، تجري دورة الرابطة الوطنية لرياضة الجامعات، وتوجد خلافات كبيرة من عالم تلفزيون الواقع تحتاج للانتباه لها.واللامبالاة هي أكثر ترويعًا، عندما تدرك أنّ الدولة التي ساعدناها هي ليبيا. هل تذكر؟. هي المكان نفسه حيث قتل سفيرنا منذ عامين على أيدي إرهابيين.لا يمل معارضو الرئيس من التحدُث في هذا الموضوع، حيث يمكنهم استخدامه ضده لإحراز نقاط سياسية، خصوصًا ضد هيلاري كلينتون، التي كانت وزيرة خارجية وقت هجوم بنغازي، وهي بالنسبة إلى الديمقراطيين أفضل مرشح لانتخابات 2016 الرئاسية. وهذا هو السبب المحتمل الذي يخبر لماذا قد لا تسمع أي جمهوري يقول كلمة مدح واحدة للإثناء على انتصار أوباما الأخير.ليبيا في حاجة ماسة للمساعدة، فحكومة ما بعد معمر القذافي التي اختارها الناس بانتخابات حرة، تعاني لتتخطى التحديات التي تواجه سلطتها من الميليشيات المسلّحة الكثيرة، فرق الموت الإسلامية، والانفصاليين الإقليميين. وتتشارك هذه القوى جميعها مصلحة في إبقاء الحكومة المركزية غير مستقرة وضعيفة.لا يريد أحدٌ منهم رؤية الديمقراطية تنجح. وحتى مع إنه يمكنها ادعاء والانتساب لتفويض ديمقراطي أصيل، إلّا أن أوامر الحكومة الرسمية تتقلص يوميًا.

ويأتي أكبر تحدٍ لسلطة الحكومة أخيرًا ممن يدعون بـ"الاتحاديين"، وهي جماعة مسلّحة تطالب باستقلال ذاتي يصل إلى برقة، منطقة ليبيا الشرقية. ولا يبدو أن الاتحاديين بقيادة إبراهيم الجضران راغبون في التفاوض مع الحكومة، وبدلاً عن ذلك حاولوا ابتزاز الحكومة لتنفذ مطالبهم بالسيطرة على منشآت النفط في المنطقة والتصريح بأنهم سيبيعونه من خلال الموارد الموجودة تحت سيطرتهم.النفط هو شريان الحياة بالنسبة إلى ليبيا، أغلقت صنابيره، وسينتهي كل شيء بالتوقف. ويعتبر الليبيون النفط، بطريقة صحيحة إلى حد ما، ملكية مشتركة، ومورد قومي يتشاركونه من أجل مصلحة الجميع. ويعمل غالبية الليبيين في وظائف تمولها عائدات النفط سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ولهذا ترى كلٌ من حكومة ليبيا والمجتمع الدولي تهديدات الاتحاديين ببيع النفط الموجود تحت سيطرتهم بمثابة تحدٍ خطير لاستقرار الحكومة في طرابلس.

كانت قوات الجضران نفذت تهديداتها: استخدمت إحدى محطات النفط الموجودة تحت سيطرتها لملء شاحنة ترفع علم جنوب كوريا بالنفط تدعى "مورنينغ غلوري" (للتوضيح: نفت شمال كوريا أية علاقة لها بالحاوية) وأبحرت بعدها الحاوية في البحر المتوسط متحدية التحذيرات من الحكومة المركزية بتسخير قواها البحرية لمنع السفينة من مُغادرة الميناء. وبالطبع لم يكن ليحدث أي فعل من هذا النوع، فقوات الأمن التابعة للحكومة لا تستطيع أن تحفظ أمن العاصمة، ولا تستطيع فعل ذلك بطريقة أكبر على المياه الساحلية.وفي حال كانت هذه العملية انتهت بخروج الناقلة إلى وجهتها كما كان مخططًا لها، كانت النتيجة ستكون كارثية لا هوادة فيها بالنسبة إلى الحكومة. كان سيظهر عجز وخلل طرابلس في الإدارة للعالم أجمع. وستفتح الأبواب على مصراعيها لنهب نفط ليبيا بالجملة. وكانت قوات الفوضى لتحتفل. ولكن انتهى هذا عندما تدخلت واشنطن.

وبعد فترة ليست طويلة من وصول الحاوية للمياه الدولية، تدخلت حاملة صواريخ موجّهة بحرية أميركية، تدعى "يو إس روزفلت"، مع قوات البحرية الأميركية في العملية. وصعدوا على متن الحاوية من دون إطلاق رصاصة واحدة وسيطروا عليها. ووصل النفط الآن إلى ميناء يقع تحت سيطرة طرابلس. وفي هذه الأثناء، كان الجضران، الذي يُمثّل روبن هود على طريقته، يتذمّر ويسخط مصرحًا أنه قصد بيع النفط من أجل مصلحة الليبيين.طلبت الحكومة الليبية المساعدة من أميركا، مما يساعد في توضيح لماذا كان الترحيب بعملية القوات الأميركية شبه إجماعي من المجتمع الدولي. ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد. فالكل يتشارك في تمنّي رؤية ليبيا، الدولة الكبيرة التي تقع في جزء استراتيجي حساس من العالم.

وبالحديث من الناحية القانونية، فإن فعل الفيدراليين في تحدي حكومتهم المعترف بها دوليًا جعل من السهل تصنيف ما قاموا به كنوع من القرصنة.لا تفهم ذلك بصورة خاطئة: ليس ذلك "فعل من وراء الستار"، كان ذلك فعل جريء من رئيس معروف بأنّه غير فاعل تجاه مصلحته. ولكنها كانت أيضًا حركة ذكية ومحسوبة، عملية جراحية فريدة من نوعها لم يكن ليستطيع أحد أن ينفذها بمثل هذه الثقة إلا الولايات المتحدة. ويرسل ذلك الرسالة التي يجب إرسالها: إذا حاولت التصرُّف الحر في الموارد النفطية التي يمتلكها قانون الشعب الليبي، فلن تذهب بعيدًا.الجميع مشغول بطريقة يمكن تفهمها بالأزمة في أوكرانيا. ولكن القيام بخطوة من أجل قضية الديمقراطية العربية تستحق اهتمامنا بالفعل، وهي قضية تواجه أكثر من نصيبها من المشاكل هذه الأيام. ليبيا مهمة أيضًا.

*الواشنطن بوست