في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة المعارك بين قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج،يسود الارتباك موقف المجتمع الدولي إزاء معركة تحرير العاصمة الليبية من الميليشيات والمجموعات الإرهابية في ظل الصراع القائم بين ايطاليا وفرنسا حول الملف الليبي.

ويمكن القول أن انقسام المجتمع الدولي حول ليبيا ليس بجديد، فمنذ الأيام الأولى لتدخل حلف شمال الأطلسي في لييا في العام 2011 نشر الفوضى في هذا البلد الغني بالثروات، تباينت مصالح الدول الأجنبيه تجاه تطورات الأوضاع الليبية، لكن كانت في أغلبها تلتزم بما يدور في أروقة الدبلوماسية والسياسية.

لكن التطورات الميدانية الأخيرة في ليبيا، التي بدأت منذ الرابع من أبريل/نيسان الجاري، بإعلان قائد الجيش الوطني المشير خليفه حفتر، عملية "طوفان الكرامة"، لتحرير العاصمة طرابلس من المليشيات المسلحة والعناصر الارهابية، زاد الانقسام الدولي لا سيما على الصعيد الأوروبي،وتحول الخلاف الذي كان كان في أروقة السياسة،بين فرنسا وايطاليا إلى خلاف علنيٍّ وتبادلٍ للاتهامات بين مسؤولي البلدين.

وتواجه فرنسا منذ بدء الجيش الليبي عملياته لتحرير طرابلس، اتهامات بدعم التحرك العسكري من قبل إيطاليا.وقال نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، في تصريحات إذاعية الخميس الماضي، إنه لن "يقف متفرجاً إن كان هناك من يمارس لعبة الحرب لأجل المصالح في ليبيا".

وأضاف الوزير سالفيني في تصريحاته،"إنها مسألة ساعات لمعرفة ما إذا كانت فرنسا تدعم أحد الطرفين اللذين يتقاتلان هذه الساعات في ليبيا". وأوضح أنه "يتم إعلامي بتطورات الوضع ساعة بساعة عندما يدور الحديث عن الصواريخ، والهجمات على المطارات، وإسقاط الطائرات، والمخاطر التي يتعرض لها العمال الإيطاليون".

وندد وزير الداخلية بـ"زعزعة استقرار شمال أفريقيا، لأنه إلى جانب ليبيا هناك بلدان أخرى"تواجه المصاعب، فـ"دعونا نفكر في المشاكل الموجودة في الجزائر". واختتم مؤكداً أنه "إذا كان شخص ما يحاول ممارسة لعبة الحرب معنا، فقد وجد الحكومة الخطأ، ووجد الوزير الخطأ معي أيضاً".في موقف اعتبره كثيرون امكانية لتدخل عسكري ايطالي في ليبيا.

لكن نائب رئيس الوزراء الإيطالي، لويجي دي مايو سارع بالرد على سالفيني قائلا "إن إيطاليا ليس لديها أي نية لاستخدام القوة العسكرية للتدخل في الصراع الليبي". وكتب دي مايو على موقع فيسبوك "نستبعد تماما أي تدخل عسكري محتمل في ليبيا، لا اليوم ولا أي وقت مطلقا، مثلما نستبعد أي دعم محتمل حتى -ولو غير مباشر- من الدول الأخرى".

وقال دي مايو الذي يرأس حزب حركة خمس نجوم الشريك في الائتلاف الحاكم، في رسالته "في ظل وجودنا في الحكومة لن تكرر إيطاليا تلك الأخطاء". وكان دي مايو يشير إلى عام 2011، عندما ساعدت الغارات الجوية التي نفذها حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ادخال البلاد في حالة من الفوضى مع انتشار المليشيات المسلحة والتنظيمات الارهابية.

وتوترت العلاقة بين إيطاليا وفرنسا، وهما تقليديا حليفتان، منذ أن شكل حزب الرابطة اليميني وحركة (5-نجوم) المناهضة للمؤسسات ائتلافا العام الماضي ووجها سهام النقد للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المؤيد للاتحاد الأوروبي.وزادت معركة تحرير طرابلس التي يقودها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر،في تأجيج الصراع الفرنسي الإيطالي على المصالح في ليبيا.

وظهر انقسام في الموقف الأوروبي إزاء معركة تحرير طرابلس من الميليشيات والمجموعات الإرهابية وهو الانقسام الذي كان متوقعا على ضوء الصراع الموجود بين روما وباريس.وتتهم فرنسا عرقلت بيانا للاتحاد الأوروبي يدعو القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر إلى وقف العمليات العسكرية في طرابلس.

وقالت صحيفة " كوريري ديلا سيرا" اليمينة، والقريبة من حكومة رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي،أن روما التي لها مصالح نفطية كبرى في ليبيا تصر في موقفها بشأن ليبيا، على دعم حكومة طرابلس برئاسة فايز السراج، موضحة أنها عبرت عن غضبها من عدم رغبة باريس في مساندة قرار اتخذه الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة ويدعو حفتر لوقف زحفه إلى العاصمة.

وفي المقابل،نفت فرنسا أن تكون قد عرقلت بيانا للاتحاد الأوروبي بشأن ليبيا، وقالت إنها طلبت تعديل وتعزيز بيان الاتحاد بشأن موقفه من اشتباكات طرابلس. وقالت  الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية أنييس فون دير مول إن "فرنسا تريد تعزيز نص بيان الاتحاد في ثلاثة مجالات هي وضع المهاجرين، ومشاركة جماعات خاضعة لعقوبات الأمم المتحدة المتعلقة بالإرهاب في القتال في ليبيا (تقاتل إلى جانب حكومة الوفاق ضد الجيش)، وسبل التوصل إلى حل سياسي تدعمه الأمم المتحدة".

وأثار الخلاف الفرنسي الايطالي مخاوف من تأثيراته على الوضع الليبي،وهو ما دفع رئيس البرلمان الأوروبي، أنطونيو تاياني،الى دعوة الحكومتين الايطالية والفرنسية لإنهاء ما وصفه بـ"موسم لوي الذراع" فيما بينهما، والتوصل إلى حل لتحقيق الاستقرار في ليبيا.

وحذر تاياني،خلال مداخلة مع إذاعة إيطالية،الاثنين 15 أبريل 2019، من أن نتيجة إستمرار هذا الوضع هي قتلى ومهاجرون يحاولون الهروب للوصول إلى شواطئ اوروبا.وقال تاياني، الذي ينتمي إلى حزب رئيس الوزراء الاسبق المعارض سيلفيو برلسكوني (إيطاليا إلى الأمام)،"نحن بحاجة إلى تدخل فوري. إن الواجب الذي على عاتق الاتحاد الاوروبي هو الجمع بين الفرنسيين والإيطاليين للتوصل إلى اتفاق. لقد ارتكب الفرنسيون أخطاء، لكن لإيطاليا وجود ضعيف للغاية لا يمكنها من أن تكون فعالة".

وتثير الأوضاع الأمنية في ليبيا مخاوف أوروبية من زيادة التطرف،وكان رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي،حذر الخميس الماضي، من أن "الوضع المتدهور في ليبيا قد يؤدي إلى زيادة عدد المتطرفين العنيفين في هذا البلد"، في إشارة إلى الحرب الدائرة في طرابلس والتي أنهت أسبوعها الثاني.

وبحسب "فرانس برس"، قال كونتي أمام البرلمان الإيطالي "حالة الفوضى والعنف تزيد بشدة من خطر عودة ظاهرة الإرهاب التي لا تزال موجودة في ليبيا".وأضاف"الحرب ضد الإرهاب وتدفق المقاتلين الأجانب (...) تبقى بالتالي إحدى التحديات الرئيسية التي تواجه البلاد والمجتمع الدولي بأسره".

وغداة تصريحات رئيس الحكومة الإيطالية، اجتمع وزير الخارجية الإيطالي إنزو ميلانيزي مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان في روما، وأعلن أنه "لا يوجد حل عسكري للقضايا السياسية المعقدة في ليبيا". فيما قال لودريان إن "الأزمة يمكن أن تصبح خطرة" لأن "عناصر التدهور موجودة". لذا تعمل فرنسا وإيطاليا من كثب على هذه القضية لأنه "لن يكون هناك تقدم في ليبيا بدون اتفاق فرنسي إيطالي راسخ".

وفى الوقت الذى وعد فيه الوزيران بـ"اتخاذ مبادرات بشأن القضية الليبية، لكنهما لم يكشفا عن تفاصيل، وأوضحا بشكل خاص أنها ستكون موضوع اجتماع في روما بين كبار الدبلوماسيين من البلدين. كما أكد الوزير الفرنسي أن الصعوبات التي واجهت البلدين في الأشهر الأخيرة باتت وراءنا". في إشارة إلى عمق الخلاف بين البلدين حول ليبيا.وفقما نقلت وكالة "أنسا" الإيطالية.

وجاء اللقاء في أعقاب اشادة أمريكية بدور المشير خليفة حفتر في الحرب على الارهاب في ليبيا،ووصف وزير الخارجية الإيطالي إنزو ميلانيزي اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بـ الدور المهم" لقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر في مكافحة الإرهاب أنه "شرعي"، بحسب فرانس برس.

وكان البيت الأبيض ذكر أن الرئيس الأمريكي تحدث هاتفياً مع القائد العام للجيش الليبي وتناولا "الجهود الجارية لمكافحة الإرهاب" والحاجة إلى تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا. وقال البيت الأبيض إن ترامب "يعترف بدور حفتر المهم" في مكافحة الإرهاب وتأمين موارد ليبيا النفطية.

وتتهم إيطاليا بتقوية شوكة الميليشيات ومنع تنفيذ الترتيبات الأمنية التي تضمنها اتفاق الصخيرات. وتدعم روما بقوة معسكر الغرب وخاصة مدينة مصراتة حيث تتواجد لها قوات عسكرية، وأكدت أنها لن تسحبها على ضوء التطورات العسكرية التي تشهدها المنطقة الغربية.

لكن في المقابل،حاولت إيطاليا خلال الفترة الماضية، إصلاح علاقتها بالمشير خليفة حفتر حيث تردد عدد من المسؤولين الإيطاليين -ومن بينهم رئيس الحكومة جوزيبي كونتي ووزير الخارجية إنزو موافرو ميلانيزي- على مقر القيادة العامة للجيش الليبي في منطقة الرجمة بمدينة بنغازي شرق ليبيا.

كما أصرت روما على ضرورة حضور المشير خليفة حفتر إلى المؤتمر الذي عقدته بشأن الأزمة الليبية في مدينة باليرمو في نوفمبر الماضي. وأمام رفضه الحضور مع وجوه وشخصيات محسوبة على تيار الإسلام السياسي، اضطرت روما إلى عقد ندوة أمنية على هامش المؤتمر استبعدت منها الإسلاميين وحلفاءهم الإقليميين كتركيا وقطر.

ويشير الكثير من المتابعين للشأن الليبي الى أن هناك امكانية للتقارب بين فرنسا وايطاليا خاصة في ظل تصاعد القتاعة لدى العديد من القوى الدولية لأهمية تطهير ليبيا من المليشيات المسلحة والعناصر الارهابية التي ظهرت بشكل مكثف في مواجهة الجيش الليبي خلال تقدمه نحو طرابلس،وهو ما عكسه التدخل الأمريكي الأخير والاشادة بالجيش الليبي والتي اعتبرها مراقبون دفعة ايجابية للجيش نحو تحرير كامل البلاد.

وفشلت كل مساعي المصالحة الوطنية في ليبيا على مدار الأعوام الماضية، في الانتقال بالوضع الليبي من حالة الفوضى والتردي الأمني إلى الاستقرار وإعادة البناء في ظل انتشار المليشيات المسلحة التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق المصالحة في البلاد،اضافة الى التدخلات الخارجية التي زادت من حدة الانقسامات بين الفرقاء.ويرى مراقبون ان بناء الدولة يبقى رهين تحقيق حالة من الإجماع لدى الليبيين وتوافق القوى السياسية على تدشين مسار السلام والمصالحة لبناء دولة مستقرة.