تتواصل معركة طرابلس على أشدها وسط تطورات ميدانية كبيرة لا سيما بعد تمكن قوات الجيش الوطني الليبي من السيطرة على مواقع جديدة واقترابها من قلب طرابلس،فيما تراجعت حكومة الوفاق الليبية مع تلقيها ضربات قوية وتزايد الخسائر في صفوف قواتها ما دفعها لمحاولة البحث عن دعم جديد من حلفائها الإقليميين.

إلى ذلك، بحث رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، الخميس، مع أمير قطر تميم بن حمد، مستجدات الأوضاع في ليبيا وأزمة وباء كورونا.وبحسب المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي، جدّد تميم دعم دولة قطر  لحكومة الوفاق في مواجهة الجيش الليبي، داعياً إلى إيقاف قصف طرابلس، مؤكداً حرص بلاده على تحقيق الاستقرار في ليبيا.





وكان السراج ألتقى أمير قطر في الدوحة في 10 مارس الماضي، لمناقشة العلاقات الثنائية وسبل تطويرها، ومستجدات الوضع السياسي والأمني في ليبيا.وترتبط حكومة الوفاق المحسوبة على الإسلاميين، بعلاقات قوية مع الدوحة، يفسر الدعم الكامل الذي توفره قطر للجماعات الإسلام الحركي في ليبيا.

وتعتبر دولة قطر من أولى الدول الحاضرة في المشهد الليبي،وبدأته خاصة عندما لعبت دوراً كبيراً في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي مهَّد لقرار من مجلس الأمن بفرض حظر جوي على ليبيا.ثم شاركت القوات القطرية في العمليات العسكرية التي قادها حلف شمال الأطلسي في ليبيا.وقالت تقارير إعلامية إن  حجم التمويل الذي وصل من الدوحة إلى الجماعات الإسلامية منذ 2011 بلغ حوالي 750 مليون يورو.

ويأتي هذا التوجه القطري نحو مزيد دعم حكومة الوفاق في أعقاب تحركات تركية في نفس الاتجاه.وخيرت أنقرة التحرك ميدانيا ذلك عبر شن عدوان مباشر على الأراضي الليبية في تطور خطير يكشف حجم المأزق الذي باتت تعيشه المليشيات والمرتزقة الموالون لتركيا في ظل الضربات المتتالية ما دفع النظام التركي لمحاولة انقاذهم. 

وأطلقت سفينة حربية تركية،الأربعاء، صواريخ على مدينة العجيلات الواقعة غرب العاصمة طرابلس، والتي يسيطر عليها الجيش الليبي،وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورا لحطام الصواريخ وهي من نوع "ريم- 66" أميركي الصنع، التقطها مواطنون، وصورا أخرى للبارجة وهي في عرض البحر، ومقطع فيديو للحظة إطلاق الصواريخ.

وقال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري،في بيان له،"في تطور خطير بالعمليات العسكرية الجارية غرب البلاد، بارجة تركية تقوم برماية صواريخ من عرض البحر على منطقة العجيلات دون حدوث أي خسائر".وأكد المسماري استمرار دعم القوات البحرية التركية للمليشيات التابعة لحكومة الوفاق، مشيرا إلى أن "البوارج التركية كانت ترافق سفن شحن تقل أسلحة ومعدات عسكرية وإرهابيين ومرتزقة سوريين".




ونقلت صحيفة "البيان" عن مصدر عسكري قوله أن البارجة التركية اقتربت لمسافة 10 كلم من ساحل زوارة، في أقصى غرب الشريط الساحلي الساحلي الليبي، حيث شاهدها السكان المحليون، وهي تطلق صاروخين نحو المناطق الداخلية.مشيراً إلى أن تلك الخطوة تهدف بالأساس إلى تحذير الجيش من اقتحام مدينة زوارة بعد أن حاصرها من جهاتها الغربية والشرقية والجنوبية.

وارجع المصدر ذلك للأهمية الاستراتيجية القصوى للمدينة بالنسبة لحكومة فائز السراج وللميليشيات المسلحة، حيث إن السيطرة على زوارة، يعني إغلاق آخر منفذ بري رسمي لسلطات طرابلس على دول الجوار.واعتبر المصدر أن اقتراب البارجة من ساحل زوارة ينذر بإنزال بحري تركي مباشر، في تحدٍ لقوانين والأعراف الدولية، وفي رد معلن على عملية "إيريني" الأوروبية لمراقبة تنفيذ قرار الأمم المتحدة بمنع توريد السلاح إلى ليبيا.

وأعلن الاتحاد الأوروبي،اطلاق عمليته العسكرية "إيريني"،والتي قال المجلس الأوروبي إن مهمتها الأساسية تتمثل في تنفيذ حظر الأمم المتحدة على الأسلحة من خلال استخدام الأصول الجوية والأقمار الصناعية والبحرية.كما ستجمع معلومات حول تهريب الوقود والنفط غير القانوني من ليبيا وتساعد في بناء خفر السواحل الليبي، بما في ذلك من خلال تدريب أفراده.

لكن النظام التركي يواصل تحدي القرارات الدولية وخرقها،وأكدت الإدارة العامة للإعلام الخارجي بوزارة الخارجية التابعة للحكومة الليبية،أن هناك دول خاصةً تركيا لاتزال تخترق قرارات حظر توريد الأسلحة وتقوم بتزويد الميلشيات المسلحة والإرهابية بمختلف أنواع الأسلحة باستخدامها المطارات والموانئ الليبية غربي البلاد، مطالبة بتفعيل قرارات مجلس الأمن بشأن منع تهريب البشر واستغلالهم.

كما أكدت، أنها ستتابع مع الدول الفاعلة القرارات الدولية الصادرة بشأن فرض عقوبات على الأفراد والكيانات الداعمة للإرهاب، مشددة على أن الخارجية الليبية ستواصل مساعيها من أجل إدانة وإيقاف التدخل التركي في ليبيا بحجة توقيعهم إتفاقية باطلة مع "حكومة السراج"، وستواصل العمل على رفع الحظر عن القوات المسلحة العربية الليبية ومنحها حق الحصول على الأسلحة بالطرق المشروعة للدفاع عن الشعب الليبي وحمايته.




وتتعمد تركيا إظهار عدم احترامها للقرارات والتحركات الدولية؛ حيث كشف تقرير نشره موقع "المخابرات الأفريقية" المقرب من الاستخبارات الأوروبية استمرار تركيا في إرسال السلاح والمرتزقة إلى طرابلس. وبحسب الموقع المعني بشؤون الاستخبارات في القارة السمراء، فإن نظام رجب طيب أردوغان يواصل خرقه للقرارات الدولية بشأن حظر توريد السلاح إلى ليبيا؛ حيث قال التقرير: "تركيا لا تحترم قرارات مجلس الأمن بهذا الخصوص".

وتأتي تحركات المحور التركي-القطري لدعم الوفاق بالتزامن مع تطورات ميدانية هامة حيث تمكّن الجيش الوطني الليبي،الجمعة 03 أبريل/نيسان، من صدّ هجوم لقوات الوفاق والمرتزقة السوريين الموالين لتركيا، في منطقة "عين زارة"، جنوب شرق العاصمة الليبيّة طرابلس، وسط أنباء عن خسائر كبيرة في صفوفهم خلال المعارك.

وقال آمر محور عين زارة التابع للجيش الليبي فوزي المنصوري،في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الإخبارية"،ان "مجموعة تابعة لقوات الوفاق من المرتزقة السوريين التابعين لأردوغان، قاموا صباح اليوم الجمعة، بمحاولة فاشلة لشن هجوم مباغت على تمركزات الجيش الليبي في محور عين زارة، فيما قامت وحدات الجيش الليبي بإحباط تلك المحاولة وتكبيدهم خسائر في الأرواح والعتاد"، على حد قوله.

وأضاف المنصوري، "الهجوم الذي شنته تلك القوات كان بهدف استرجاع ما فقدته تلك القوات المهاجمة خلال اليومين الماضيين، ولكن كبدناهم خسائر في الأرواح والعتاد وتقدمنا في مواقع أخرى جديدة كانت لهم، وعين زارة تحت سيطرة الجيش الليبي ونحن في العمق"، بحسب تعبيره.

من جهة أخرى واصل الجيش الليبي ضرباته الموجعة لتمركزات الوفاق،حيث أكد ضابط بالجيش الليبي،الجمعة، إن القوات المسلحة قصفت بالمدفعية، أكبر مخزن للأسلحة والذخائر للميليشيات بوسط العاصمة طرابلس.ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن النقيب سليمان الجارح، التابع لقوة الاستطلاع بالجيش الليبي، إلى أن معارك ليلة البارحة وصباح اليوم تركزت في غابة النصر ومعسكر 77، بمنطقة باب العزيزية وسط العاصمة طرابلس.

وأضاف الجارح،أن "معسكر 77 يحتوي على عدة مدافع هاوزر كانت مجموعة غنيوة الككلي تقصف بها عدة أحياء، وتمركزات الجيش الليبي، منذ بدء خرق الهدنة"، مبينا أن ألسنة النيران وأصوات الانفجارات شوهدت في أنحاء العاصمة طرابلس.ووفقا للجارح، فإن معلومات استخباراتية أكدت أن الحصيلة الأولية لقتلى وجرحى الميليشيات الذين تم استهدافهم بمعسكر 77، بلغت 4 قتلى و9 جرحى.

وتلقى مرتزقة أردوغان في ليبيا ضربات قوية وسط حديث عن خسائر كبيرة في صفوفهم،وفي هذا السياق،كشفت الصحفية الأمريكية المختصة في شؤون الشرق الأوسط ليندسي سنيل، أن عدد المرتزقة السوريين الذين قتلوا من 5 فصائل للجيش السوري الحر المدعوم من تركيا تجاوز الـ 500 عنصر حتى الأن في ليبيا.

وأوضحت "ليندسي سنيل" في تدوينة على حسابها الشخصي في موقع "تويتر"، أن مصادرها لا يمكن أن تحصل على أرقام دقيقة للفصائل الأخرى، لأن هناك نقصًا متعمدًا في الشفافية، مؤكدة تعرض فصيل السلطان مراد لأكبر الخسائر بعدد 191 عنصر.وكان مدير المرصد السوري لحقوق الأنسان، رامي عبد الرحمن، أكد أن المرتزقة السوريون وقعوا في مستنقع الحرب في ليبيا التي لا ناقة لهم فيها أو جمل.




وقال عبد الرحمن في تصريحات له:"توقعنا أن يكون هناك تمرد واستياء من قبل السوريين الذين تم زجهم في الحرب بليبيا وغرر بهم من قبل قادتهم الموالين لتركيا مثل فيلق الشام والقادة الذين يعملون مع المخابرات التركية".وأشار إلى أن هناك استياء كبير في صفوف المرتزقة وخاصة بعد أن بدأت تنكشف حقيقة الوعود التركية الزائفة، مشددا على أن هناك من هؤلاء المقاتلين من يرغبون بالعودة إلى سوريا أحياء ولا يرغبون أن يعودوا بالتوابيت، كما أن غالبية الجثث تدفن في عفرين وليس في مناطقهم.

وتتزامن التطورات الميدانية مع تصريحات للمسؤولين الليبيين حول اقتراب حسم المعارك في طرابلس لصالح الجيش الليبي،حيث أكد عضو مجلس النواب علي التكبالي، أن قوات الوفاق بدأت في الانهيار بالعاصمة طرابلس.وقال التكبالي، في تدوينة نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "نؤكد انهيار الميليشيات، رتل كبير من ميليشيات مصراتة يترك طرابلس والشباب المساند واللواء التاسع يتأهب للدخول، هل فهمت الدرس؟"، على حد تعبيره.

ومنذ تدخل الناتو في 2011، تحولت ليبيا إلى ملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة ذات الولاءات المختلفة والتي انتشرت في البلاد وحولتها الى ساحة حروب متجددة.وهيأت النزاعات السياسية والتردي الأمني في ظل هشاشة الدولة على مدار سنوات مضت الطريق أمام هذه الميليشيات للسيطرة على مفاصل الدولة ونهب ثروات البلاد.وفشلت المحاولات المتكررة لانهاء الأزمة،في ظل تواصل وجود المليشيات المسلحة المنتشرة خاصة في العاصمة التي ظلت أسيرة للصراعات الميليشياوية ما جعل سكانها يعانون من ظروف معيشية وأمنية متردية.

وتعد العاصمة طرابلس هي آخر معقل لتنظيم "الإخوان" والمليشيات المتطرفة في ليبيا، مما يعني أن هزيمتهم تمثل نهاية هيمنتهم على القرار السياسي والمالي في البلاد.ويرى مراقبون أن محاولات المحور التركي-القطري لدعم المتطرفين الموالين لهم في طرابلس ستفشل كما فشلت في شرق وجنوب البلاد في ظل اصرار الجيش الليبي على تطهير كامل ليبيا اضافة الى الرفض الشعبي الكبير للمليشيات المسلحة التي ترتبط أجندات خارجية مشبوهة.