نشر موقع ذا مونيتور المختص بالتحليلات السياسية تقريرا حول دور روسيا في الأزمة الليبية،و عن أي أطرف أو مجموعة تراهن عليها موسكو.

وقال الموقع إنه في 17 مارس وصل خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية إلى موسكو بدعوة من المجلس الاتحادي  -مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي- لمناقشة العلاقات الثنائية وسبل معالجة الأزمة السياسية المستمرة في ليبيا. وكان في استقبال ميشري  رئيس المجلس الروسي فالنتينا ماتفينكو، كما أجرى محادثات مع نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الرئاسي الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوجدانوف. أصدرت وزارة الخارجية الروسةي بيانًا صحفيًا أشارت فيه إلى دعم روسيا لعقد مؤتمر لجميع الأطراف الليبية تحت رعاية غسان سلامة  المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا.

ونفى ليف دينجوف  -رئيس فريق الاتصال الروسي المعني بليبيا في وزارة الخارجية ومجلس الدوما- تأكيدًا في صحيفة الأوبزرفر بأن روسيا تدعم فقط الجنرال خليفة حفتر  قائد الجيش الوطني الليبي، ورئيس مجلس النواب  عقيلة صالح  في طبرق والذي يعد خصم للمشري، وقال دينجوف "روسيا تفضل أي طرف قادر على التأثير إيجابياً على التطورات الليبية"، مضيفا "البيئة في البلاد مليئة بالعديد من المعسكرات المعارضة. ... بالنسبة لنا، نحن نعمل لمساعدة ليبيا على الاتفاق على سياسة واحدة واستعادة السلام دون تدخل في شؤونها الداخلية".

وقال الموقع أنّه يجب أن تعتبر الزيارة التي قام بها المشري  -بصفته رئيسًا للهيئة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها والمكلفة بإسداء المشورة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة- دليلاً على أن روسيا تحتفظ بسياسة متوازنة بشأن ليبيا. 

وأفاد "ذا مونيتور" في أكتوبر الماضي أن موسكو كانت تتحول عن استراتيجية الحفاظ على مسافة متساوية بينها وبين طرابلس وطبرق وبدلاً من ذلك تطوير علاقات أوثق مع حفتر حليف طبرق. وقد تجسد ذلك في زيارة حفتر للعاصمة الروسية في نوفمبر الماضي  حيث أجرى خلالها محادثات مع وزير الدفاع سيرجي شويجو في الفترة السابقة لمؤتمر باليرمو حول ليبيا في نفس الشهر. ومنذ ذلك الوقت لم تكن هناك اجتماعات مهمة بين المسؤولين الروس وخصوم حفتر المتمركزين في طرابلس. وبالتالي  ينبغي أن تؤدي رحلة المشري إلى موسكو إلى إظهار أن موسكو تظل مرنة في نهجها لحل النزاع الليبي.

وينبغي للمرء أن يضع في اعتباره أن المشري وحفتر هم خصمان لبعضهما منذ فترة طويلة. ولا يعترف البرلمان الليبي  الذي يتحالف مع حفتر بسلطة المجلس الأعلى للدولة عليه رغم تفويض المجلس بهذا المعنى بموجب الاتفاقية السياسية الليبية. هذا بالإضافة إلى أنه خلال معظم حياته المهنية كان المشري عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين الليبية وحزب العدالة والبناء التابع لها، بينما عارض حفتر جماعة الإخوان المسلمين وعبر عن التزامه بالقضاء عليها في ليبيا. واستقال المشري من جماعة الإخوان في يناير، لكنه صرح بأنه لا يزال يحترم المنظمة ويدافع عن دورها في المجتمع الليبي. تجدر الإشارة إلى أن روسيا صنفت جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية داخل حدودها.

وتأتي زيارة المشري إلى موسكو وسط عمليات ناجحة قام بها الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر في منطقة فزان بجنوب غربي البلاد والتي سمحت لطبرق بالسيطرة على حقول النفط في الفيل والشرارة  الأكبر في غرب ليبيا. كما اكتسب الجيش الوطني الليبي سيطرته على الوصلات الاستراتيجية لطرق التجارة عبر الصحراء في كل من الغات ومرزق وسبها. ولقد عززت العملية بشكل كبير موقف حفتر على أرض الواقع وعززت مكانته السياسية ، وهي نتيجة كان قد سعى إليها منذ محادثات أبو ظبي في أواخر فبراير عندما التقى فايز السراج  رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني.

وفي الوقت نفسه  رفض المجلس العسكري في مصراتة  -أحد أكبر الفصائل العسكرية في غرب ليبيا- الاتفاقات التي تم التوصل إليها في المحادثات التي جرت حتى الآن بين السراج وحفتر، وخرج أنصار المفتي الليبي صادق الغرياني  إلى الشوارع للاحتجاج ضد السراج. في الوقت نفسه صعد حفتر من الاستعدادات لشن هجوم ضد طرابلس.

وسط هذه التطورات  سافر المشري إلى الدوحة في أوائل مارس لتأمين الدعم القطري لطرابلس. لقد سبقه السراج في زيارة خاصة لقطر. وأثناء تواجده في موسكو  طلب المشري بعض التأكيدات حول الخطوط الحمراء لهجوم حفتر على طرابلس والذي قد يتبع حملة الجنرال الناجحة في فزان. 

وقال "ذا مونيتور" أنّه يمكن أن تؤدي الحملة ضد طرابلس إلى عواقب لا يمكن التنبؤ بها على الرغم من النجاحات التي حققتها حفتر في الآونة الأخيرة، بما في ذلك عودة البلاد إلى حرب أهلية جديدة طويلة الأمد ، "حرب الجميع ضد الجميع" كما في عام 2014 مع وجود احتمالات غير واضحة. وحددت الولايات المتحدة بالفعل خطًا أحمر لحفتر معتبرين أن الحملة العسكرية ضد طرابلس غير مقبولة  وفقًا للدبلوماسيين الغربيين.

وعلى الرغم من أن روسيا تتوقع عائدًا من دعم حفتر، إلا أن دعم موسكو كان محدودًا بشكل ملحوظ. وتشعر موسكو بالقلق من أن دولا أخرى ستجني أكبر المكاسب من اكتساب حفتر موقعًا قويًا بشكل كبير في ليبيا لأنهم راهنوا عليه وحده واستثمروا في نجاحه أكثر من روسيا. وفي المقابل سوف تستفيد روسيا بالتأكيد من الحفاظ على موقع متوازن في ليبيا. وبهذه الطريقة يمكن لموسكو استغلال العلاقات التي تمكنت من الحفاظ عليها مع جميع أطراف الصراع بشكل أكثر فعالية. وهذا يشير إلى الجهات الفاعلة الأصغر وكذلك طرابلس وطبرق، بحسب ذا مونيتور.

وكانت زيارة المشري لموسكو كانت بغرض اقتصادي في الأساس،  وبحث وجود بنوك مركزية موازية في ليبيا.

ومن جانبه صرح جليل حرشاوي  -زميل أبحاث يركز على ليبيا في معهد كلينجينديل ومقره لاهاي- قدم خلفية للمونيتور مشيرًا إلى أنه "عندما انقسمت البلاد تقريبًا في عام 2014 ، بقي محافظ البنك المركزي - أحد أقوى المسؤولين في ليبيا - في طرابلس ورفض اتباع المعسكر المعادي للإسلام في الشرق. كنتيجة لهذا الولاء المتصور للإخوان المسلمين ومدينة مصراتة ، عزم الفصيل الشرقي على إقالة المحافظ صادق الكبير".

وقال حرشاوي "قبل عام  بدأ المشري فترة رئاسته كرئيس جديد للمجلس الأعلى للدولة وممثلًا فعليًا لجماعة الإخوان المسلمين الليبية، على هذا النحو ناقش بالتفصيل مع معسكر شرق ليبيا احتمال إزالة الكبير، وكانت الفكرة التي تم طرحها في العام الماضي فكرة رابحة بالنسبة للفصيل الشرقي: كان المجلس الأعلى للدولة سيسمح بإقالة الكبير، وفي المقابل كان الشرق قد قبل نائبًا يميل إلى الإخوان كمحافظ جديد للبنك المركزي، رفض البرلمان مما ادى لفشل الصفقة ".

أما بالنسبة للتدخل الروسي  قال حرشاوي "عندما يتعلق الأمر بصراع البنك المركزي في ليبيا فإن روسيا تعارض طرابلس وتؤيد حفتر منذ عام 2016"، وأشار إلى أنه "في عام 2016 سلمت موسكو 4 مليارات دينار -3 مليارات دولار- قيمة الأوراق النقدية لمعسكر حفتر. وفي المجموع منذ عام 2016  سلمت روسيا 10 مليارات دينار -7.5 مليار دولار- إلى حفتر ".

وأفادت صحيفة "ليبيا أوبزرفر" أنه فيما يتعلق بقيام روسيا بطباعة النقود لبنك طبرق المركزي، أبلغ المشري بوجدانوف أن موسكو "يجب أن تقطع العلاقات مع المؤسسات الموازية في شرق ليبيا بالنظر إلى الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الليبي من خلال طباعة الأوراق النقدية بالدينار في روسيا".




*"بوابة إفريقيا الإخبارية" غير مسؤولة عن محتوى المواد والتقارير المترجمة