بحلول وقت الظهيرة في قرية "مالاكيسي" الواقعة في مقاطعة "بونغوما"، موطن قبيلة "بوكوسو" الكينية، يسمع جلجلة موسيقي أجراس الأبقار، وغناء الفتيان والرجال والفتيات والنساء المقترن بالحركة الذين يتنقلون من قرية إلى أخرى، يحمل الهواء أصواتهم الصاخبة في هذا الجزء الريفي من منطقة غرب كينيا على الحدود مع أوغندا.

وفي إطار طقوس الختان التقليدي، يبرز من وسط جموع المغنين والراقصين، اثنان من أبناء العمومة، هما "كولوبا أبو بكر" (11 عاما)، و"رمضان ويجولي"، (13 عاما) عاريا الصدر، لا يرتديان سوى السراويل، ووجهيهما مطليان باللون الأبيض لعجينة دقيق الذرة، ويرتديان سلاسل من الأصداف البيضاء حول عنقيهما، ويمسكان بأجراس الأبقار التي يضربانها باستمرار كالآت موسيقية.

وهذا العام، اختير "كولوبا"، و"ويجولي" وهما من أبناء قبيلتي "واسيندي"، و"بوكوسو" للختان، وهو تقليد حافظت عليه القبيلة طيلة قرون ليقود الأولاد نحو الرجولة، حيث تجرى هذه "الطقوس الانتقالية" في شهر أغسطس/ آب من كل عام خلال العطلات المدرسية، في حدث تنتظره أسر قبيلتي "واسيندي"، و"بوكوسو"، وتستعد له سلفا.

وفي حديث لوكالة الأناضول، قال عم الفتيين، سيتاتولي إبراهيم، وهو أحد شيوخ قبيلة "بوكوسو" (68 عاما)، إن "غدا هو اليوم الذي من المتوقع أن يغدو فيه الفتيان رجلين".

وأوضح أن هذا "التقليد يتطلب منهما (الصبيين) أن يمرا ببيوت الأسرة، والأصدقاء لدعوتهم إلى الطقس المهم في اليوم التالي".وأضاف إبراهيم "ولهذا السبب، سيستغرقان اليوم كله في التنقل من قرية إلى أخرى وهما يغنيان".

وأشار إلى أنه "يمكنهما السفر لعدة كيلومترات، وحتى عبور الحدود إلى أوغندا من أجل دعوة أقاربنا الذين يعيشون هناك".

"بوكوسو" قبيلة تتفرع من قبيلة "لوهيا" الأكبر، التي يشغل أفرادها أربع مقاطعات في غرب كينيا، فيما تتركز الغالبية العظمى من رجال قبيلة "بوكوسو" في مقاطعة "بونغوما".

وترتبط "بوكوسو" ارتباطا وثيقا بقبيلة "باغيسو" في أوغندا، التي تحافظ أيضا على طقوس ختان مماثلة.

وبعد الغناء لمدة يوم والرقص تحت الشمس الحارقة غربي كينيا، يؤوي الفتيان في النهاية إلى منزلهما.

ومع غروب الشمس على قرية "مالاكيسي"، يتجمع نحو 100 شخص داخل منزل الفتيين لقضاء ليلة قبل طقوس الختان، الذي عادة ما يتم عند الفجر.

إبراهيم مضى قائلا "من المتوقع أن يقدم أحد أخوال الشابين بقرة للذبح هذه الليلة، ومن المفترض إطعام هذه اللحوم لزوارنا وإعطاء بعضها للرجل الذي سيختن الصبيين".

في المنزل، يشدو الزائرون بأحد أغاني قبيلة "بوكوسو" التقليدية، التي تشيد بالأسرة، وتشجع الصبيين ليكونا جاهزين لمواجهة سكين الخاتن (من يجري بعملية الختان التقليدية).

ثم يشعل الخاتن، المعروف باسم "أوموكهيبي"، نارا ويتحرك بالقرب منها، ويضع السكاكين التي سيستخدمها لإدخال "كولوبا"، و"ويجولي إلى عالم الرجال، وتعرف هذه السكاكين الخاصة، في لغة القبيلة باسم "لوكهيمبي"، وسيتم شحذها مرارا طوال الليل.وقال ماسيندي، (47 عاما)، وهو أحد الذين يجرون عملية الختان التقليدية، وورث هذه المهنة عن والده الراحل، إن "النار تعقم السكاكين، والشحذ يضمن أن القطع سيكون سريعا ونظيفا".

ووسط المخاوف التي تثار حول انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز من خلال استخدام نفس السكاكين في طقوس الختان، تطلب وزارة الصحة الكينية من "أوموكهيبي" الخضوع لتدريبات (للتوعية) بشأن فيروس الإيدز.

وفيما لا تجري كل القبائل الكينية عملية الختان باعتباره أحد الطقوس الانتقالية، تشجع وزارة الصحة الكينية عملية ختان الذكور، حيث يقول خبراء الطب إنه يقلل من فرص العدوى بفيروس الإيدز.

وبينما يستمر الغناء يسير الفتيان في منتصف ساحة منزلهم لتلقي بعض النصائح مشاركة من شيوخ المجتمع.ثم يقف أحد أعمامهما في مواجهة الصبيين ويطلي جسديهما بالبراز الأخضر المستخرج من (أحشاء) البقرة المذبوحة،  ثم يضع عقدين من اللحم حول عنقيهما.

ثم يقترب العم ويصرخ بلغة "بوكوسو"، ويتحرك إلى اليسار ويصفع "ويجولي" على خده ويدفعه إلى الخلف، لكن الأخير لا يتأثر بترهيب عمه، وهو ما يتكرر أيضا مع "كولوبا" الذي يثبت في مكانه.

ويوضح العم، يوسف ونياما، أن "المقصود من الصفع والضرب اختبار تحمل الأولاد للألم الذي ينتظرهما، وتجهيزهما للختان ، والصبيان اللذان سيجري إعلانهما رجلين قريبا، يدركان ذلك".من جانبه، قال "ويجولي" للأناضول "كانت أمنيتي أن أختن بالطريقة التقليدية، وليس في المستشفى، وأنا على استعداد للختان ولست خائفا على الإطلاق".

داخل منزل والده يوضع وعاء كبير من الفخار في منتصف غرفة المعيشة تماما، حيث يتشارك  كبار رجال القبيلة، قصبة تقليدية طويلة (مخصصة للشراب) للشرب من وعاء الجعة التقليدية المصنوعة من طحين الدخن (نبات عشبي ذو بذور صغيرة) المخمر المعروفة محليا باسم "بوسا".ويستمر المرح الصاخب، وإسراف الرجال في الشراب، حتى مطلع الفجر عندما تبدأ طقوس الختان.

وعندما تدق الساعة الـ05:30 صباحا، يتغير فجأة المزاج الاحتفالي داخل المنزل إلى آخر حزين، ويحل محل النشاط والرقص والغناء لحن حزين أشبه بالألحان الجنائزية.لقد حان وقت مواجهة "كولوبا"، و"ويجولي" لسكين الخاتن.

ويقتاد الثنائي زمرة من الرجال والفتيان إلى أقرب نهر على بعد نحو كيلومتر تقريبا، وعند وصولهما يتجرد الصبيان من ملابسهما ويغطسان في مياه نهر "مالاكيسي" الباردة.ويوضح "ونياما"، أن "غمر جسديهما في النهر، يرمز إلى تطهير حياتهم الماضية من أجل حياة جديدة مقبلة".

ثم يخرج الصبيان من النهر ويتوجهان إلى ضفة النهر، حيث يحتشد نحو 100 شخص، ليشهدوا بدء التقليد العريق، ويغطي أحد أقربائهما جميع أجزاء جسديهما العاريين عدا العينين، بالطين الذي يجلبه من ضفة النهر.وفجأة يظهر اثنين من الختان التقليديين من بين الحشود كل منهما يمسك سكينا حادا، فيخيم صمت مطبق على المكان.ويتطلب التقليد من الفتيين النظر بشكل مستقيم، ويحظر عليهما الصراخ من جراء الألم، أو حتى أن تطرف أعينهما.

ثم تطلق صافرة، وفي غضون بضعة ثواني يقطر الدم على ملاءة بيضاء، كان يقف عليها "ويجولي"، قبل أن تطلق صافرة ثانية، فتقطر الدماء أسفل "كولوبا".ومع الصافرة الثالثة، يختفي الختانان التقليديان عن المشهد، ولا يظهران مجددا، فتبدأ الحشود في الابتهاج ويستأنف الغناء والرقص بقوة.

وهكذا لم يعد "ويجولي"، و"كولوبا" صبيان، ولكنهما أصبحا رجلين ومحاربين في قبيلة بوكوسو.واختتم عمهما إبراهيم، حديثه قائلا: "نحن نحافظ على تقاليد أجدادنا حية في العالم الحديث، وأملنا أن يعيش هذا التقليد بعد جيلنا، وهذا من واجبنا".

ومع  قدوم المسيحية والإسلام والتعليم الغربي، ربما يميل المزيد من أبناء قبيلة "بوكوسو" إلى ختان أبنائهم في المستشفيات، ولكن من المرجح أن يستمر سماع أصوات أجراس البقر والغناء والرقص في شهر أغسطس/ من كل عام في مقاطعة "بونغوما" لسنوات عديدة قادمة.