سلط موقع إذاعة صوت أمريكا –الإذاعة الرسمية لحكومة الولايات المتحدة- الضوء على أثر الخلافات الفرنسية- الإيطالية على الوضع في ليبيا وجهود مكافحة التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش الإرهابي.

وقالت إذاعة صوت أمريكا كان لدى فرنسا وإيطاليا خلافات حول الكيفية التي ينبغي بها إحداث تغييرات في ليبيا في حقبة ما بعد الزعيم الليبي السابق معمر القذافي ، لكن هذه الاختلافات أصبحت علنية في الأشهر الأخيرة  مما أثار مخاوف بين بعض المحللين من أن التوتر المستمر بين الجانبين سيؤدي إلى عرقلة مهمة مكافحة المقاتلين المرتبطين بتنظيم داعش الإرهابي في الدولة الواقعة بشمال أفريقيا.

وذكرت تقارير إعلامية محلية أن تنظيم داعش الإرهابي الذي أضعف بشدة وحُرم من معقله الرئيسي في سرت في عام 2016 بمساعدة الضربات الجوية الأمريكية، عاد إلى الظهور في أجزاء من البلاد.

وقال المحلل السياسي الليبي مصطفى الفيتوري "أعتقد أن النزاع الفرنسي الإيطالي سيواصل جعل الليبيين يختلفون بين بعضهم البعض وهذا الخلاف سيفتح الطريق أمام الجماعات الإرهابية مثل داعش والقاعدة والمجموعات المحلية والمتطرفين الآخرين. الموجودين في ليبيا للحصول على الزخم مرة أخرى ".

وأضاف "لقد رأينا هذا واضحًا في الهجمات على المؤسسة الوطنية للنفط ، حيث تصادف وجودي في المكان  قبل دقائق من الهجوم".

هجوم انتحاري

وأعلن تنظيم داعش في ليبيا مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي  الذي حدث هذا الشهر على مقر المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة طرابلس ، والذي أدى إلى مقتل اثنين من العاملين وإصابة آخرين بجروح.

كما أعلن التنظيم  مسؤوليته عن الهجوم الذي وقع في مايو الماضي على مقر اللجنة الليبية للانتخابات في طرابلس ، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 شخصًا وإصابة الكثيرين بجروح.

وقال دايفيد جارتينشتاين روس  -زميل بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومقرها واشنطن- إنه يعتقد أن التوترات المستمرة بين إيطاليا وفرنسا حول ليبيا من شأنها أن تقوض جهود أوروبا لمكافحة الإرهاب في ليبيا في وقت حرج.

وتابع جارتنشتاين روس "من المحتمل أن يؤدي هذا الصدام الفرنسي - الإيطالي إلى سياسات أوروبية أكثر تعارضا لمكافحة الإرهاب في ليبيا".

واضاف "في الماضي كانت هناك جبهة موحدة نسبيا للاتحاد الاوروبي بشأن ليبيا حتى لو كان بعض اعضاء الاتحاد الاوروبي يتذمرون بشكل خاص من هذه السياسات".

وقال كريم مزران  -زميل بارز بمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي- إنه يعتقد أن الخلافات بين فرنسا وإيطاليا  -الدولتين العضوتين في حلف الشمال الأطلسي الناتو- لها جذور في تدخل حلف الناتو في ليبيا في عام 2011 ، مما أدى إلى إنشاء منطقة حظر طيران وإقصاء القذافي نهائياً من السلطة.

وأوضح مزران "هناك اعتقاد قوي في المؤسسة الايطالية بأن فرنسا خطفت ليبيا من ايطاليا".

وأضاف "كانت فرنسا سريعة للغاية في اتخاذ قرار بالذهاب لقصف القذافي وجذب الجميع معها في ذلك،  الإيطاليون ينظرون إلى هذا باعتباره صفعة على الوجه".

النقد العلني

وقد نقلت الدولتان نزاعهما إلى وسائل الإعلام في الأشهر الأخيرة ، حيث انتقدت وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا فرنسا علانية بسبب تصرفاتها في ليبيا.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ترينتا قولها في وقت سابق من هذا الشهر "من الواضح أنه لا يمكن إنكار أن هذا البلد –ليبيا- يجد نفسه في هذا الوضع لأن أحدهم في عام 2011 وضع مصالحه الخاصة قبل مصالح الشعب الليبي وأوروبا نفسها".

ويبدو أنها كانت تشير إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي   الذي حشد الدول الأخرى الأعضاء في حلف الناتو للتدخل في ليبيا.

لم ترد فرنسا رسمياً على تصريحات ترينتا، لكن باريس انتقدت روما بسبب نهجها في ليبيا.

وفي مايو الماضي تجاهل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إيطاليا عندما دعا الفصائل الليبية إلى باريس، حيث اتفقوا على اقتراح فرنسي لإجراء انتخابات في ديسمبر المقبل، وهو اقتراح لا توافق عليه إيطاليا التي تقول إن الوقت الحالي ليس الوقت المناسب لإجراء انتخابات في ليبيا.

وكانت الاختلافات حول ما يجب القيام به في ليبيا قضية مستمرة بين فرنسا وإيطاليا.

وبعد تولى ماكرون السلطو مباشرة في عام 2017 أعرب مسؤول فرنسي رفيع المستوى عن إحباطه من الدبلوماسية الإيطالية في ليبيا ، ووجه اتهامًا بأن إيطاليا كانت مخطئة في دعم ميليشيا مقرها مصراتة.

وقال المسؤول "لا يمكننا قول أي شيء للايطاليين لأنهم يعتقدون أن هذا هو موضوعهم"، مضيفا  "الإيطاليون لن يكونوا سعدا ، لكننا سنحتاج إلى إعلامهم في نهاية الأمر".

لم تستجب وزارات الخارجية لكل من إيطاليا وفرنسا لطلبات إذاعة صوت أمريكا للتعليق على هذا الأمر.

محيط التأثير

ويعتقد بعض المحللين أن جوهر الخلاف بين إيطاليا وفرنسا حول ليبيا يكمن في المصالح الجيوسياسية لإيطاليا، لأن ليبيا كانت ذات يوم مستعمرة إيطالية وتعتبر روما أن طرابلس تقع ضمن نطاق نفوذها.

وقال ماثيو بك وهو محلل عالمي بارز في مؤسسة ستارتفور التي تتخذ من تكساس مقرا لها "أعتقد أن الجزء الذي يثير قلق ايطاليا في هذه المرحلة هو تحرك فرنسا لممارسة تأثير على الوضع الليبي دون موافقة ايطاليا".

وأضاف "على سبيل المثال عندما عقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمراً في ليبيا في مايو ... لم تكن إيطاليا سعيدة بالاستبعاد من تلك المحادثة ، أوحتى  استشارتها بالقدر الكافي".

انتخابات

ونقطة الخلاف الرئيسية بين الحلفاء في الناتو هي عدم موافقتهما على توقيت إجراء الانتخابات في ليبيا.

وصرحت أنييس فون دير مول  -المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية- للصحفيين الأسبوع الماضي بأن فرنسا تدعم الجهود الرامية إلى إجراء انتخابات هذا العام.

وقالت فون دير مول "ستواصل فرنسا مع شركائها لدعم جهود السلطات الليبية ... لضمان استمرار العملية السياسية وخاصة شروط إجراء الانتخابات بحلول نهاية العام".

وفي غضون ذلك ترفض إيطاليا الموعد النهائي للانتخابات المقرر إجراؤه في 10 ديسمبر في ليبيا وتخطط لتنظيم مؤتمرها الخاص حول البلاد.

وقال رئيس الوزراء الإيطالي جيوسيبي كونتي للصحفيين في البيت الأبيض في يوليو الماضي بعد لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "بالاتفاق مع الرئيس الأمريكي ترامب، سأقوم بتنظيم مؤتمر حول ليبيا".

وبذل كونتي جهداً لإثبات أن ترامب يدعم تحركه، لكن الولايات المتحدة لم تقدم أي تعليق رسمي حول هذه القضية.

كما يقترح بعض المحللين أن فرنسا وإيطاليا  لديهما مصالح متضاربة في ليبيا مع تركيز أكثر على منع تدفق المهاجرين من ليبيا ، وأهتمام أقل بجهود مكافحة الإرهاب.