نتابع في موقع بوابة أفريقيا الإخبارية، بعرض سلسلة من المقالات القصيرة، الغنية والمفيدة، تتصدى لظاهرة تفشي الأخطاء اللغوية، وهي أخطاء كثيرة ومتكررة، تكاد تطرد يومياً فيما يسمع ويقرأ، والكل يعلم خطورة الكلمة ووقعها في النفوس، ودورها في تقويم اللسان أو إفساده، فكان والحالة هذه، أن تسلم حتى يسلم اللسان، وأن تساهم البوابة، في توعية لغوية ـ إن صح التعبير ـ حتى تنسجم لغة الإعلام مع جهود المدرسة، إذ الكل يعلم أنّ المدرسة لم تعد وحدها مصدر المعرفة، وأنّ وسائل أخرى كثيرة مما يعرف بمصادر المعرفة قد زاحمتها، بل استأثرت بمكانتها... وما هذه السلسلة من المقالات التي ننشرها اتباعاً، إلا محاولة متواضعة من الموقع، للتنبيه إلى الأخطار المحدقة بلغتنا.
 نتابع اليوم سلسلة الأخطاء اللغوية الشائعة التي يكثر استخدامها... وفيما يعتبره البعض خطأً شائعاً، فأنا أراه خطأً مُطلقاً، و إلا فإننا نُسَوِّغُ استخدامَه. و هذا التسويغ الدارجُ، أباحَ أمامَ كثيرين، انتهاكَ حُرمةِ قواعدِ اللغةِ العربيةِ في أكثرَ من موقع. فكلما نبَّهنا، و حَذَّرنا، و قُلنا إن هذا خطأ، رَدَّ بعضهم علينا قائلاً: بسيطة، إن هذا خطأ شائع! و بتمريرِ هذا الرَّدِ، تمتلئُ كتاباتُنا و قراءاتُنا بالأخطاءِ الشائعةِ، و عندها على لغتنا العربيةِ، السّلامِ! و أنا أؤكدُ على هذا الأمرِ، ليسَ من بابِ الانتقادِ، و إنما من حرصٍ شديدٍ على لغتنا، نحن الآن، أحوج ما نكون إليه. و كذلك، من حرصٍ على أن نفهمَ ما نقرأ، و أن يفهمَ الآخرون ما نكتبُ. ومما يُثيرُ الحفيظةَ، أن بعضَهم اخترعَ أوزاناً من كلماتِ اللغةِ العربيةِ، فَشَوَّهَها مثلاً: كلمة حاجة، جعلها حاجِيَّة، و جمعها على صيغةِ حاجيات، مُجَشِّماً نفسه عبئاً لا حاجة إليه، عندما زاد على (حاجة) حرف الياء، فصارت الكلمةُ من دون معنى. و في الحالِ نفسه، فإن فعلَ احتاجَ، فعلٌ لازمٌ، و مع ذلك، جعلَه صاحبُنا مُتَعَدِّياً بمفعولٍ به، فقال: أحتاجُ كذا. و الصَّوابُ أحتاجُ إلى.  
 و أنت تقودُ سيارتَك، عندما تصلُ إلى ساحةٍ ما، تُطالعك شاخصةٌ كُتِبَ عليها، أفضليةُ المرورِ للغير، فما معنى الغير هنا؟ ومن أيِّ قاموسٍ جيءَ بها؟ ما رأيكم بعبارةِ: أفضلية المرورِ للآخرين؟ أليست هي العبارةُ الصحيحة؟ يقولون في الصُّحُفِ و الإذاعة و التلفزيون وهذا مثال إن أمريكا باحتلالها للعراق، قد دَمَّرته اقتصاديّاً. و هذا يعني حرفياً: إن أمريكا باحتلالها من أجلِ العراق... فما هذه الرَّكاكة، عند استخدام حرف (ل) قبل كلمةِ العراق؟ ألا تستوي الجملةُ إذا وردتْ على الشكلِ التالي: ... باحتلالها العراقَ... و تُعرَبُ العراقُ مفعولاً به للمصدرِ المُضاف، وهذه هي القاعدة. ألا يدرون أن اسمَ الفاعلِ و اسمَ المفعول به و المصدرَ المضافَ لِفعلٍ مُتَعَدٍّ بمفعولٍ به، يأخذُ بعدها مفعولاً به؟ و إذا كانوا لا يدرون، أليسَ استخدامُ القاعدةِ السليمةِ، ينعَكِسُ على الأذنِ، وقعاً سليماً، بعد أن عرفوا القاعدة؟  
 نأتي إلى فعل (التقى) هناك مدرستان ذُكِرتا في قاموس لسان العرب، واحدةٌ جعلته لازماً و أُخرى جعلته مُتَعَدِّياً، و المٌعضلةُ ليست هنا، بل في متن النصِّ الذي وردَ فيه، أكثرَ من مرة. فأن نكتبَ موضوعاً، يرِدُ فيه فعل: (التقى) أكثرَ من مرةٍ، ألا يُفترضُ عندها أن نُبقِيَه لازِماً إلى النهايةِ، أو نُبقِيَه مُتَعَدِّياً إلى النهايةِ؟ وهنا يحضرني أمر، فعندما يقرأُ أحدُهم نصّاً من دون تَوَقُّفٍ، فيه فعلٌ مضارعٌ مُعتَلُّ الآخرِ بالياءِ أو الواو، مسبوقٌ بحرفٍ ناصبٍ، أُفاجأ بتسكينِهِ حرفَ العِلَّةِ، علماً بأن القاعدةَ تقول: إن حركةَ الفتحةِ هنا، تَظْهَرُ و تُلفظُ ! أحدُهم كتب: خرجت من المنزلِ فوصلتُ عملي في الساعة... !  
أنا ما أعرفُه أن الواحدَ منا، يَصِلُ إلى عمله، إلا صاحبنا الذي ربما يعني أن عملَه مقطوعٌ، فوَصَلَه ! و أكتفي بمثالين أختتمُ بهما. ذلك أن الأمر الذي أتناولُه، لا تكفيه صفحة في موقع البوابة. أقول، كثيرون يستخدمون العبارة "أنا مُتأكدٌ من كذا..." و هذا خطأٌ شائع و تعبيرٌ شائع، و على الرغمِ من ذلك فإنه لا يؤدي الغَرَضَ و المعنى المطلوبين. فَإن أَدّاه، فذلك لأن آذاننا اعتادت عليه. فالتأكيد يقعُ على قضيَّةٍ ما، كأن نؤكدَ على الصِّدقِ و الأمانةِ و أمورٍ أُخرى. فكيف أجعلُ نفسي متأكدةً، في حين أنها هي التي تُؤكد. إن الصّوابَ، القولُ: أنا مُتَيَقِّنٌ من كذا. و أسألُ هنا، و في مُفرداتِ لُغتِنا الغربيةِ المُتألقة، فعل " تَيَقَّنَ". فلماذا لا نستخدمه في الأماكنِ التي نحتاجُ فيها إليه؟ و مما نقرأه مثلاً: و تسعى مديرية التربيةِ، إلى تأمين مقاعد دراسية جديدة... و هنا تعني  "كلمة تأمين" أن الصُّفوفَ فيها مقاعد، لكن مديريةَ التربية، تريدُ أن تؤمِّنَ عليها، في إحدى شركاتِ التأمين ! أليسَ من الأفضل أن نقرأَ: إن مديرية التربيةِ، تسعى إلى توفير مقاعدَ دراسية، أو تزويد الصفوفِ بمقاعدَ دراسية؟ الأمثلةُ كثيرةٌ، لا يُمكن أن نتناولَها في هذه المادة. و دائماً التسويغ جاهز... الخطأ الشائع!  
 فمتى سوف نتَّبِعُ القاعدةَ السليمةَ؟ و ما فائدةُ هذه القاعدة إذا لم نستَخدِمْها؟ و كيف نريدُ أن ننهجَ التوصيات التي تَحِضُّ على تمكين اللغةِ العربيةِ، و هناك كثيرون يخرقونه، تحت ذرائع جاهزة، لكن غير مقبولة؟ سلامةُ اللغةِ العربيةِ، كُتِبَ عنها كثيرٌ، و قيلَ فيها كثيرٌ، و ما كُتِبَ و ما قيل، أكَّدَ على بديهيات، هي عتباتٌ على سُلَّمِ المُضِيِّ إلى لغةٍ عربيةٍ سليمةٍ. و قد أكَّدَ مُتَخَصِّصون أن من أولويات تقديم لغةٍ عربيةٍ سليمةٍ إلى الآخرين، نشرها في الأمكنةِ كلها بلغةٍ سليمةٍ، في الإعلانات و في منابرِ الإعلامِ، و في الكتب... ختاماً أعتذِرُ إن كنت قد ارتكبتُ فيما كتبته، خطأً شائعاً، أو غيرَ شائع، فقد جَهِدتُ، لكن نصفُ العلمِ لا أدري، و ما أوتينا من العلمِ إلا قليلا،  لكنني سوف أبقى ساعياً إلى نهجِ السَّليم، في اللغةِ العربية.

 يتبع