عجز الموازنة المصرية للعام المالي 2014/2015، الذي بدأ في أول الشهر الجاري، كما ورد بالبيان المالي المنشور على موقع وزارة المالية، يصل إلى 240 مليار جنيه تقريبًا (33.6 مليار دولار) ، وهو ما يمثل نسبة 10 % من الناتج المحلي الإجمالي. حيث تبلغ الإيرادات المقدرة بنحو 548 مليار جنيه (76.6 مليار دولار)، والمصروفات المقدرة بنحو 789 مليار جنيه(  110 مليارات دولار).

والملاحظ أن هذه التقديرات، تتشابه في مستهدفات أحمد جلال وزير المالية السابق بحكومة حازم الببلاوي، حيث صرح غير مرة بأن الحكومة تستهدف تحقيق عجز بموازنة العام المالي 2013/2014 بنحو 10%.ولكن التقديرات الأولية والمشار إليها بالبيان المالي لموازنة 2014/2015، تشير إلى بلوغ عجز الموازنة نسبة 12%.

والعجز المقدر بـ نسبة 12 % للعام المالي 2013/2014، تحقق في ظل حصول مصر على منح ومساعدات قدرتها وزارة المالية بنحو 117 مليار جنيه، وبما يعادل 5.8 % من الناتج المحلي.

إن المتاح أمام الحكومة الآن، الاقتراض من الجهاز المصرفي في ظل أسعار فائدة منخفضة، وهي سياسة متبعة منذ يوليو/ تموز 2013، ونتيجتها ستكون توفير جزء من أعباء الدين المحلي، ومن جهة أخرى، فإن ما تم من تغييرات في بنود الموازنة، وتخفيض قيمة دعم الطاقة، وفرض ضرائب جديدة، ستكون نتيجته، خفض المصروفات بنحو 18 مليار جنيه، وزيادة الإيرادات بنحو 32 مليار جنيه.

وقد يكون من المتاح التحكم في تخفيض الإنفاق بالمبلغ المحدد، ولكن تحصيل الضرائب المتوقعة بنسبة 100 %، فهو أمر محل شك في ضوء التجربة المصرية. وهو ما يجعل الوصول بعجز الموازنة لنسبة 10 %، خلال العام المالي 2015/2015، صعب التحقيق.

ونرى أن هناك مجموعة من العوامل تساعد على صعوبة الوصول بعجز الموازنة العامة للدولة بمصر إلى 10 %، خلال العام المالي 2014/2015، ونذكر بعضًا من هذه العوامل فيما يلي

·         تكلفة الطاقة

على الرغم من أن الموازنة بعد اعتمادها، أقرت تخفيض دعم الطاقة بنحو 41 مليار جنيه، ليصبح الدعم بحدود 100 مليار جنيه، فلابد أن نذكر أن مصر حصلت على ما قيمته 3.8 مليار دولار منح بترولية من دول الخليج، وذلك وفق ما جاء بتقرير متابعة الخطة – الصادر عن وزارة التخطيط - عن النصف الأول لعام 2013/2014.

وإذا افترضنا أن الدعم استمر بنفس  القيمة خلال النصف الثاني من العام ذاته، فمعنى ذلك أن مصر حصلت على منح بترولية تصل لما يقترب من 8 مليار دولار، وقد قامت الموازنة على فرضية انخفاض الدعم الخليجي عن القيمة التي قدمت خلال عام 2013/2014.

وهو ما يعني أن مصر ستدفع قيمة واردتها خلال العام الحالي، ولو بنسب انخفاض الدعم البترولي الخليجي، وهو ما سيكلف الموازنة أعباء جديدة، ولا أدل على ذلك من صفقات الغاز الروسية، التي كان مقررًا لها أن تصل في أغسطس القادم، ولكن نظرًا لغياب البنية الأساسية لمصر في مجال استيراد الغاز، وتأخر المركب المؤجرة من النرويج عن ميعاد تسليمها، فسيتأخر وصول الشحنات الروسية المتفق عليها.

وسيترتب على ذلك حالة من الإربكاك في حسابات الطاقة بمصر، مما سيدفع لاستبدال البترول بالغاز، وهو ما يعني تكلفة أكبر لتوفير نفس القدر اللازم من الطاقة، حيث إن الغاز أرخص من المشتقات البترولية الأخرى مثل السولار، أو المازوت.

وبالنظر إلى معدلات النمو المستهدفة خلال العام الحالي نجد أنها 3.2 %، بينما تقديرات العام المنتهي في 30 يونيو الماضي لمعدل النمو تقدر بنحو 2.2 %، أي أن هناك استهداف لزيادة معدل النمو بنحو 1 %، وهو ما يعني زيادة الكميات المستهلكة من الطاقة، وليس ثباتها، والمسلم به وفق بيانات الخطة العامة للدولة لعام 2013/2014 أن استهلاك الطاقة بمصر يزيد بمعدل سنوي 3 %.

ومن هذه المعطيات نجد أن دعم الطاقة سيفوق المبالغ المخصصة له بالموازنة، مما سيساعد على تجاوز عجز الموازنة للمعدل المستهدف وهو 10 %.

·         مبالغات ضريبية

بيانات الإيرادات الضريبية كما ورد  في البيان المالي لموازنة عام 2014/2015 تقدر بـ 364 مليار جنيه، بينما نفس البيان يوضح أن الإيرادات الضريبية المتوقعة خلال العام المالي المنتهي في 30 يونيو الماضي تصل إلى 287 مليار فقط، أي أن الزيادة المفروض تحقيقيها في الإيرادات الضريبية هذا العام يجب أن تكون 77 مليار جنيه، وهذه الزيادة تقدر بنسبة 27 % مقارنة بما هو متوقع تحقيقه في العام المالي 2013/2014.

البيانات الفعلية للإيرادات الضريبية الواردة في البيان المالية للموازنة عن سنوات سابقة، توضح ضعف الزيادات المتحققة في الإيرادات الضريبية الفعلية، ففي عام 2011/2012 كانت الزيادة الفعلية في الإيرادات الضريبية 15 مليار جنيه فقط، وارتفعت هذه الزيادة في عام 2012/2013 إلى 44 مليار جنيه، ثم انخفضت في عام 2013/2014 لتصل الزيادة إلى 26 مليار جنيه فقط.

وبالتالي فإن استهداف تحقيق زيادة في الإيرادات الضريبية بنحو 77 مليار جنيه، مبالغ فيه، في ظل حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد المصري، وفي ظل حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي، ولا أدل على ذلك على معدلات النمو البطيئة المتحققة في عام 2012/2013 بنحو 2.2 %، أو تلك المتحققة في النصف الأول من العام المالي 2013/2014 بنحو 1.2 %.

إن التعويل على العوائد الضريبية المتحققة من قناة السويس، والهيئة العامة للبترول، والبنك المركزي، وضرائب أذون وسندات الخزانة، هي عوائد ضريبية على مصادر ريعية، لا تعكس حالة من الانتعاش الإنتاجي وزيادة معدلات النمو.

ومن جهة أخرى فإن هذه الصادر منها ما يعتمد على الخارج مثل عوائد قناة السويس المرتبطة بحركة التجارة الدولية.

كما أن الضرائب المتحققة من الهيئة العامة للبترول، هي مجرد خصم من إيراد حكومي، وأيضًا يشكو قطاع البترول خلال السنوات الماضية من ضعف الاستثمارات الأجنبية، بسبب مديونية الحكومة المستحقة لهذه الشركات والتي تقدر بنحو 6 مليارات دولار.

ومن تلك البيانات المتعلقة بالإيرادات الضريبية نؤكد على صعوبة تحقيقها، وسوف يؤثر ذلك بالسلب على الإيرادات العامة، وبالتالي زيادة عجز الموازنة خلال العام المالي الحالي عن 10%.

·         عدم الاستقرار السياسي

هناك تقديرات أحادية تذهب إلى أن تحقيق الاستقرار السياسي محصور في إجراء الانتخابات المختلفة للرئاسة والبرلمان وصياغة الدستور الجديد، وتتناسى واقعا على الأرض، يشهد حراكا من قبل الرفضين للنظام الحالي، وتتسبب فعالياتهم في ارباك مناخ الاستثمار، وبخاصة من قبل المستثمرين الأجانب.

والأهم من فعاليات الرافضين للنظام الحالي، هو أعمال العنف إلي تمارس في أماكن مختلفة بأنحاء مصر، وكان أبرزها التفجيرات التي شهدها قصر الاتحادية الرئيسي، حيث أن دلالات الحدث على تقويم أوضاع الاستقرار سلبية، وتعطي صورة مفادها أن الاستحقاقات الانتخابية لم تفرز استقرارا  سياسيا وأمنيا بشكل تام، يمكن في ضوءه التنبؤ بتحقيق معدلات النمو الاقتصادي المستهدفة بمعدل 3.2 %، أو تدلل على قدرة مصر على اجتذاب استثمارات أجنبية.

إن انحسار معدل النمو الاقتصادي بأقل من المعدل المستهدف، يعني تراجعا في الإيرادات العامة، وزيادة في النفقات نظرًا لما سيسفر عن ذلك من استمرار التداعيات الاجتماعية السلبية مثل البطالة والدعم، فضلًا عما يمثله ذلك من احتمالات عدم الاستجابة الشعبية لما هو مقدر بشأن خفض مخصصات الدعم.

ومما يلفت الانتباه في مستهدفات الموازنة استقرار معدل التضخم، وفي نفس الوقت يشير البيان المالي للموازنة إلى تبني الارتفاعات السعرية لمواد الوقود، وهي أهداف متعارضة، فالمسلمة التي لا تحتاج إلى شرح، أن رفع أسعار مواد الوقود بأية نسبة سوف يكون لها مردودها السريع في ارتفاع معدلات التضخم.

ولمصر تجارب سابقة في هذا المجال، وعادة ما يصعب على الحكومة أن تحكم سيطرتها على معدلات التضخم الناجمة عن مثل هذه الحالات، وترك الأمر للسوق ليحدد تلك المعدلات، بعيدًا عن أية ضوابط موضوعية.

ولذلك فإن عدم الاستقرار السياسي وما يترتب عليه من سلبيات سيضيف للصعوبات الخاصة بتخفيض عجز موازنة العام المالي الحالي لمعدل 10%.