يتواصل الصراع في غرب ليبيا على حكم المرحلة الانتقالية من داخل البيت « الوفاقي » الواحد ، وخاصة بين فائز السراج ووزير داخليته ، وهو ما يؤجل الحل السياسي كونه يلقي بظلاله على أعمال لجنة الحوار واللجان المنبثقة عنها من خلال تعدد ولاءات الأطراف التي من المفترض أن تحدد الشخصيات التي ستؤول إليها المناصب الرئيسية في السلطة التنفيذية.

فرئيس المجلس الرئاسي يسعى للبقاء في منصبه الى حين تنظيم الانتخابات في ديسمبر القادم ، ويحاول الحصول على دعم من بعض الدول الإقليمية ومنها إيطاليا التي طلب من رئيس حكومتها جوزيبي كونتي في ديسمبر الماضي نقل رسالة الى قائد الجيش المشر خليفة حفتر يقترح عليه فيها تعيين من يراه صالحا من المنطقة الشرقية لرئاسة الوزراء ، على ألا ينازعه في صلاحياته السياسية وخاصة منها المتعلقة بالعلاقات الخارجية ، ويرى المراقبون أن السراج ما لا كان ليعرض هذا المقترح لولا تلقيه ضوءا أخضر من النظام التركي الذي كان أعلن في سبتمبر الماضي لما أعلن عنه حليفه في طرابلس من استعداده للاستقالة في أواخر أكتوبر وتسليم مقاليد الحكم للطرف الذي سيتم الاتفاق عليه من قبل لجنة الحوار السياسي ، ولكن لم يحصل أي اتفاق ، وبالتالي بقي السراج في منصبه ، قبل أن يتجه لخوض صراع خفي من أجل الاستمرار كرئيس للمجلس الرئاسي مع تسليم منصبه الثاني وهو رئاسة مجلس الوزراء الى شخصية تختارها قيادة الجيش لإضفاء شرعية جديدة على الحكم في طرابلس تدفع الى تسييل إيرادات النفط العائد الى التدفق الى الأسواق العالمية منذ سبتمبر الماضي ، والمجمدة بقرار دولي في حساب لدى مصرف ليبيا الخارجي دون السماح لمصرف ليبيا المركزي بالتصرف فيها قبل التوصل الى توافق سياسي مع سلطات الشرق التي تتهم حكومة الوفاق باستعمال تلك الإيرادات في تمويل القوات التركية ومرتزقة أردوغان والميلشيات المحلية والجماعات الإرهابية.

وقالت بعض التسريبات أن السراج طرح من جديد مقترح بقائه في السلطة مقابل تكليف رئيس وزراء جديد يحظى بموافقة الجيش، على المسؤولين الإيطاليين خلال زيارته الى روما الجمعة الماضي ، ولكنه فوجئ بأنهم لم يعودوا ميّالين الى هذا الفكرة ، نظرا لوجود إصرار أممي على تشكيل سلطات جديدة موحدة في البلاد.

ويعتمد السراج على ميلشيات طرابلس التي ترى في بقائه على رأس المجلس الرئاسي قطعا للطريق أمام ميلشيات مصراتة التي تسعى بدورها الى فرض قيادة جديدة من مدينتها ، ما يعطي الصراع بعدا مناطقيا وجهويا ، تبين بالخصوص في المواجهة المعلنة مع وزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا ، عندما سحب منه تبعية قوة الردع الخاصة التي تعتبر أكبر ميلشيات العاصمة من حيث تعداد الأفراد والتسليح والانتشار وجعلها تتحرك تحت إمرة المجلس الرئاسي مباشرة وبتمويل مستقل ، كما فتح الطريق أمام عودة هيثم التاجوري أمر كتيبة ثوار طرابلس الذي كان غادر البلاد أثناء هجوم الجيش على العاصمة ، وتم تصنيفه كخائن للصف للميلشياوي ، قبل أن يعود في ديسمبر الماضي الى طرابلس ، وفي جعبته دعم غير محدود للسراج

وبالمقابل ، أعلن وزير الداخلية المفوض لحكومة الوفاق فتحي باشاغا إستعداده لتولي رئاسة حكومة وحدة وطنية ، وهو يعمل على ذلك منذ فترة ، ويجد سندا كبيرا من ميلشيات مدينته مصراتة ، ومن بعض ميلشيات طرابلس ، كما يرتبط بعلاقات قوية مع واشنطن ولندن ، وحاول مؤخرا الانفتاح على باريس والقاهرة عندما زارهما ، ورغم الانتقادات التي تعرض لها من قبل المعسكر الموالي لتركيا إلا أنه عرف كيف يحافظ على علاقته مع نظام أردوغان ،

ويعتبر باشاغا المرشح الأكثر حظا لرئاسة الحكومة ، وهو يحظى بدعم من قبل عدد مهم من أعضاء لجنة الحوار السياسي واللجنة الاستشارية ، ومن أمراء الحرب والفعاليات الاجتماعية في مصراتة ، ويسعى الى نيل ثقة القوى الدولية والإقليمية والبعثة الأممية من خلال تبني خطاب متوازن ، وكذلك من خلال إصراره الدائم على الحديث عن مكافحة الفساد المستشري في حكومة الوفاق والحرب على الإرهاب والتهريب.

وكان باشاغا أول من فرض على ميلشيات كان يتزعمها قبل سنوات في مصراتة ، الانسحاب من غرب سرت ، ك«بادرة حسن نية » لدعم جهود اللجنة العسكرية المشتركة في فتح الطريق الساحلي بين غرب وشرق البلاد ، كما أبدى تصلبا ضد الجماعات المتورطة في الإتجار بالبشر ، وأعلن عن قرب إطلاق عملية عسكرية كبرى ضد الإرهابيين والمهربين في المنطقة الغربية .

لكن وصول باشاغا الى رئاسة الوزراء لا يتحقق إلا بنقل رئاسة المجلس الرئاسي من السراج الى شخصية من شرق البلاد ، ومنذ بداية الحوار في هذا الاتجاه ، كان عقيلة صالح رئيس مجلس النواب أبرز المرشحين لذلك ، ولكن تركيا وحلفاءها من الإخوان تصدوا لهذه الإمكانية ، نظرا لعلاقة صالح بالمشير حفتر ، وتوفير البرلمان تحت رئاسته غطاء سياسيا وتشريعيا للجيش منذ إطلاق عملية الكرامة ضد الميلشيات الإرهابية في العام 2014 ،

غير أن بعض المصادر تشير الى أن بعض الفتور أصاب العلاقات بين صالح وحفتر ، وهو ما نفاه الرجلان ، وفي أواخر ديسمبر الماضي ، أكد مسؤولون أتراك أن بلادهم استقبلت مبعوثا خاصا من رئيس مجلس النواب الليبي ، وبعد أكثر من أسبوع فنّد صالح تلك الأخبار ، وقال الجمعة الماضي : "نحن لا نتسول ولا نتلقى أوامر من تركيا أو من غيرها" ، وأضاف : "نحن نعمل من أجل أمن واستقرار ليبيا وليس لدينا ما نخفيه والشعب يشارك ويتابع في خطواتنا أول بأول... مصلحة الشعب الليبي فوق كل اعتبار، وأمن واستقرار ليبيا هدفنا الذي لن نحيد عنه".

ولعل من أبرز الشخصيات الأخرى التي تطمح الى رئاسة حكومة للوحدة الوطنية ، أحمد معيتيق ، الذي يتولى حاليا منصب النائب الأول لرئيس المجلس الرئاسي وكان مهندس الاتفاق حول إعادة ضخ النفط مع قيادة الجيش والداعم الأبرز للمسار الاقتصادي ولإتفاق جنيف ، ويعتبر الشخصية الأكثر استقلالية وبراغماتية في غرب البلاد ، وهو ورغم انتمائه الى مدينة مصراتة إلا أنه لم يلوث نفسه بالصراع الميلشياوي ، كما أنه حافظ على علاقات متوازنة مع أغلب القوى الخارجية سواء كانت إقليمية أو دولية.

وفي ديسمبر الماضي شدد معيتيق ء على أن السيادة الليبية تأتي أولًا ، وقال في حوار عبر تقنية الاتصال المرئي عن بعد ضمن أعمال منتدى حوارات المتوسط: “يجب أن نكون واضحين جدًا في هذا الشأن. لسنا بحاجة لقوات أجنبية في ليبيا، لا أعتقد أن الحل الذي يشمل قوات أجنبية سيحترمه ويرحب به الشعب الليبي”.كما أكد إستعداده لقيادة ليبيا نحو بر الأمان خلال المرحلة في حال اختياره لتشكيل الحكومة الوطنية .