في ليبيا تنقسم المؤسسات بين حكومتين الأولي في شرق ليبيا، وهي الحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب، وحكومة الوفاق في طرابلس، التي تشكلت بناء علي الاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية في العام 2015.وتعتبر المؤسسة الوطنية للنفط احدى أهم المؤسسات في ليبيا التي مازالت تحضى بشرعية بين الحكومتين،لكن ذلك لم يمنع هذه المؤسسة من السقوط في قلب الصراعات المستمرة.
 ففي تطور جديد،اقتحمت عناصر مُسلحة مجهولة، ظهر الإثنين، مبنى ‎المؤسسة ‎الوطنية ‎للنفط، بالعاصمة الليبية طرابلس.وقالت المؤسسة في بيان لها ،إن قوة حرس المنشآت النفطية المكلفة بحماية مبنى المؤسسة ،تفاجئت بقدوم مركبات مسلحة في الاتجاه المعاكس لحركة المرور، وقيامهم ببعض الحركات الفوضوية، وسحبهم للأسلحة ومحاولتهم أقتحام السياج الخارجي لمبنى المؤسسة.


وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي،مقطع فيديو انتشر،موضحا كيف قطعت المجموعة المسلحة الطريق أمام المبنى بالسيارات.وأظهر المقطع المصور رجلا بدا أنه من أفراد المجموعة المسلحة، وهو يطالب باستقالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، وفق ما أوردته وكالة رويترز.
واضاف بيان المؤسسة أنه "وفور وقوع الحادثة، تم إستدعاء تعزيزات إضافية من قوات حرس المنشآت النفطية التابعة لوزارة الدفاع ووزارة الداخلية وبفضل الله تم التعامل مع هذه العصابات المارقة والخارجة عن القانون وتم طردهم دون أي أضرار بشرية أو مادية تذكر".
وأشارت المؤسسة إلى وجود تهديدات تعرض لها احد كبار المسؤولين بالمؤسسة الوطنية للنفط قد يكون لها علاقة بالحادث وقد تم احالة بلاغ لمكتب النائب العام للتحقيق في ملابسات الهجوم الفاشل والتحقيق مع كل من له علاقة بهذا العمل الارهابي بشكل مباشر أو غير مباشر لاتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية قطاع النفط من هذه المحاولات البائسة.
 ويأتي هذا الهجوم في أعقاب تصاعد الخلافات بين رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي بطرابلس، الصديق الكبير، بسبب بيان المركزي حول الإيرادات النفطية، والذي وصفه صنع الله بأنه مليء بالمغالطات.
وأكدت مؤسسة النفط ،الأحد تعليق تحويل إيرادات المبيعات مؤقتا إلى مصرف ليبيا المركزي ملوحة باللجوء إلى سلطة الادعاء العام في حال لم "يصحح بيانه الكيدي فورا" الذي أشار فيه إلى عدم دقة بيانات المؤسسة.واتهمت المؤسسة في بيان نشرته على صفحتها بموقع فيسبوك البنك المركزي بطرابلس بنشر مغالطات وتضليل في بيانه الصادر بتاريخ 19 نوفمبر الجاري حول الإيرادات والإنفاق خلال العشرة أشهر الأولى من العام الجاري، مؤكدة أن تلك الادعاءات كيدية.
وكشفت المؤسسة عن حجز إيراداتها من النفط في حسابات المؤسسة لدى المصرف الليبي الخارجي، وقالت إنه لن يتم تحويلها إلى المركزي حتى تكون لديه شفافية عن آلية صرف الإيرادات النفطية خلال السنوات السابقة وعن الجهات التي استفادت منها والتي تجاوزت  186 مليار دولار الأعوام التسعة الماضية.


وأكدت المؤسسة أن الإيرادات النفطية الفعلية خلال الفترة من 1 يناير إلى 31 أكتوبر الماضي "والمودعة لدى مصرف ليبيا المركزي بلغت 3.7 مليار دولار أي ما يعادل 5.2 مليار دينار ليبي وفق سعر الصرف الرسمي وليس كما ورد ببيان المصرف المركزي".مضيفة أنه "وبمقارنة الإيرادات الفعلية خلال الفترة مع الإيرادات المقدرة حسب الترتيبات المالية وقيمتها 5.0 مليار دينار ليبي يتبين تحقيق فائض بقيمة 200 مليون دينار ليبي وليس عجزا بقيمة 2.6 مليار دينار ليبي كما ورد في بيان المصرف"، مرجحة أن يكون ذلك "بسبب عدم احتساب المصرف لتحصيلات شهر يناير 2020 والتي بلغت 2.5 مليار دينار ليبي".
وذكر البيان أن المؤسسة الوطنية للنفط "بصدد التعاقد مع إحدى الشركات العالمية الكبرى للمراجعة والتدقيق المالي لأنظمتها المالية والإدارية".ولفتت المؤسسة إلى أن تعليق الإيرادات في حسابات المؤسسة لدى المصرف الليبي الخارجي "مؤقت" حتى الوصول إلى تسوية سياسية شاملة والتي من أهم مخرجاتها الاستخدام العادل للإيرادات بين كل مدن وقرى ليبيا.
وفي وقت سابق،اتهم البنك المركزي الليبي المؤسسة الوطنية للنفط بالتلاعب في البيانات منذ عدة أعوام، ما يستوجب المراجعة والتحقق.ونبه المركزي في بيان له الخميس،إلى أن المطابقة الشهرية للإيرادات النفطية التي تتم مع كل من المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف الليبي الخارجي، قد أسست على بيانات المؤسسة الوطنية للنفط، التي تبين لمصرف ليبيا المركزي أنها بيانات غير دقيقة منذ سنوات ماضية، الأمر الذي يتطلب التحقق والمراجعة.
وأوضح أن الإيرادات النفطية وحدها حققت عجزا مقداره 2.599 مليار دينار، حيث كانت الإيرادات المقدرة حسب الترتيبات المالية 5 مليارات في حين كانت الإيرادات الفعلية 2.4 مليار.مشيرا إلى أن إجمالي النفقات الفعلية بلغ 26.788 مليارا وكانت النفقات المقدرة 32.084 مليارا، بعجز 5.296 مليار دينار.
وأضاف المركزي أن إجمالي أذونات الصرف المقدمة من وزارة المالية لمجابهة كورونا بلغ 969 مليون دينار ليبي، خصص منها مبلغ 572 مليونا لوزارة الصحة و50 مليونا للبلديات، و95 مليونا لجهاز الطب العسكري، و35 مليونا لخدمات الإسعاف، و151 مليونا لجهاز الإمداد الطبي و44 مليونا للسفارات والقنصليات الليبية، و22 مليونا لوزارة التربية والتعليم.
وتأتي هذه الاتهامات المتبادلة بين الطرفين في وقت تجاوز فيه إنتاج ليبيا من النفط الخام مليون برميل يوميا للمرة الأولى منذ 2014 بعد أقل من شهرين على إعلان الجيش الليبي استئناف التصدير.وكشفت  مؤسسة النفط في وقت سابق أن إيرادات صادرات النفط ومشتقاته منذ إعادة الإنتاج في سبتمبر الماضي بلغت 347.2 مليون دولار.
وكان الجيش الوطني الليبي قد أعلن في 17 سبتمبر/أيلول الماضي،استئناف تصدير النفط، شرط عدم استخدامه لتمويل الإرهاب، نتيجة مشاركة فعالة في الحوار الليبي-الليبي الداخلي، مع أحمد معيتيق النائب بالمجلس الرئاسي، بهدف رفع المعاناة عن الليبيين.وطالب الجيش الليبي بوضع آلية واضحة وشفّافة تضمن التوزيع العادل لعوائد النفط على كل الشعب والأقاليم وعدم ذهابها لدعم المليشيات المسلحة والمرتزقة السوريين.
كما طالب بفتح حساب خاص بإحدى الدول تودع به عوائد النفط مع آلية واضحة للتوزيع العادل لهذه العوائد، على كافة الشعب الليبي بكل مدن وأقاليم البلاد وبضمانات دولية، وضرورة مراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي بطرابلس لمعرفة كيف وأين أنفقت عوائد النفط طيلة السنوات الماضية والتي حرم الشعب من الاستفادة منها ومحاسبة من تسبب في إهدارها وإنفاقها في غير محلها.


وتلقي هذه الاتهامات الجديدة المتبادلة بين المؤسسة الليبية للنفط والبنك المركزي، الضوء على ظاهرة الفساد التي استشرت داخل حكومة الوفاق والتي تصاعدت وتيرة الكشف عنها مؤخرا مع إعلان ديوان المحاسبة،إحالة عدد من المسؤولين في حكومة الوفاق الى التحقيقي في تهم تتعلق بالفساد واستغلال المناصب والاستيلاء على المال العام.
واعترف وزير الداخلية بحكومة السراج فتحي باشاغا أواخر أغسطس الماضي بوجود فساد في جميع مؤسسات البلاد بما فيها وزارة الداخلية التي كان يشغلها.".وطالب باشا أغا حينها بتشكيل لجنة كاملة من الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة ووزارة الداخلية ومكتب النائب العام لمراجعة جميع الملفات التي يوجد فيها قصور ويعاني منها الناس.
ويدفع المواطن الليبي ثمن تفشي الفساد في البلاد،في ظل الأوضاع الإقتصادية المتردية وما يصاحبها من تداعيات على الأوضاع المعيشية.وتظاهر الليبيون في 23 أغسطس/آب الماضي في العديد من المناطق في طرابلس والزاوية ومصراتة وزليتن، ومدن بغرب ليبيا اعتراضا على تردي الخدمات وانقطاع التيار الكهربائي وانتشار الفساد والانفلات الأمني.