في الـ18 عشر من شهر ديسمبر من العام 2017 تم اغتيال عميد بلدية مصراتة محمد اشتيوي رميا بالرصاص، بعد اختطافه من قبل مسلحين مجهولي الهوية في المدينة، وقالت مصادر إعلامية حينها، أن المسلحين اقتادوا اشتيوي من سيارته قرب مطار مصراتة عقب عودته من تركيا، قبل أن يقوموا باغتياله لاحقا، وإصابة شقيقه.

تأتي عملية الاغتيال بعد شهور من طويلة من التهديدات وحملات التشويع والبيانات المزورة التي استهدفت عميد البلديّة المحسوب على التيّار المعتدل داخل المدينة، وجهوده من أجل التسوية السلمية للأزمة الليبية والحوار والمساهمة في تحييد المدينة عن عديد الصراعات وانخراطه المعلن في مساعي توحيد مؤسسات الدّولة ومن بينها المؤسسة العسكريّة.

في الثالث من شهر مايو من العام نفسه كان نص إستقالة العميد محمد اشتيوي متداولة بكثافة على صفحات التواصل الاجتماعي، وسط احتفاء كبير من الصفحات المحسوبة على التيارات المتشددة في ليبيا، قبل أن يصدر عميد بلدية مصراتة، بيانا نفى من خلاله تقديم استقالته و أن صورة الاستقالة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي كانت تحت الإكراه.

وحول ما حدث قال اشتيوي، إنه و خلال جلسة عقدها المجلس البلدي مصراتة مع وفدٍ من أعيان مدينة سرت، وبعض قيادات البنيان المرصوص بقاعة جهاز الإسكان والمرافق، اقتحم مجموعةٌ من المعتصمين ضد المجلس البلدي، واعتدوا بالضرب على بعض العناصر الأمنية التي كانت تقوم بتأمين الاجتماع.

و أضاف اشتيوي أنه و تحت التهديد والإكراه تمكن المقتحمون من انتزاع (طلب استقالة) مني "ذلك أنه لم يكن أمامي من خيار إلا الحفاظ على سلامة الحاضرين والضيوف، وسط إقفال القاعة، ومنع الجميع من مغادرتها وتوقيع طلب الإستقالة تحت هذا الإكراه."

و أشار اشتيوي في ختام بيانه أنه مستمرٌ في ممارسة عمله بصفة عميد بلدية مصراتة ،مؤكدا أن "هذا بيانٌ لأهلي في مصراتة دفعاً لكل لبسٍ، أو محاولة لجر المدينة نحو الفوضى، أو السيطرة على مقاليدها من قبل فئةٍ لا تمثل إلا نفسها".

هذه الحادثة تكشف بشكل واضح الانقسامات التي تشق المدينة بين تيارين متنافرين الأوّل الذي يمثّله العميد المغتال والثاني والذي يمثّله تيار تصعيدي ومتصلّب يرفض التسويات السلمية ويدفع نحو المواجهة وفرض الآراء والتوجهات بقوّة السلاح وتكريس الانقسام المحلي في المدني والوطني في عموم ليبيا.

ويتمتّع العميد الأسبق لبلدية مصراتة بسمعة وطنيّة طيبة في مختلف أرجاء البلاد، خاصة عند التيارات المدنيّة بسبب مواقفه المعتدلة وخطابه الداعي للحوار والتسوية والمصالحة وتوحيد مؤسسات البلاد ورفض الانقسام، وأيضًا بسبب عمله على تحييد مدينة مصراتة عن الكثير من المعارك والحروب. 


** ردود فعل وطنية واسعة:

وخلّفت حادثة الاغتيال ردود فعل واسعة محليّة ودوليّة، حيث تقدم عضو مجلس النواب عن مدينة بنغازي زياد دغيم تعازيه في اغتيال عميد مصراتة محمد الشتيوي، وقال دغيم حينها في تصريح لـ"بوابة إفريقيا الاخبارية" أنه يتقدم  الى "الشعب الليبي عامة وسكان مصراتة وأل شتيوي خاصة باحر التعازي في استشهاد السيد محمد الشتيوي عميد بلدية مصراتة سائلا المولي للمغدور القبول والمغفرة والي اهله الصبر والسلوان" . وأضاف دغيم انه "يستنكر عملية الخطف والقتل للشهيد المغدور لقد قام بتنفيذ إرادة مصراتة بقطع الطريق والميناء علي تمويل الإرهاب في بنغازي وكل ليبيا". وختم دغيم قائلا: "انها فاجعة لا تزيد شعبنا إلا إصرارا علي الانتصار علي الارهاب والتطرف والوحدة والسلام" على حدّ قوله .

كما أدانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا عملية اغتيال عميد بلدية مصراتة محمد الشتيوي وقالت اللجنة في بيان لها حينها أنها تعرب عن "إدانتها واستنكارها الشديدين حيال واقعة اغتيال عميد بلدية مصراتة محمد اشتيوي، من قبل مسلحين مجهولي الهوية، قرب مطار مصراتة عقب عودته من تركيا ليلة البارحة  بمدينة مصراتة".

واعتبرت اللجنة أنّ "حادثة إغتيال عميد بلدية مصراتة محمد اشتيوي ، مؤشر خطير جدا  على عودة موجة الاغتيالات السياسية لتصفية حسابات سياسية وعلى حالة انعدام الأمن والإستقرار والفوضي التي تشهدها البلاد نتيجتا لانتشار السلاح وسيطرة الجماعات والتشكيلات المسلحة وكما تؤشر هذه الحادثة على تصاعد مؤشرات وسائل قمع وتكيميم الافوه والإقصاء وكما تدل هذه الجريمة النكراء على حجم المخاطر والتهديدات التي تستهدف الشرائح الإجتماعية للمجتمع الليبي والتي من بينها عمداء البلديات وأعضاء الهيئات القضائية والمشائخ والحكماء والأعيان ونشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان ، التي تعمل على وقف العنف والنزاعات  ورأب الصدع وتسعي إلي دعم جهود ومساعي التسوية السياسية وتحقيق المصالحة الوطنية والاجتماعية الشاملة في ليبيا" وفق نص البيان.

كما قدم عضو مجلس النواب فتح الله السعيطي التعزية لأسرة محمد الشتيوي مطالبا في تصريح لـ"بوابة افريقيا الاخبارية" حينها، جميع السلطات الامنية بسرعة اتخاذ الاجراءات والتحريات وتسليم الجناة للعدالة حتى ينالوا عقابهم.

مؤكدا على أن "الشهيد محمد الشتيوي كان له كثير من المواقف والاعمال لصالح الوطن فقد خاض تجربة صعبة في مواجهه الارهاب والميليشيات المؤدلجة وعمل على مشروع تقريب وجهات النظر مع المدن الاخرى وكان له الدور الكبير في ايقاف كثير من النزاعات الجهوية".


** إغتيال الشتيوي.. استهداف للتيار المدني في المدينة:

وتقول تقارير صحافية أنّ أصابع الاتهام في مقتل عميد بلدية مصراتة  في ليبيا محمد اشتيوي إلى قوى الإسلام السياسي، مشيرةً إلى أن الشتيوي، الذي وصل إلى منصبه عبر صناديق الاقتراع، قد انتهج سياسة معتدلة وضعته في صدام مع العناصر المتشددة في المدينة.

واتهم مقربون من اشتيوي، منهم ابن شقيق الفقيد، الجماعة الليبية المقاتلة بتنفيذ عملية الاغتيال.

ويمثّل الشتيوي رفقة مجموعة كبيرة وواسعة داخل المدينة تيارا معتدلا داخل مدينة مصراتة. وهو تيار يسعى لتحييد المدينة عن الصراعات والحروب والى التسوية السلميّة للأزمة الليبية وبتقاربه مع مختلف الأطراف في البلاد.

أحد ركائز هذا التيار هو ما يسمّى بـ"التيار المدني مصراتة" الذي دعا في عديد المناسبات إلى المصالحة والحوار مع مختلف الأطراف من بينها أنصار النظام السابق في ليبيا، فقد هذا التيار عن ترحيبه، في نوفمبر من العام الماضي، ببدء الخطوات الفعلية لعودة المبعدين من قيادات النظام السابق والمهجرين إلى مدينة مصراتة.

وقال التيار في بيان خص "بوابة أفريقيا الإخبارية" حينها بنسخة منه "إنه استنادا لآيات الله المحكمات، والتي تعددت في الدعوة إلى التسامح والمصالحة من أجل وحدة المجتمع وتماسكه، فإننا في هذا البيان نؤكد على استبشارنا بأخبار الإعداد لعودة الدكتور سليمان الشحومي، لمدينته وأهله في مدينة مصراتة، بعد أن غادرها بسبب موقفه من ثورة فبراير، وندعو لتسهيل عودة كل المبعدين من قيادات النظام السابق، وكل أبناء المدينة بمن فيهم المهجرين".

وتابع البيان، "نحن ندرك تماما المسؤوليات التي كان يتقلدها الشحومي هو وغيره إبان النظام السابق، إلا أنه انطلاقا من حرصنا على التئام الوطن ووقف تشظيه، واستكمالا لمشاريع المصالحة الوطنية، واقتداء بما بدأه الإخوة المتقاتلين من مدينتي مصراتة والزنتان، والتي تضرر فيها من المدينتين آلاف من الشباب، واستطاع العقلاء دعم صوت الحكمة في النهاية، وتغليب مصلحة الوطن والمصالحة والسلام، وبسبب ما شهدناه من نضج وشجاعة وتسامي على الجراح في السماح بالعودة الآمنة لأهالي تاورغاء لمدينتهم، فإننا ندعو إلى إتمام المشوار وبدأ المصالحة في داخل المدينة والترحيب بعودة المبعدين والمهجرين من أبنائها سالمين آمنين مطمئنين لأهلهم وإخوانهم، وتأكيدا على ما سبق فإننا ندعو كل الأطياف في المدينة لمباركة هذه الخطوة ودعمها، والمشاركة الإيجابية في دعم المصالحة وإرساء السلام والتعايش".

عملية اغتيال الشتيوي تناولتها العديد من وسائل الإعلام العربية، حينها، بالتحليل حيثنقلت عن مراقبين اغتيال اشتيوي يعتبر تقويضاً لجهود إخراج المدينة من تهم تروطها في دعم مجموعات مسلحة إرهابية، كان يقود اشتيوي هذه الجهود منذ انتخابه عميداً في تموز/يوليو 2015.

وأضافت التقارير أنّ "أول إنجاز حققه اشتيوي والتيار المدني الداعم بالمدينة الخروج من موقف المؤتمر الوطني السابق المتشدد إزاء الحوار السياسي وانفراد بلدية المدينة بقرارها مطلع عام 2015، بالانخراط في جولات الحوار السياسي ومشاركتها الفعالة في إنجاز بنود اتفاق الصخيرات".

مضيفةً أنّ صفحات تواصل اجتماعي لنشطاء بمدينة مصراتة من داعمي التيار المدني تحفل بتهم وجهها أصحابها لأتباع الجماعة الإسلامية المقاتلة وجماعة "الإخوان" بالتورط في مقتل اشتيوي المعروف بمعارضته لوجودهم السياسي والعسكري".

وتابعت ذات التقارير أن "سياسات اشتيوي والتيار المدني بالمدينة أدت إلى تحييد مصراتة عن دعمها العسكري للمؤتمر الوطني السابق، وإقناع عديد المجموعات المسلحة بالانسحاب من عملية فجر ليبيا، وسحب اعترافها بحكومة الإنقاذ التابعة للمؤتمر والمقربة من تيار مفتي جماعة الإخوان الصادق الغرياني".

مشيرةً إلى نجاح التيار المدني في "النأي بالمدينة عن الصدام المسلح مع قوات الجيش التي يقودها المشير خليفة حفتر، وإقناع أبرز الشخصيات العسكرية الفاعلة في مصراتة بالانخراط في جلسات توحيد مؤسسة الجيش التي تقودها القاهرة حالياً، كما يعتبر اشتيوي من أبرز مؤيدي طرد بقايا سرايا الدفاع عن بنغازي الإرهابية المتواجدة بمصراتة".


** صراع الأجنحة في المدينة: أي واقع ومستقبل للتيار المدني؟ 

تنقسم المدينة إلى جناحين متصارعين بين مجموعتين: الأولى هي المجموعة المتسيدة للمشهد والتي يمثلها قادة المليشيات وزعماء الحرب، وبعض المسؤولين وأعضاء مجلس النواب (مقاطعين) وأعضاء مجلس الدولة، والذين ينتمي معظمهم إلى تيار الإسلام السياسي، ويمثلهم القيادي "المليشياوي" صلاح بادي عراب "فجر ليبيا"، وفتحي باشاغا،الذي كلف مؤخرا وزيرا للداخلية في حكومة الوفاق، ومحمد الرعيض، وجمعة عتيقة، وغيرهم ممن مثلوا واجهة غير مرحب بها لمدينة مصراتة، ويعتبر العديد من المراقبين بمن فيهم أبناء المدينة ذاتها أن هذه المجموعة تختطف مصراتة، وطالما وصفت بالمدينة "المخطوفة"، نتيجة لاحتكار هذه الفئة لاتخاذ القرار فيها.

ويبقى لهذه المجموعة دورها الرافض للكثير من الحوارات التي تنادي بالمصالحة واستعادة علاقة المدينة بغيرها من المدن، لاسيما تلك التي دخلت إليها مليشيات مصراتة تحت أي من الدواعي، أثناء أو بعد أحداث 2011، وتتمثل خطورة هذه المجموعة في كونها تمتلك أكبر ترسانة أسلحة في البلاد، وتأتمر بأوامرها أقوى وأكبر المليشيات، والتي يتخذ بعضها الصفات الشرعية بالانضواء تحت لواء وزاراتي الدفاع، والداخلية بحكومتي الوفاق أو الإنقاذ السابقة.

والثانية هي المجموعة المتوازنة التي ينشط من يمثلها في محاولات الإصلاح، والسعي للمصالحة والخروج بالمدينة من حالة "الخطف"، وهي ما يعرف في بعض الأوساط بالتيار الوطني في مصراتة، وذلك لنشاط من يمثلها في تجاوز الجهوية الضيقة والانخراط في العمل ضمن المنظومة الوطنية الشاملة،  وتتمثل هذه المجموعة في عدد من المسؤولين من بينهم رئيس المجلس البلدي السابق، محمد الشتيوي، الذي تم اغتياله داحل المدينة بعد انخراطه في عمليات مصالحة، وفتح حوارات مع تيارات وطنية من خارج مصراتة،  ورئيس مجلس أعيان بلدية مصراتة للشورى والإصلاح، الشيخ امحمد عبد العال، وعضو مجلس الدولة ابوالقاسم قزيط، والناشط السياسي حسن شابة، إضافة إلى القيادي العسكري السابق سالم جحا، الذي عرف برفضه للأعمال القتالية التي تقوم بها مليشيات المدينة، إلا أن جهودهم وأصواتهم تبقى أخفت وأقل تأثير من سابقيهم، كما أنّ كثيرا منهم تغيرت مواقفهم مع "معركة تحرير طرابلس" التي أطلقها الجيش الليبي، حيث تقارب كثير من هؤولاء مع الميليشيات وانخرطوا في موجة المواجهة.


وتتقارب هذه المجموعة مع أبناء مصراتة الذين بقوا مع النظام إبان أحداث فبراير، سواء كانوا من المسؤولين السابقين، أو بعض القيادات المحلية الذين خرج عدد كبير منهم من المدينة بعد سيطرة المجموعات المسلحة عليها، فيما نكل ببعضهم ممن تم القبض عليهم.

وتعد هذه المجموعة هي الفئة المؤهلة للعب دور في إنقاذ المدينة، والمشاركة بشكل إيجابي في أي تسوية أو حل حقيقي لما تعاني منه البلاد، إلا أن هذه المهمة بقيت مؤجلة، بالنظر لضعف مكونها، ولطبيعتها التصالحية، في الوقت الذي تمتلك فيه المجموعة الأولى مكامن القوة، واعتمادها على آليات "راديكالية" للاحتفاظ على مكتسباتها والتي لا مجال للمحافظة عليها إلا بالإنفراد باتخاذ القرار ورفض كل محاولات إعادة دمج المدينة مع بقية المكون الوطني الليبي.

ويبقى الأمل في تغيير أطراف المعادلة، وقلب أوراقها رهنا لإعمال العقل، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الفئوية الضيقة، ولعل بعض البوادر التي أصبحت تظهر من الحين إلى الآخر تؤتي أكلها، والمتمثلة في المطالبة بتخليص المدينة من ربقة المليشيات، وعودة المدينة إلى الصف الوطني.