ماذا يعني أن تعذب مواطن قبطي مصري، ثم وبمنتهى العنجهية والتبجح تصوره من باب الذكرى والتوثيق! أيّ حضيض هذا؟!... أيّ قرف هذا؟!.. أيّة وضاعة ووحشية هذه؟!... أيّة سادية هذه؟! مناسبة الحديث- ما شاهده العالم من مشاهد صادمة، حيث قام مسلحون ينتمون لولاية داعش سيناء، بقتل نبيل حبشي سلامة 62 عاما رميا بالرصاص بعد 6 شهور من اختطافه في مدينة بئر العبد بشمال سيناء، ونشر التنظيم الإرهابي "داعش" فيديو لعملية قتله وإعدامه الأحد 18/04/2021.

لقد تحولت سيناء والممر الأمني الرخو المرتبط بها والممتد من شرم الشيخ والغردقة إلى طابا وإيلات والعقبة إلى وجهة وهدف الجماعات التكفيرية التي تستفيد من انفتاح المنطقة على الصحراء والبوادي العربية والأفريقية والبحر الأحمر، وتداخل القبائل وتمازج الأنساب في المنطقة، فضلاً عن مشاطأة ست أو سبع لهذه المنطقة المترامية. وزاد الطين بلة، وقوع الانقلاب السياسي في غزة نتيجة انتخابات عام 2006 وما تلاه ونتج عنه من أعمال عدوان وحصار على القطاع، ما أنتج شبكة من القنوات التحتية سهلت وظيفة التواصل بين من يسمون ''جهاديي البلدين''، مروراً بانهيار نظام العقيد القذافي، وانفتاح بوابات مستودعاته العامرة بكل أنواع السلاح والذخائر، أمام الحركات السلفية والمهربين وتجار السلاح، وصولاً إلى حكم الرئيس المعزول ''محمد مرسي'' ومجيء الإخوان والسلفيين إلى قمة السلطة في مصر، الأمر الذي أفضى إلى خروج مئات الجهاديين من السجون المصرية، وتحوّلت سيناء إلى قبلة أنظار هذه الجماعات، التي وإن كانت على خلاف عقائدي مع الإخوان، فإنها عرفت، وهم عرفوا أيضاً ـ كيف يتبادلون المنافع الخاصة، ويسندون بعضهم بعضاً فيما يسمونه ''الشدائد'' ''مراحل التحول الكبرى''.

منذ أن أقصى الشعب المصري من خلال مسيراته التي ضمت عشرات الملايين جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة في مصر لأسباب باتت معروفة لدى الجميع، وفي مقدمتها: استئثارهم بالسلطة، وإبعادهم للفئات المصرية التي قامت بالثورة ضد نظام حسني مبارك ومن ثم سعيهم خلال عام من حكمهم في ظل رئاسة مرسي إلى ''أخونة الدولة'' وفرض قيود على الشعب المصري تجاوزها الزمن منذ ذلك الوقت ازدادت أعمال التخريب والاعتداءات على القوات العسكرية والأمنية في سيناء من قبل آلاف التكفيريين... كثيرون منهم من غير المصريين وبعضهم من منظمات تكفيرية، والهدف مساندة فلول الإخوان المسلمين الذين يحاولون عن طريق العنف العودة إلى السلطة في مصر رغم أن الشعب المصري بأغلبيته العظمى رفضهم، ولفظهم من بين صفوفه إلى غير رجعة، وتالياً اضطر الجيش المصري والأمن المصري إلى التصدي في حرب مفتوحة لهؤلاء الذين يسمون أنفسهم ''جهاديين''، بينما هم مجموعات من المرتزقة والإرهابيين الذين وظفتهم أجهزة خارجية لإزعاج الجيش المصري واستنزاف قدراته خدمة ''لإسرائيل'' وأسيادها في واشنطن، بخاصة أن الإدارة الأمريكية والعواصم الغربية والإقليمية والعربية الحليفة لها تعمل في السر والعلن على مساندة فلول جماعة الإخوان المسلمين على أمل أن يعودوا إلى السلطة. لهذا، تسعى السلطات العسكرية والأمنية المصرية بكل إصرار، إلى تجفيف منابع تسلّح وتسلّل هذه الجماعات المسماة جهادية!

إنّ أعداء مصر ينظرون إلى سيناء كخاصرة ضعيفة لمصر، ولهذا لم يكن غريباً أن يشرع خصوم النظام ومريدو الإخوان المسلمين ومؤيدوهم في الضغط على هذه الخاصرة، وإطلاق النار بغزارة على جبهاتها المترامية بدءاً من صبيحة اليوم التالي لحكم ''مرسي'' وجماعة الإخوان المسلمين ظناً منهم أن الحرب على الحكم الجديد في مصر بعد ''مرسي'' وعلى المؤسسة العسكرية المصرية العريقة ستكون فعالة أكثر، إن هي انطلقت من عمق سيناء، وعمت أرجاءها، مخلّفة وراءها الموت والدمار والخراب لها ولأهلها الأبرياء. وتؤكد المصادر الموثوقة والوقائع على الأرض أن هؤلاء التكفيريين الذين يعيثون قتلاً وإرهاباً في سيناء، ويقومون بهجمات انتحارية ضد الجيش المصري وقواه الأمنية، هم أنفسهم الذين يرسلون الانتحاريين والمرتزقة وبقايا تنظيم القاعدة والسيارات المفخخة إلى شوارع بغداد، وهم أنفسهم داعمو جبهة النصرة وداعش في العراق والشام اللتين تقومان بأعمال القتل والتدمير والسرقة والمجازر في سورية...
 
أهدافهم هي ذاتها: تدمير مؤسسات الدولة، وضرب الاستقرار فيها، وإشاعة حالة من الفلتان الأمني المستدام بما يوفر الجو المناسب لنشاطات الميليشيات المسلحة المرتبطة بأجهزة المخابرات الغربية والإقليمية، وإشغال الجيوش العربية الرئيسية عن مهامها الوطنية والقومية وإعداد نفسها لمواجهة  مخططات الهيمنة الأمريكية على المنطقة، بخاصة الجيشين السوري والمصري، إشغال هذه الجيوش بحروب شوارع، وأعمال بوليس لا فكاك منها لحماية مواطني بلادها ومؤسساتها، وتالياً استنزاف القدرات القتالية لهذه الجيوش وللأجهزة الأمنية بما يخدم ''إسرائيل'' بالدرجة الأولى، ومن دون أي اكتراث بمستقبل البلاد والعباد أما أدواتهم فهي ذاتها كذلك، أدوات قذرة وإجرامية: الاغتيال والتفجير والتفخيخ للسيارات، من دون أي حساب لعواقب وتداعيات ذلك على الشعب وعلى مؤسسات الدولة وعلى جيشها وقواتها الأمنية.

خلاصة الكلام: لقد آن الأوان لصحوة عربية وإسلامية، فالمنطقة برمتها تشهد منعطفات مفصلية غاية في الخطورة، فالإرهاب عدو مشترك لا يُهزم ببيانات الشجب والتنديد والاستنكار... فمن مصلحة دول المنطقة ـ بلا شك ـ أن تتكاتف لاستئصال هذا الوباء القاتل الذي تسعى جماعاته إلى فرض وقائع سياسية وخرائط جغرافية تنسجم مع مصالح الغرب الاستعماري لتفتيت الدول العربية وإسقاطها في فخ الصراعات الداخلية المفتوحة. وقد ثبت تماماً أن مواجهة الإرهاب، واقتلاع جذوره، لا يمكن إلا أن يكون عبر مواجهة شاملة، تشارك فيها مختلف الدول و الأطراف التي تنشد الأمن والسلام لشعوبها، في الحاضر والمستقبل، وبعد انكشاف مدى بشاعة ممارسات تنظيم ''داعش'' الإرهابي، التي لا تخلف سوى التخريب والدمار والقتل الأعمى للعشرات والمئات، أينما وجد أو يحل، فإنه من المهم والضروري أن تتكاتف كل الأطراف، من أجل العمل على دحر الإرهاب، واقتلاعه، ووقف عمليات التشويه المتعمدة للدين الإسلامي الحنيف، الذي يحث على التسامح والعفو والحفاظ على حياة البشر و إرساء الأمن وليس القتل والترويع والتخريب. فهل يتحقق ذلك؟

كاتب صحافي من المغرب.