منذ زمن طويل وشبه جزيرة سيناء معروفة بأنها طريقاً للتهريب بكل أشكاله ويغيب عنها القانون وسيطرة الدولة بشكل أو بأخر ومن زمن إلى اخر، وزاد ذلك الغياب للقانون والسيطرة الحكومية بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979م التي فرضت صيغة محددة للتواجد العسكري والأمني المصري فيها، ما أدى إلى تمكين جماعات من المتطرفين من حرية النشاط والحركة.

بعد سقوط الطائرة الروسية في سيناء واحتمال ضلوع تنظيمات إرهابية فيه، أصبحت الأنظار موجهة إلى هذه المنطقة التي ظلت لسنوات منسية من قبل القاهرة لتفسح المجال لظهور عدة تنظيمات إرهابية، القاعدة وداعش تشكل البعض منها فقط. يتباهى تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "الدولة الإسلامية" بإسقاط الطائرة الروسية قبل أكثر من أسبوع في شبه جزيرة سيناء. الفرع المصري لتنظيم "الدولة الإسلامية" أعلن عبر موقع تويتر: "نجح جنود الخلافة في إسقاط طائرة روسية في ولاية سيناء"، موضحا أنه يريد بذلك الانتقام من روسيا في إشارة إلى الطائرات العسكرية الروسية التي بدأت منذ نهاية سبتمبر/أيلول في قصف أهداف في سوريا، من بينها مواقع تابعة لـ"الدولة الإسلامية".

يذكر أن الطائرة الروسية المنكوبة كانت تقل على متنها 224 راكبا لم ينج أحد منهم. وفيما فند محقوقون مصريون فرضية أن يكون تنظيم "الدولة الإسلامية" ضالعا في إسقاط الطائرة، ترى أجهزة استخبارات غربية أن هذه الفرضية محتملة. بيد أن جماعة "ولاية سيناء" ليست إلا واحدة فقط من العديد من الجماعات الإرهابية التي تتخذ من جبال سيناء الوعرة وكرا لها، على غرار تنظيم القاعدة خصم "الدولة الإسلامية" في المنطقة ومنافسها على فرض سيطرته الجهادية فيها.

ظروف ملائمة

سوء الأوضاع الإقتصادية والمعيشية المتدهورة لسكان سيناء بسبب غياب تنمية حقيقية للمنطقة جعلها منطقة معدمة وفقيرة وجاذبة للتطرف والتشدد الديني. وفي سيناء تلعب الخريطة الإجتماعية والتركيبة القبلية التي تحكم سكانها دوراً مهماً في تواجد المتطرفين حيث يصعب على أجهزة الأمن إختراق السكان نتيجة العادات والتقاليد السائدة والقائمة على حماية ونصرة إبن القبيلة وتجريم الوشاية به. كل تلك العوامل شكلت مجتمعة تربة خصبة لتجنيد السكان المحليين في الجماعات المتطرفة.ثم جاءت ثورة 25 يناير 2011م وما صاحبها من إنهيار لقوات الشرطة وأجهزة الأمن المصرية خصوصاً جهاز مباحث أمن الدولة (المتخصص في حفظ الأمن الداخلي)، لتزعزع الإستقرار في مصر بشكل عام، وكان نصيب سيناء الأكبر من هذا الفراغ الأمني حيث استغلت العناصر المتطرفة فيها هذه الفرصة لزيادة نشاطاتها وتقوية إمكانياتها. كان من نتائج الثورة المصرية أن أطلقت العناصر المتطرفة عشرات وربما وصل العدد إلى مئات الهجمات على مواقع عسكرية وتجارية في شبه الجزيرة.

وأسهمت تداعيات ثورة 17 فبراير 2011م في ليبيا ايضاً إلى زيادة النشاط المسلح للجماعات المتطرفة في سيناء حيث وقعت الكثير من مخازن الأسلحة التي كان يقتنيها نظام العقيد القذافي في أيدي جماعات ترتبط بالجماعات المسلحة في سيناء، حيث تم تهريب كميات كبيرة ومتنوعة من هذه الأسلحة إلى سيناء وقطاع غزة وذلك عبر الطرق الصحراوية والطرق الموازية للبحر المتوسط من الحدود المصرية الليبية، كميات من الأسلحة خُزِنَتْ وإستقرت في سيناء وكميات أخرى منها تم تهريبها إلى قطاع غزة عبر شبكة الأنفاق المعقدة في رفح بين مصر وقطاع غزة.

اليوم شبه جزيرة سيناء بها عدد كبير من التنظيمات الإرهابية لا تقل عن 14 تنظيماً منها من إنشق عن جماعة متطرفة موجودة وقائمة ومنها من إندمج مع جماعة متطرفة أخرى وهناك عدد من الجماعات ائتلفت وتوحدت فيما بينها وشكلت تنظيم متطرف جديد.

"ولاية سيناء"

وتعتبر "ولاية سيناء"، التي انبثقت عن تنظيم "أنصار بيت المقدس" الذي ظهر بدوره في عام 2011، أشهر وأشرس جماعة متطرفة في شمال شرق مصر. وقد كانت أعلنت في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي ولاءها لأبي بكر البغدادي، الذي أعلن نفسه خليفة على رأس تنظيم "الدولة الإسلامية"، قبل أن تغير اسمها إلى "ولاية سيناء". وقد أعلن عدد من التنظيمات الجهادية نفسه "ولايات" لـتنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي يسيطر على مناطق شاسعة من شمال وشرق سوريا وفي الشمال الغربي للعراق.وفي البداية ركزت "ولاية سيناء" الإرهابية عملياتها ضد إسرائيل المجاورة، فاسمها القديم "أنصار بيت المقدس" يوحي بأهدافها في السيطرة على القدس. ووفقا للخبير الإسرائيلي شاول شاي من المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب، فقد أمر زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" باستهداف سفارات ومواطني الدول المشاركة في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضدها. وفي السنوات الأخيرة شكل الجيش وقوات الأمن المصريين، بالخصوص، هدفا للهجمات الإرهابية، ففي يناير/كانون الثاتي الماضي قامت الجماعة بتنفيذ عدة عمليات انتحارية وهجمات بالقذائف على عدد من الأهداف في سيناء أسفرت عن مصرع ثلاثين جنديا مصريا. ووفقا لبعض التوقعات، فإن عدد مقاتلي تنظيم "ولاية سيناء" يتراوح بين بضعة مئات إلى أكثر من ألف مقاتل. وحسب معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن، فإن الجماعة تحوز على أسلحة متطورة من بينها أنظمة محمولة مضادة للطائرات.

"مجلس شورى المجاهدين"

ومثلما هو الحال بالنسبة لجماعة "أنصار بيت المقدس" في بداياتها، فقد وضعت جماعة "مجلس شورى المجاهدين" الجهادية السلفية إسرائيل نصب عينيها. والجيش الإسرائيلي يحمّلها المسؤولية عن إطلاق متكرر للصورايخ على الأراضي الإسرائيلية. ووفقا لتقرير مركز الدراسات الأمنية التابع لجامعة زوريخ السويسرية، فإن هذه الجماعة من أنصار "ولاية سيناء"، فرع "الدولة الإسلامية" في مصر.

"أنصار الجهاد"

جماعة "أنصار الجهاد" هي منافس واضح لتنظيم "الدولة الإسلامية". بعض الخبراء يصنفها على أنها فرع لتنظيم القاعدة في شبه جزيرة سيناء، فيما يرى فيها البعض منظمتين اثنتين: "القاعدة في سيناء" التي تردد أنها ظهرت في ديسمبر/كانون الأول من عام 2011 تحت قيادة رمزي محمود الموافي الذي يُزعم أنه كان الطبيب الخاص لمؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. وتتهم "أنصار الجهاد" باستهداف أنابيب الغاز الممتدة عبر سيناء وصولا إلى الأردن وإسرائيل.

"جيش الإسلام" و"جند الإسلام"

أما جماعة "جيش الإسلام" فتعد أقدم الجماعات الجهادية الناشطة في سيناء. وقد كان ممتاز دغمش، زعيم إحدى العشائر الغزاوية، هو الذي أسس الجماعة في عام 2006. ويرجح أنه كان عضوا في حركة حماس قبل أن يحوّل جزء كبيرا من أنشطته إلى سيناء. وترجح بعض الروايات أن "جيش الإسلام" شارك في عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في قطاع غزة قبل أن يطلق سراحه بعدها بسنوات. كما أن هناك منظمة تطلق على نفسها "جند الإسلام"، التي كانت هاجمت مقر المخابرات المصرية في رفح على الحدود مع قطاع غزة في 11 سبتمبر/أيلول من عام 2013، أي في ذكرى الاعتداءات التي استهدفت مقر التجارة العالمي في نيويورك من عام 2011. ما دفع بعض الخبراء إلى استنتاج أن هذه الجماعة قريبة ايديولوجيا من تنظيم القاعدة.

إعادة إحياء جماعة "التكفير والهجرة"

بالإضافة إلى ذلك هناك عدد من الجماعات الجهادية الصغيرة، على غرار جماعة "التكفير والهجرة" التي ظهرت بعد سقوط الرئيس الأسبق حسنى مبارك. وقد كانت هناك جماعة تحمل الاسم نفسه في السبعينات قامت بعدة عمليات إرهابية. بيد أن معهد التحرير في واشنطن يستبعد أن تكون هناك صلة جدية بين كلا الجماعتين. على أي حال، فإن جميع هذه التنظيمات استفادت من المراقبة الأمنية الضعيفة من قبل أجهزة الأمن المصرية في المناطق القفرة بجنوب سيناء. أما في شمال سيناء، فتتعاون التنظيمات الجهادية مع الجماعات المتطرفة في قطاع غزة. ويعد التهريب والفساد بالإضافة إلى إقصاء البدو من المشاريع التنموية وإهمالهم من قبل الحكومة المركزية في القاهرة، من العوامل التي ساهمت في ظهور الجماعات الإرهابية في هذه المنطقة بالذات.

قوة في المنطقة

تمتلك الجماعات المتطرفة أسلحة متطورة إلى حدٍ ما؛ منها على سبيل المثال مضادات للطائرات وكذلك تمتلك هذه الجماعات إمكانيات تدريبية وقتالية عالية وقدرة كبيرة على التخفي والهجوم والإقتحام والهروب وقدرات على نقل عملياتها ونشاطاتها المسلحة خارج سيناء إلى بقية المحافظات المصرية وحتى قلب العاصمة القاهرة حيث نجحت في تفجير مبنى مديرية أمن القاهرة (الرمز الأمني الأساسي للدولة المصرية في العاصمة). وكذلك تستخدم هذه الجماعات طرقاً تكنولوجية حديثة في تنفيذ أعمالها ونشاطاتها.واستطاعت الجماعات المتطرفة كذلك من أن تحرم أجهزة الدولة من عنصر مهم في محاربة الإرهاب وهو عنصر المعلومات والإستخبارات حيث قتلت هذه الجماعات عدد مهم من عملاء أجهزة الأمن المهمين وبهذا تكون رسالتها قد وصلت واضحة لبقية السكان بخطورة التعاون مع أجهزة الأمن.

بلغ مجموع القتلى في سيناء منذ إندلاع الثورة المصرية في كانون أول يناير 2011م حتى نهاية الشهر الأول من العام 2015م على النحو التالي: تقريباً 247 من قوات الجيش والشرطة وغيرها من أجهزة الدولة الأخرى، وحوالي 670 مسلحاً، وأكثر من 70 مدنياً مصرياً وسبعة إسرائيليين وأربعة كوريين جنوبين، هذا علاوة على مئات حالات الإعتقال وهدم عدد كبير من البيوت في عملية خلق المنطقة العازلة بين رفح في الجانب المصري وقطاع غزة.