في شتاء عام 2019 م بمنطقة سوق الجريد بمدينة بنغازي، اجتمع مجموعة من تجار السوق، وقرروا إعادة ترميمه وصيانته وفتحه من جديد أمام الناس، وبدأوا في العمل، جمعوا مبالغ مالية من أصحاب المحلات وبدأوا أعمال الصيانة بمجهوداتهم الذاتية من اجل إعادة الحياة إلى أحد معالم مدينة بنغازي القديمة.

كان ملؤهم الأمل رغم عدم وقوف الحكومة معهم، وكذلك البلدية، إلا إنهم واصلوا العمل، كانوا يجلسون في ساعات الصباح الأولى في البرد القارص، ويشربون الشاي الأخضر حرصا منهم على سير العمل بكل دقة وسرعة.

فرحتهم الأولى كانت بــ " ذبيحة الصبة " حين أكملوا سقف السوق بالكامل، وعندما تم افتتاح مصرفي الجمهورية بالمنطقة دبت في أوصال المكان الحياة واستبشر التجار خيرا بأنهم سوف يعودون إلى سابق عملهم، ولكن ذلك لم يحدث أصبح المكان مهجورا خاويا لا أحد به حتى التاجوري بائع "العلائق و البدالي النسائية العربية" ومستلزمات الافراح أقفل دكانه ورحل لأنه بدأ يخسر في تجارته، ولم يشجعه أحد بعودته للسوق.

ولمعرفة أسباب عزوف التجار عن العودة لمحلاتهم والسوق التقينا بعضو اللجنة التسيرية للسوق السيد عبدالله زيو وأحد التجار المعروفين حيث قال عن هذا العزوف:

السبب الرئيس هو أن الجيران أو السكان بالمنطقة والتجار مرتبطين ببعضهم البعض، ولآن التاجر يحمي رزقه عن طريق الناس المتواجدة بالمنطقة خاصة في فترة الليل والعشية حين يقفلون المحلات، فلا تحدث عمليات السرقة، ولكن بما أن أغلب الناس لم تعد لبيوتها بعد، نظرا للدمار الذي طالها فإن التجار لم يعودوا أيضا.

ويضيف  زيو مستبشرا: و على الرغم من ذلك فان الأمور تسير نحو الأفضل، وهي في تحسن.

السبب الثاني في عدم العودة هو أن التجار كلٌ ينتظر عودة الآخر وفتح المحل قبله بمعنى " كل واحد عابي علاخر"، على الرغم من أن الصيانة كانت ممتازة وجميع المحلات مجهزة بالكامل من مكيفات وخزائن وغيرها، فقد شملت الصيانة كل من سوق الجريد وسوق النور نزولا إلى ميدان البلدية.

ويضيف عبدالله بأنهم قاموا بعقد عدة اجتماعات لحل هذه المشكلة ولكن لم يحدث شيء فمازال الوضع كما هو عليه، و يشير بانه قد تم تشكيل لجنة من البلدية تضم كل من الأمن الداخلي، والأمن الخارجي، والحرس البلدي، واللجنة التسيرية للمدينة القديمة، والأوقاف، والأملاك، جميع الجهات الاعتبارية في بنغازي موجودة في هذه اللجنة، بالإضافة إلى ثمان أعضاء من السوق، وهم اثنان من سوق بوغولة، وأربعة من سوق الجريد، و اثنان من سوق النور، ومهمة هذه اللجنة أن تكون حلقة وصل ما بين الدولة وما بين التجار، وأول إجراء ستتخذه هو ضد من لا يرغب في فتح المحل الخاص به، خاصة أولئك الذين لديهم تخصيص من الدولة سواء عن طريق الأوقاف او الأملاك العامة، أما من يمتلك المحل فلا سلطة لنا عليه لأنه ملكه وهو حر فيه، وقد قمنا بإنذارهم إذا لم يتم فتح المحل خلال شهر أو شهر ونص فإن الدولة سوف تسترد هذا المحل.

ماذا لو كان لديهم شروط للعودة أقلها توفير الأمان فهو بالطبع لا يستطيع أن يبيع الذهب في المنطقة إذا كانت مهجورة كما قلت:

أنا لم أقل له أن يحضر عشرة كيلو ذهب ويضعها في المحل، ولم أطلب منه أن يحضر حتى جرامين من الذهب، ولكن يأتي ويفتح المحل ويشجع الناس على العودة، ولا يجعل المحل مقفلا هكذا بدون فائدة، لابد أن نشجع بعضنا على الرغم من أننا بعد الصيانة أحضرنا " حراسات" للسوق ولكن بعد ذلك ذهبوا لأنهم لم يجدوا ما يقومون بحراسته.

فيما يخص الدولة ماذا قدمت لكم؟

الدولة إلى الآن لم تقدم لنا شيء كل تلك الصيانة التي ترينها هي من مال التجار، وقد صرفنا عليها من سوق النور إلى سوق الجريد الى السوق التحتاني ما يقارب من مليون ونصف دينار، إن سوق الجريد معلم من معالم بنغازي لابد أن تهتم به الدولة، ولكن مع ذلك هي لم تشارك حتى في الصيانة فقد ذهبنا إلى عميد بلدية بنغازي صقر بوجواري واخبرناه بأعمال الصيانة وقال بأنه سيتكفل بالطريق والإنارة، ولكن للأسف لم نرى منهم شيء فكل العمل كان بمجهود التجار.

ويعد سوق الجريد من أقدم المعالم بمدينة بنغازي إذ يتجاوز وجوده بالمدينة أكثر من مائتي عام، وسمي بسوق الجريد لان سقفه مصنوع من سعف النخيل، وهو عبارة عن محال تجارية متجاورة، وتختلف في بضاعتها بين محلات بيع الجملة مثل التوابل والدقيق والعطارة والملابس والاقمشة وغيرها، ويختلف عن سوق النور المتخصص في بيع الحرير والذهب، والاقمشة والملابس الجاهزة ومستلزمات الحياكة.