تحتفل هذه الأيام مدينة سرت  بالذكرى الثانية لتحريرها من قبضة تنظيم داعش الذي سيطر عليها لعام وثلاثة أشهر ، وصمد بعدها لسبعة أشهر ، وكلف اجتثاثه من سرت ، فاتورة حصيلتها آلاف الجرحى ومئات المصابين بجروح متفاوتة.

و قد أعلن التنظيم المتطرف للمرة الأولى  سيطرته على مدينة سرت في شهر يونيو 2016 التي سبق أن سيطر على مطارها في نهاية أيار/ مايو الماضي، وعلى محطة حرارية مجاورة.

وخلفت سيطرة تنظيم داعش على المدينة لمدة طويلة أضرار جسيمة سواء كانت على المستوى البشري أو البنية التحتية.

 غابت مدينة سرت  عن الواجهة  بعد مقتل القذافي حتى أعلن تنظيم "داعش" عن وجوده فيها وأنها إمارة تابعة له في مايو/أيار 2015، وسيطر تنظيم داعش على كافة المؤسسات الحكومية والمدنية في المدينة، من بينها مبنى الإذاعة والتلفزيون، مستشفى ابن سينا، الجامعات، مركز الهجرة، ومطار ست، واكتملت هذه السيطرة في يونيو/حزيران من نفس العام، وتمكن في ذلك الوقت من بسط نفوذه فوق مساحة طولها 200 كيلومتر بين طرابلس وطبرق، و40 كيلومتر جنوبا، ما سمح للتنظيم بالسيطرة على مراكز حيوية مثل آبار النفط المصدر الرئيس لتمويله في تلك الفترة.

وفي فبراير/شباط 2015، نشر التنظيم "مقطع فيديو" وهم ينفذون الإعدام في 21 مصريا كانوا موجودين في الأراضي الليبية.

في أبريل/نيسان، نشر التنظيم "مقطع فيديو" لمقتل 30 على الأقل من المسيحيين الأثيوبيين في حوادث منفصلة في سرت وجنوبي ليبيا.

في أغسطس/آب، أنشأ مقاتلو داعش إدارة عامة ومحكمة إسلامية في سرت.

في أكتوبر/تشرين الأول، قطع أعضاء ملثمون من داعش رأسي رجلين اتهموهما بممارسة السحر، وصلبوا شيخا صوفيا مسنا.

في 24 إبريل 2016، أعلنت "القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية اكتمال استعداداتها لخوض معركة تحرير سرت من قبضة تنظيم "داعش".

نهاية،في 17 ديسمبر/كانون الأول، أعلن رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج رسميا تحرير مدينة سرت، معقل "داعش"، بعد معارك استمرت 8 أشهر خاضتها قوات البنيان المرصوص التابعة لحكومة الوفاق.

في نفس السياق،خلص تحقيق أجرته "هيومن رايتس ووتش" إلى أن داعش فرض فهمه المتشدد للشريعة الإسلامية على جميع مناحي الحياة في سرت، بما يشمل تحديد طول سراويل الرجال واتساع ولون عباءات النساء وطبيعة الدروس التي يتلقاها الطلاب في المدارس الحكومية. 

ولكن التنظيم فشل في توفير الحاجات الأساسية للسكان المحليين. وبدل ذلك، نقل الأغذية والأدوية والوقود والأموال والمنازل التي يصادرها من السكان إلى مقاتليه وأعوان الشرطة التابعين له والموظفين الذين انتدبهم من المدينة، وعددهم يقارب 1800 شخص.

حسب شهود عيان إستجوبتهم المنظمة،فإن داعش استولى  على ميناء سرت والقاعدة الجوية وأهم محطة طاقة وإذاعة، وكذلك على جميع المكاتب والموارد المالية الحكومية كما أنشأ 3 سجون على الأقل، أحدها في روضة أطفال سابقة، ولا يسمح بإجراء اتصالات بالخارج إلا عبر مراكز الاتصال التابعة له. كما أغلق جميع المصارف باستثناء واحد بقي مفتوحا لعناصره.

وفر حوالي ثلثي سكان سرت المقدر عددهم بـ 80 ألف من المدينة منذ دخول داعش إليها. لا توجد مخيمات في ليبيا للفارين من سرت. قال أشخاص وجدوا ملجأ في مصراتة إنهم لم يحصلوا على أي مساعدات عاجلة. قال مسؤولون في مصراتة إنهم يحتاجون إلى موارد للعناية بالنازحين. أغلب منظمات الإغاثة الدولية غادرت البلاد لانعدام الأمن بسبب النزاعات المسلحة في 2011، ثم مجددا منذ 2014.

و بعد عامين من تحرير المدينة،عبّر أهالي الجهة عن توقف نزيف الآلام و الحصار الإرهابي رغم ما خلفته تلك الحقبة من جراح لا يمكن تجاوزها بسهولة حيث اعتاد السكان على اجراءات الصلب و الاستتابة و إلى غيرها من الأساليب الوحشية الداعشية.

في نفس الإطار،وتحتفل بلدية سرت بالذكرى الثانية لتحرير مدينة سرت من تنظيم داعش الإرهابي،  و تعكف البلدية على إقامة تجهيزات للاستعداد للاحتفال.

قام عميد بلدية سرت مختار المعداني بزيارة ميدانية لمتابعة أعمال تنظيف وطلاء الأرصفة قرب جزيرة الزعفران إلى جزيرة أبو هادي.

يرى مراقبون أنه بعد عامين على هذا التحرير، دُفعت سرت من جديد إلى الهامش، مايُسبّب الأسى لأبنائها الذين أنهكتهم الحرب. 

فقد تحوّلت مساحات واسعة في وسط المدينة إلى أنقاض، وأُغلِقت مدارس وجامعات، ولاتزال الألغام والجثث متناثرة في شوارعها وأزقّتها. لكن الأهم من هذا الدمار المادّي هو الضرر الذي لحق بمؤسساتها السياسية ونسيجها المجتمعي. 

ومما لاشك فيه أن جزءاً كبيراً من هذا الضرر مردّه إلى الحكم العنيف الذي فرضته الدولة الإسلامية. 

صحيح أن التنظيم تولّي بدرجة معيّنة حفظ النظام وتوفير الخدمات، وهو ما كان مطلوباً من أبناء المدينة، غير أنه سرّع في انهيار السلطة القبلية، وقلَبَ المعايير الاجتماعية رأساً على عقب، وتسبّب بنزوح وصدمة واسعَين. لكن المحن التي تبتلي بها سرت راهناً هي أيضاً، وفي جوانب كثيرة، استمرارٌ للإقصاء المتواصل الذي تتعرض له في مرحلة ما بعد العام 2011، وللجروح السياسية العميقة التي لمّا تندمل بعد.