أنهى أمس الثلاثاء رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي زيارة رسمية إلى ليبيا التقى خلالها مسؤولين ليبيين في حكومة الوحدة الوطنية وتم التباحث حول جملة من القضايا المشتركة في السياسة والأمن والاقتصاد، في أهم تحوّل في العلاقة السياسية بين البلدين بعد انتخاب حكومة الوحدة والتوحيد التدريجي لمؤسسات الدولة.

وعقب الندوة الصحفية الختامية التي أعقبت اللقاء بين الدبيبة ومدبولي، قال بيان للحكومة المؤقتة إن الزيارة تطرقت إلى "استئناف عمل السفارة المصرية وتعزيز العمل القنصلي لتقديم الخدمات للجميع، وتسهيل إجراءات العبور والتنقل للموطنين وانسياب دخول السلع والبضائع من خلال فتح الخطوط البحرية للركاب والشحن  بين مواني البلدين، إلى جانب إعادة افتتاح الطيران المباشر من المطارات الليبية إلى العاصمة المصرية القاهرة الذي سيشكل عاملا مهما للتعاون في المجالات الأخرى".

وجاء في البيان مصطلحات "استئناف" و"إعادة"، بما يعني أن بعض المصالح كانت متوقفة خلال السنوات الماضية في فترة حكومة الوفاق بكل ما حملته معها من ملفات خلافية وارتماءاتها في خيارات إقليمية تتبنى مشروع الإسلام السياسي، ولم تراع في ذلك علاقاتها العربية المحترزة والرافضة لذلك الانخراط باعتباره يهدد الأمن القومي والعربي والمصالح العربية المشتركة، وإحدى عناوين الخلاف كانت مع القاهرة التي كانت رافضة لتدخل أطراف إقليمية في الشأن الليبي باعتبار ذلك يشكل تهديدا لأمنها ومصالحها.

زيارة مدبولي إلى طرابلس إذن، حملت قيمة كبيرة ودلالات على تحول تام في الموقف المصري، باعتبارها تأتي بعد فترة طويلة من البرود السياسي للأسباب المذكورة، وأهم الرمزيات أنها ضمت وفدا رفيع المستوى، ضم وزراء الكهرباء والطاقة المتجددة، البترول والثروة المعدنية، القوي العاملة، التربية والتعليم والتعليم الفنى، التعاون الدولي، الصحة والسكان، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى وزراء الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، النقل، الطيران المدني، التجارة والصناعة، ورئيس الهيئة العامة للاستثمار، وعدداً من ممثلي الجهات المعنية، والمستثمرين".

وجود هذا الوفد الكبير دليل واضح على النوايا الواضحة للقاهرة في لعب أدوار كثيرة، خاصة في مجالات الاستثمار والاقتصاد، التي تسعى دول أخرى إلى التفرّد بها، وهنا الحديث لا يخص تركيا فقط، بل أيضا دول حوض المتوسط الأوروبية التي تسعى إلى الاستحواذ على الفرص المتاحة للاقتصاد الليبي.

الزيارة المصرية صداها كان حتى داخل ليبيا من خلال بعض ردود الأفعال والتي كانت جلها تصب في أهمية الدور المصري وعلى قيمة العلاقة بين البلدين. وبعد تصريحات الدبيبة حول الزيارة والإشادة بما تقوم به مصر، صدر موقف ملفت من وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا عندما قال "نرحب بزيادة رئيس الوزراء المصري إلى ليبيا، ونتطلع لعلاقات وثيقة في شتى المجالات بما يحفظ سيادة البلدين ويصب في مصلحة المنطقة". وأضاف باشاغا إنه كان من المبادرين "باستعادة العلاقات الكاملة مع الجارة مصر، ووضعنا الترتيبات الدبلوماسية والأمنية لذلك. نتمنى أن تثمر الجهود في تحقيق الاستقرار والأزدهار".

وترحيب باشاغا هنا يمكن فهمه في سياق القناعة التامة حتى لمن اتخذ موقفا معاديا من مصر سابقا، بأن التعنت والانخراط في أجندات إقليمية ليست له نتيجة إلا مزيدا من توتير الأوضاع والذهاب بالأزمة نحو أقصاها ما يعقد أي إمكانية مستقبلية للحل الليبي، وبالتالي فإن العمل ضمن إطار إقليمي تكون مصر أحد أعمدته هو الحل للخروج من كل توترات في المنطقة.