تعيش ليبيا منذ سنوات على وقع انقسامات سياسية كبيرة أفرزت صراعات وحروب مستمرة بين الفرقاء فيما باتت البلاد مرتعا للمليشيات المسلحة والتنظيمات الارهابية ناهيك عن التدخلات الخارجية التي تقودها أطماع في ثروات البلد النفطي.ومع الوصول الى اتفاق وقف اطلاق النار باتت الأجواء مفتوحة أمام العودة الى طاولة الحوار فيما تتسارح التحركات الأممية والدولية لدفع هذا الحوار والوصول الى تسوية شاملة.
الى ذلك،وافق مجلس الأمن الدولي،الجمعة، على تعيين الدبلوماسي السلوفاكي يان كوبيش مبعوثا للأمم المتحدة إلى ليبيا.وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد رشح كوبيش لخلافة غسان سلامة الذي استقال من المنصب في مارس/آذار الماضي بسبب الإجهاد. وتولت ستيفاني وليامز نائبة سلامة، مؤقتا منصب القائم بأعمال المبعوث الدولي إلى ليبيا.
وسبق أن وافق مجلس الأمن الشهر الماضي على خطة غوتيريش تعيين الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ملادينوف مبعوثا في ليبيا، لكن ملادينوف أبلغ الأمين العام بعدها بأسبوع بأنه لن يتمكن من الاضطلاع بالمهمة "لأسباب شخصية وعائلية"،فيما نقلت تقارير اعلامية عن مراقبيين قولهم ان هناك ظغوطات دولية تسببت في رفض ميلادينوف للمنصب.
كان كوبيش وزيراً للخارجية في سلوفاكيا، ويشغل حالياً منصب منسق الأمم المتحدة الخاص في لبنان. كما عمل من قبل مبعوثاً للأمم المتحدة في أفغانستان والعراق.ويعتبر تعيينه مبعوثا امميا الى ليبيا منعرجا جديدا في الجهود الاممية المبذولة مؤخرا لتسوية الأزمة الليبية.ونقلت "العين" الاخبارية عن عز الدين عقيل، المحلل السياسي الليبي،أن الأزمة الليبية ستعود بتعيين كوبيش إلى المعايير الطبيعية لأزمات الدول التي تمر بنزاعات مسلحة.
وأشار عقيل  إلى أن تغييرًا كبيرًا سيحدث في السياسة الأمريكية تجاه ليبيا مقارنة بسياسة فرض الحل والهيمنة التي كان يخطط لها الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، والتي أدت إلى اعتذار الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ملادينوف، وتعطيل تعيين مبعوث أممي خلفًا لغسان سلامة.وأكد أن مهام المبعوث الأممي إلى ليبيا ستعود إلى سابق عهدها حتى لو تم اعتماد الهيكلية التي فرضتها واشنطن.
وياتي تعيين مبعوث اممي جديد بالتزامن مع تعيين الإيطالية ناتالينا تشيا رئيسًا لبعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا "يوبام".وقالت خدمة العمل الخارجي الأوروبي، في بيان نشرته وكالة "نوفا" الإيطالية، إن تشيا ستتولى مهامها في الأول من شهر فبراير/شباط 2021 خلفًا للإيطالي فينشنزو تاليافيري، الذي كان رئيسًا للبعثة الأوروبية منذ 1 سبتمبر/أيلول 2016.
وعملت تشيا في إيطاليا كمدير لمكتب التعاون الدولي والمساعدة الفنية التابع لإدارة الجمارك.أما على المستوى الدولي، فقد قادت بعثات وبرامج ومشاريع في قطاع الأمن المدني، خصوصاً في مجال إدارة الحدود وقضايا الأمن والعدالة ذات الصلة، وفقاً لما نقلتة وكالة "نوفا" الإيطالية.
وكانت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا "يوبام"،اعلنت في يوليو الماضي، أن الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي مددت التفويض الخاص بها إلى يوليو 2021. وقالت البعثة، في تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، إنها "ملتزمة بدعم استقرار قطاعات الأمن والعدالة في ليبيا، ودعم أمن وإدارة الحدود" ونوهت بأن "المثابرة خلال فترة فيروس كورونا هي أيضا لحماية حقوق الإنسان والدفاع عن أمن وسلامة المرأة.
ويقع مقر البعثة الأوروبية المتكاملة لمساعدة ليبيا في العاصمة طرابلس،لكنها عملت من تونس لأسباب امنية. وتستجيب مبادرة "يوبام" وفق الاتحاد الأوروبي لطلب السلطات الليبية وهي جزء من النهج الشامل للاتحاد الأوروبي لدعم الانتقال إلى ليبيا الديمقراطية والمستقرة والمزدهرة. وتتعاون البعثة المدنية بشكل وثيق مع جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وتسهم فيها.
وتسعى الدول الاوروبية للانخراط في الملف الليبي نظرا لأهميته الكبيرة بالنسبة لها.وأعلن رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي،الجمعة،في تغريدة عبر حسابه الرسمي بموقع "تويتر"،أنه ناقش هاتفيًا مع نظيره البريطاني بوريس جونسون، عدداً من الملفات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، بينها الملف الليبي.
وفي بيان منفصل، أعربت إيطاليا عن ترحيبها بانعقاد أعمال اللجنة الاستشارية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي، في مدينة جنيف تحت رعاية الأمم المتحدة، مؤكدة أنها تمثل "خطوة بالغة الأهمية في المرحلة الحالية الحساسة من العملية السياسية في ليبيا، وفي أفق إجراء انتخابات سياسية في شهر ديسمبر (كانون أول) من هذا العام".
من جهة أخرى،أعرب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) يانس ستولتنبرج، عن استعداده لتقديم الدعم لبناء القدرات الأمنية الليبية، عندما تتوفر الظروف الأمنية والسياسية الملائمة.وقال ستولتنبرج، في مؤتمر صحفي عقده بالاشتراك مع رئيس موريتانيا محمد ولد الغزواني، عقب لقائهما الخميس، في مقر الحلف ببروكسل، إن "الناتو" يدعم عملية برلين وجهود الأمم المتحدة لإيجاد حل للنزاع في هذا البلد.
ويأتي هذا الزخم الأوروبي في الملف الليبي، في وقت تواصل فيه اللجنة الاستشارية المنبثقة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي، عقد اجتماعاتها في قصر الأمم المتحدة في جنيف، التي بدأتها الأربعاء، بمشاركة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بالإنابة، ستيفاني وليامز، بهدف التوافق على آلية اختيار السلطة التنفيذية الموحدة خلال الفترة الانتقالية.
وتمخض ملتقى الحوار الليبي في اجتماعه الاستثنائي، المنعقد 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عن تشكيل لجنتين استشارية معنية بآلية اختيار السلطة، وأخرى قانونية،حول القاعدة الدستورية للانتخابات، وتضم كلا اللجنتين 18 من أعضاء الملتقى، عقدت أول اجتماعاتهما 4 يناير/كانون الثاني الجاري، عبر الاتصال المرئي لمناقشة أهداف ومهام هذه اللجنة والإطار الزمني المحدد لعملها.
 وفشلت البعثة الأممية، مرارا، في تحقيق توافق بين أعضاء لجنة الحوار السياسي الليبي حول مقترح الآلية المقرر اعتمادها لاختيار القيادة السياسية القادمة التي ستدير المرحلة الانتقالية.وقال الناطق باسم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا جان العلم،نه منذ الاجتماعات التي عقدت في تونس لم يتمكن ملتقى الحوار السياسي الليبي من إحراز تقدم في آلية اختيار السلطة التنفيذية الموحدة، ولهذا السبب تم تشكيل اللجنة الاستشارية التي تجتمع في جنيف هذا الأسبوع، بغية الخروج بتوصيات ملموسة بشأن تشكيل سلطة تنفيذية مؤقتة موحدة تعرض على ملتقى الحوار السياسي الليبي للبت فيها.
وكشف العلم عن إحراز "تقدمات كبيرة" في المحادثات الجارية بين اللجنة الاستشارية بشأن بعض العقبات الرئيسية، آملا في أن يتم قريبا تضييق هوة الخلافات الرئيسية والتوصل إلى توافق شبه تام بشأن العديد من القضايا الخلافية التي تدور حول مقترحات آلية اختيار السلطة التنفيذية الموحدة.ونوه بإحراز "تقدم كبير ومشجع للغاية" في المسار العسكري منذ أن وقعت اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) اتفاق وقف إطلاق النار في جنيف 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
كما أكد ان المسار الاقتصادي شهد تطورات واعدة، بما في ذلك اجتماع مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي، والذي تمخض عن توحيد سعر الصرف ووضع خطة لمعالجة الأزمة المصرفية على نحو يعيد بناء الثقة في القطاع المصرفي ويضمن توافر السيولة في جميع أنحاء البلاد.وأشار إلى أن الاجتماع الأخير بين وزارتي المالية بالحكومتين، يعد جهداً مهماً لتوحيد الميزانية وتخصيص التمويل الكافي لتحسين الخدمات وإعادة بناء البنية التحتية المتدهورة في ليبيا، ولا سيما شبكة الكهرباء.
وتعانى الدولة الليبية منذ سنوات من أزمات متعددة ومتلاحقة على أكثر من صعيد وصراعات سياسية حادة فضلا عن انفلات أمني وانتشار للسلاح ما أسهم في تصاعد وتيرة العنف،وهو ما جر البلاد في منعطفات خطيرة رغم تعدد المبادرات الداخلية والخارجية لتلمس حل يخرج هذا البلد الممزق من أزمته الخانقة.ويرى مراقبون ان دعم الحوار الليبي قد يكون الطريق الامثل لانهاء الازمة المستعصية وارساء سلطة موحدة في البلاد.