من سوريا إلى العراق ثم ليبيا.. تمتد أيادي تركيا لتشعل أزمات وتدعم جماعات على حساب أخرى، حتى وإن كان هذا يعني انتشار الإرهاب والدمار.ولا يخفى الانخراط التركي في الأزمة الليبية منذ اندلاعها ومحاولاتها المستمرة لاطالة أمدها،حيث تسعى انقرة إلى تكريس حالة الفوضى، وإنتاج المزيد من عدم الاستقرار في المشهد الليبي وذلك من خلال دعم الجماعات الموالية لها بهدف مد أذرعها والسيطرة على البلاد خدمة لمصالحها وأطماعها في هذا البلد الغني.

ومنذ العام 2011،سعت تركيا في اطار سياسة أردوغان التوسعية استغلال حالة الفوضى التي عصفت بعدة دول عربية لدعم الجماعات الموالية لها لتكون ذراعها للسيطرة على هذه الدول.وتحركت أنقرة لاعادة التموضع في الساحة الليبية بما يضمن استمرار نفوذها في البلاد بهدف الحفاظ على مصالحها في السوق الليبية والمشاركة في رسم مستقبل المنطقة بصفة عامة.ومثل تيار الاسلام السياسي وعلى رأسها جماعة "الاخوان" والمليشيات الموالية لها ذراع أنقرة التخريبية في ليبيا ووسيلتها لنهب ثروات البلاد وتدعيم مصالحها فيه.

التدخل التركي في ليبيا ولئن كان واضحا منذ البداية وخاصة مع تكرر ضبط سفن السلاح القادمة من تركيا باتجاه الجماعات المسلحة والتنظيمات الارهابية،فان معركة طرابلس التي اندلعت في الرابع من أبريل/نيسان الماضي بين الجيش الوطني الليبي والمليشيات المسيطرة على المدينة،مثلت الدليل الأكثر وضوحا للمحاولات التركية المتسارعة لبسط نفوذها في البلاد.

فمع تقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة الليبية بهدف انهاء فوضى المليشيات،سارع أردوغان لتصعيد دعمه للمليشيات التي تمثل ذراعه لنهب ثروات ليبيا. وعلى مدار الأشهر الأخيرة، انكشفت التدخلات التركية في ليبيا شيئا فشيئا، إذ تم ضبط شحنات أسلحة تركية محملة على متن سفن، كان آخرها السفينة التي تحمل اسم "أمازون"، والتي خرجت من ميناء سامسون في التاسع من مايو الماضي، محملة بآليات عسكرية وأسلحة متنوعة، قبل أن تصل إلى ميناء طرابلس.

وجاءت هذه الشحنة من السلاح، بعد أيام من موقف مثير للجدل أطلقه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب بدء عمليات الجيش الوطني الليبي العسكرية لتحرير طرابلس من قبضة الجماعات الإرهابية، ليعلن الرجل صراحة دعم بلاده لحكومة فايز السراج، وتدخله لصالح الأخير في موقف اعتبره مراقبون اعترافا واضحا من الرجل لجرائمه في حق الشعب الليبي.

وتثير التدخلات التركية موجة تنديد ورفض في الأوساط الليبية نظرا لما تمثله من خطر كبير يتهدد البلاد ويساهم في اطالة أمد الأزمة والفوضى.وفي هذا السياق،حذّر نواب ليبيون خلال زيارتهم للقاهرة،السبت، من "خطورة الدور التركي على استقرار بلادهم"، بسبب ما وصفوه بـ"مدّ الميليشيات الإرهابية بالسلاح"، مؤكدين "حرصهم على مد جسور التعاون مع مصر، وتعزيز سبل التواصل معها للقضاء على الإرهاب في بلادهم.

ونقل صحيفة "الشرق الأوسط" عن ابتسام الربيعي، عضو مجلس النواب الليبي،تأكيدها على أهمية الدور المصري في دعم أمن واستقرار ليبيا، ووقف التدخلات الخارجية التي تؤثر سلباً على استقرار الشعب الليبي، لافتة إلى خطورة الدور التركي، ووقوفه إلى جانب الميليشيات المسلحة.

وبدوره، قال النائب الليبي عبد المطلب ثابت،ان لقاءات النواب الأخيرة تسعى "للعمل على توحيد الجهود العربية لمواجهة التدخل التركي في ليبيا"، مبرزاً أن "الدول العربية قادرة على إيقاف مشروع إردوغان في المنطقة، مثلما فعل الشعب المصري في ثورة 30 يونيو (حزيران)". كما أكد "حرص البرلمان الليبي على وحدة بلاده وسعي القوى السياسية للوصول إلى صياغة حل توافقي يُرضي جميع الأطراف، ويدعم مدنية الدولة.وفق ما نقلت الصحيفة.

ومطلع يوليو الجاري،أعلن رئيس مجلس النواب الليبي،المستشار عقيلة صالح، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة حالة التعبئة والنفير العام في كامل التراب الليبي،وذلك رداً على التهديدات التركية بالعدوان على ليبيا والتي أطلقها المسؤولون الأتراك في مشهد اعتبره مراقبون تخبطا كبيرا يؤكد قلق نظام أردوغان من انهيار مخططاته في ليبيا. 

ودفعت هذه التهديدات التركية رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح لتوجيه خطابا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وآخر لرئيس الاتحاد الإفريقي للدورة الحالية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن ما وصفه بـ"التدخل السافر" لتركيا وانتهاكها للسيادة الوطنية لليبيا، وانتهاكها لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي.

وسجل صالح شجب مجلس النواب للتدخل التركي، ودعمه للميليشيات المسلحة الإرهابية والخارجة عن القانون ضد قوات الجيش الوطني، متحدثاً عن "خطف العاصمة طرابلس، ومصرف ليبيا المركزي، ومؤسسات الدولة من قبل قادة الميليشيات الإرهابية الذين ينهبون أموال الشعب، ويمارسون أعمال النهب والخطف وتهريب البشر، وتهريب ثروات الليبيين.

وكان اللواء أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني، قد اتهم تركيا بأنها تقاتل بضراوة للحفاظ على طرابلس، وتحويل ليبيا إلى قاعدة لدولة للخلافة بعدما خسرت القاهرة والسودان.وقال المسماري في مؤتمر صحافي "لقد خسروا (الأتراك) القاهرة، والآن يخسرون السودان وغدا سيخسرون طرابلس، وبالتالي هذا المسلسل الذي حاولوا منذ عام 1922 إنشاء اسم له ومكان ودولة، لكنهم فشلوا في كل المراحل".

القبائل الليبية بدورها عبرت عن رفضها للتدخل التركي في ليبيا،فالأسبوع الماضي،دان عمد ومشائخ واعيان برقه "ما يقوم به النظامان التركي والقطري من جلب للسلاح ودخولهم في المعارك التي يخوضها الجيش الوطني الليبي ضد المليشيات الارهابية المارقة".مطالبين بعثة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية بسحب اعترافها بحكومة الوفاق، معتبرين أنها غير دستورية.

وعلى المستوى الشعبي،خرج المئات من سكان مدينة طرابلس ،في مظاهرات حاشدة،منددين بالتدخل التركي والقطري في ليبيا، ودعمهما المتواصل بالأسلحة والذخائر للمليشيات والجماعات الإرهابية التي تسعى لاستمرار الفوضى وزعزعة استقرار البلاد.و طالب المتظاهرون تركيا بالتوقف عن تزويد حكومة الوفاق بالأسلحة التي تدعم استمرار سيطرة الميليشيات المسلحة على طرابلس.

كما عبر المتظاهرون الذين خرجوا بساحة الشهيد عبد السلام المسماري عن تأييدهم ودعمهم للقوات المسلحة، التي تخوض حربا متواصلة لتحرير البلاد من هذه العصابات المسلحة.ورفع المتظاهرون اللافتات المؤيدة للجيش الوطني الليبي، مؤكدين وقوفهم خلف قائده المشير خليفة حفتر في معركته ضد الميليشيات المسلحة في طرابلس.

كما تأتي هذه المظاهرات للتعبير عن التنديد بالأعمال الإرهابية التي ترتكبها هذه الجماعات، والتي كان آخرها التفجير الذي استهدف مشيعين مدنيين وعسكريين بمقبرة الهواري، وأودى بحياة أربعة أشخاص، وإصابة آخرين.ورفع المتظاهرون لافتات لشخصيات إخوانية ليبية تمولها تركيا وقطر, معربين عن رفضهم للدور السلبي للدوحة وأنقرة فى ليبيا.

وتتهم عدة أطراف ليبية تركيا بتزويد الميليشيات المسلحة بالعتاد والسلاح ما قد يؤدي إلى تطورات من شأنها أن تعمق الصراع في البلاد.وتعتبر تركيا بمثابة ملجأ لجهاديي ليبيا الذين إرتبطوا معها بعلاقات كبيرة،وخاصة  قيادات الجماعة الليبية المقاتلة، كعبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف، اللذين يملكان استثمارات مالية وعقارية كبيرة في تركيا، تقول تقارير ورسائل سربها موقع ويكيليكس إنهما قد نهباها من أموال مؤسسات الدولة الليبية في أعقاب سيطرتهما على العاصمة طرابلس.ويرى المراقبون،أن المحاولات التركية لدعم المليشيات الموالية لها لن تتوقف وذلك بسبب المصالح التي تجمعها بالحركات الإسلامية العابرة للحدود.