"نساء تونس الأكثر استخداما لوسائل منع الحمل عربيا وأفريقيا".. عنوان تصدّر عددا من الصحف التونسية وتناوله عدد كبير من المواقع الالكترونية في الأيام القليلة الماضية؛ فتبوأ التونسيات هذه المرتبة، طرح اشكالات عدة متعلقة بالأسباب والعوامل الاجتماعية التي تدفع بهن إلى هذه السلوكيات وتأثيرها على تركيبة المجتمع.

ووفق آخر تعداد سكاني أجري عام 2014، فإن عدد التونسيين بلغ نحو 11 مليون نسمة، ونسبة النمو الديموغرافي توقفت عند 1,03%، بعد أن وصلت إلى 2,48%  في ثمانينات القرن الماضي.

كما أن التعداد نفسه يقر بتراجع مؤشر الخصوبة في تونس؛ فبعد أن كان يمثل قرابة 6% في سبعينيات القرن الماضي، تراجع إلى 4,05% خلال السنة الحالية.

وتثير هذه المعدلات مخاوف على المدى البعيد، خاصة فيما يتعلق بإمكانية التوجه نحو التهرّم السكاني في تونس وتراجع نسبة الشباب والأطفال وهي مشكلة تعاني منها عدد من الدول الأوروبية منذ سنوات، ما جعلها تنزع نحو التشجيع على النسل والإنجاب حفاظا على ديمومة مجتمعاتها.

ورأى مدير الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، رضا قطعة، أن "برنامج التنظيم العائلي والصحة الإنجابية الذي اتبع منذ الستينيات في تونس مبني على أهداف ديمغرافية تتمثل في إرساء سياسة سكانية واضحة تشمل عديد المؤسسات المجتمعية وليس فقط العائلة على غرار مؤسسات التعليم والصحة، خاصة بعد دخول المرأة في معترك الحياة العملية".

 وأضاف قطعة: "هناك ارتباط كبير بين السياسة السكانية وبرامج التنمية في تونس التي عانت على مدى عقود من انتشار الفقر وعدد الولادات المتفاقم بمعدل 7 أفراد في العائلة الواحدة، فضلا عن الظروف الاجتماعية القاهرة والاحتياجات الاقتصادية، وكلها عوامل استوجبت برامج لتنظيم الأسرة والمباعدة بين الولادات وقد اتبع هذا البرنامج على مدى 15 سنة".

وتابع قطعة: "في الثمانينيات تغيرت الرؤية وأصبح هناك توجه نحو الإدماج بين صحة الأسرة والطفل باعتماد المباعدة بين مواعيد الإنجاب، ليتم الانتقال في التسعينات إلى مرحلة التنظيم العائلي باعتماد وسائل منع الحمل وهو برنامج قائم على الأمومة الأمنة قبل الولادة وبعدها".

وأكد مدير ديوان الأسرة أن "سياسة التنظيم العائلي المتبعة في تونس لها دور وتأثير كبير في مستوى الرفاهية العائلية وتتداخل فيها أسباب وعوامل عديدة من أهمها الظروف الاقتصادية للعائلة وخروج المرأة للعمل"، وأن "مسألة الإنجاب أصبحت قرارا ثنائيا بين الزوجين مخطط له وهو ما ساهم في تراجع معدل الخصوبة".

وقال إن "مؤمل(أمد الحياة) الحياة عند الولادة في تونس يصل إلى حدود 73 سنة عند الذكور  و77 سنة عند الإناث وهو عامل آخر يدخل في خيار تحديد النسل والتنظيم العائلي في تونس".

ومضى قائلا: "لابد اليوم من  المحافظة على المستوى الحالي للنمو الديمغرافي في تونس دون النزول عنه فهو معدل مهم لتجديد الأجيال مع المحافظة كذلك على معدل الزيادة الطبيعية للسكان الذي يتجاوز 1,1%"، مضيفا "النمو في تونس يعتبر طبيعيا وليست هناك مخاوف كبيرة من مسألة التهرم؛ فنسبة الشباب التونسي تمثل 30%، وأنه في صورة تغير الهرم السكاني وتوجهه نحو الشيخوخة أكثر فأكثر فإن ذلك سيتم ببطء كبير".

قطعة قال أيضا "برنامج تنظيم الأسرة كله مبني على حرية الإنسان؛ فالمرأة التونسية تتمتع بحرية اختيار مواعيد الإنجاب وحرية تحديد عدد الأطفال واستعمال الموانع وهو ما نصت عليه المواثيق الدولية خاصة وأن لذلك فوائد كبيرة على صحتها وصحة مولودها".

وفي السياق ذاته، قال الباحث في علم الديموغرافيا، حسان القصار: "نسبة من تتجاوز أعمارهم الـ60 عاما في تونس يبلغ حاليا 11,5%  وبعد أن كانت لا تتجاوز في الثمانينات 2% وأنها قابلة للارتفاع في حدود سنة 2025 لتصبح بمعدل 20%  وهو ما يشكل مخاوف من التهرم السكاني وارتفاع نسب الشيخوخة".

كما اقترح القصار مجموعة من الإجراءات قال إنه من الصعب على أي حكومة في تونس الآن تطبيقها بالرجوع إلى عوامل عددية منها السياسي والاقتصادي وهي تتمثل في "إجراءات تشجع على الإنجاب  كالترفيع في منح الأطفال ودعم رياض الأطفال من ميزانية الدولة أو من جمعيات خاصة وزيادة دعم الدولة للتعليم فضلا عن تشجيع الشباب على الزواج بتقديم منح وقروض ميسرة دون فوائد وتوفير مبيتات(أماكن للمبيت) للطلبة المتزوجين كما هو الحال في فرنسا وألمانيا".

ولفت إلى أن "عوامل الحداثة هي من يؤثر في السلوك الإنجابي لدى المرأة إضافة إلى تكاليف الحياة الباهظة"، واعتبر المتخصص في علم الديموغرافيا أن "تأثير وسائل منع الحمل تراجع في تونس وهو لا يمثل السبب الرئيس في تراجع الخصوبة مقارنة بعدد السكان".

وحدد الأسباب الأساسية في تراجع الخصوبة في "تراجع أو ارتفاع سن الزواج والأمر ذاتُه بالنسبة إلى حجم الولادات إضافة إلى العزوبية النهائية (أي عدم الزواج بالنسبة الى من تجاوزت أعمارهم الـ50 سنة) التي ارتفعت، فبعد أن كانت في السبعينات تمثل 1 ,5%، تقدر حاليا بـ9% فضلا عن ارتفاع نسبة المتعلمات خاصة لدى النساء وكذلك نسبة الناشطات المشتغلات وهي في حدود 32% اللاتي تطورت طموحاتهن ولم تعد مقتصرة فقط على مسائل الإنجاب والأطفال والزواج".

وأضاف: "تونس اليوم تعيش أمام خيارين إما أن تختار متطلبات الحداثة وتنزع نحو التهرم والشيخوخة أو أنها تعود إلى مجتمع تقليدي، وأن الإشكال الكبير المطروح هو تراجع مستوى الخصوبة إلى الحد الأدنى الذي يسمح بتجديد الأجيال وهذه هي ضريبة الحداثة".

وفي الإطار نفسه، أكدت عضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات (غير حكومية)، مفيدة الميساوي، أن "العوامل الاقتصادية والاجتماعية تفرض على العائلة التونسية تحديد النسل وهو قرار يتخذه الزوجين كما أنه مقترن بالحالة الاجتماعية والمقدرة الشرائية التي تعرف اليوم انهيارا كبيرا بسبب الارتفاع المشط للأسعار وانخفاض الرواتب والأجور التي لا تفي بالغرض".

واعتبرت أن "اتباع تونس لسياسات تحديد النسل والتنظيم العائلي منذ عقود جعلها متقدمة على عدد من البلدان العربية فتطور الحياة اقتضى التوجه نحو هذا الخيار".

كما ترى الميساوي أن "إعادة طرح مسالة تحديد النسل في تونس هو عثرة في مسيرة النساء وهي مسألة حسمها الزمن ولا يجب الرجوع إلى الوراء".

وفي تصريحات سابقة للأناضول، قال رضا قطعة إن "نسبة استعمال النساء التونسيات لوسائل منع الحمل تبلغ 62.5 %، وهي أعلى نسبة أفريقيا وعربيا". 

ووفق إحصاء 2014،  بلغت نسبة النساء 50.2 %، بينما بلغت نسبة الذكور 49.8 %، وهذه هي أول مرة تفوق فيها نسبة الإناث الذكور منذ أول إحصاء تم إجراؤه عام 1966.