شهدت ليبيا في الآونة الأخيرة اشتباكات حادة في طرابلس نتج عنها 96 قتيلا و306 جريحا ، وسط مخاوف من الشعب الليبي بتكرار اندلاع تلك الاشتباكات مرة أخري والتي وقعت بين قوّات اللواء السابع مشاة وهي قوات يتشكل أغلب قوامها من قبيلة ترهونة الليبية وأعلنت تبعيّتها لحكومة الوفاق الوطنيّ على الرغم من نفي رئيس المجلس الرئاسيّ لحكومة الوفاق فائز السراج، وأعلنت قوات "اللواء السابع" أنها القضاء على الميليشيات في طرابلس، وخاضت تلك القوات المعركة ضد الكتائب المسلّحة في طرابلس من ناحية أخرى وأبرزها كتائب ثوّار طرابلس والردع والقوّة المشتركة محور أبو سليم.

وأثناء اندلاع الاشتباكات أعلنت القبائل الليبيّة في مؤتمر اللقاء الوطنيّ العامّ للقبائل الذي عقد في مدينة ترهونة بليبيا في 15 أيلول/سبتمبر 2018 دعمها لقوّات اللواء السابع في معركة طرابلس وأنها ترغب في حل الميليشيات المسلحة وطردها من ليبيا وبالأخص طرابلس.

حاور "المونيتور" رئيس المجلس الأعلى لقبائل الطوارق مولاي قديدي عبر الهاتف يوم 24 سبتمبر 2018، وتتركز قبيلة الطوارق في الجنوب الليبيّ ويقدّر عددها بـ150 ألف نسمة، بخلاف 100 ألف آخرين يعيشون في مناطق متفرّقة في ليبيا وتسيطر تلك القبيلة على الحدود الجنوبية المشتركة بين ليبيا والجزائر وغرب النيجر.

تطرق الحوار إلى الأوضاع في الجنوب الليبي الذي يعاني من الفوضى وانتشار الميليشيات المسلحة والمقاتلين الأجانب، وفوضى الحدود الليبية في الجنوب وانتشار ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وموقف القبائل الليبية من الاشتباكات الأخيرة في طرابلس والرد الفعل المتوقع لتلك القبائل حال تكرار تلك الاشتباكات مرة أخرى.

المونيتور:  أوّلاً، ما موقف القبائل الليبيّة عموماً وقبائل الطوارق خصوصاً من الاشتباكات الأخيرة في طرابلس والتي توقفت؟


قديدي:  أوّلاً، ما يحدث في طرابلس من اشتباكات بين الميليشيات المسلّحة يهمّ كلّ الليبيّين على مختلف انتماءاتهم وليس سكّان المدينة فقط، فطرابلس عاصمة ليبيا، لذلك كقبائل ليبيا وخصوصاً قبائل الطوارق، نقدّر كلّ الجهود التي تبذل لمحاولات تجنيب الليبيّين عدم الاستقرار، وتحقيق استقرار ليبيا لا بدّ أن يبدأ من استقرار طرابلس.


المونيتور:  في مؤتمر اللقاء الوطنيّ العامّ للقبائل الذي عقد في 15 أيلول/سبتمبر 2018، أعلنتم بنوداً عدّة، منها حلّ الميليشيات، ومنحتم مهلة 3 أيّام، ثمّ عادت الاشتباكات مرّة أخرى ثم توقفت... فهل في حالة اندلاع الاشتباكات مرة سيكون هناك موقف عسكريّ للقبائل ضد الميليشيات؟


قديدي:  سأتحدّث باسم قبيلة الطوارق، يجب أن نؤكّد أنّ موقف معظم الليبيّين هو رفض الميليشيات، لذلك طالبت القبائل بحلّها وتسليم أسلحتها، لكنّ الدور العسكريّ ليس دور القبائل، فدورها اجتماعيّ من الدرجة الأولى في معظم المناطق، بعيداً عن الجوانب العسكريّة.


المونيتور:  هل تملك القبائل في ليبيا القدرة على حسم الأزمة الليبيّة وحلّ الميليشيات فيما بعد؟


قديدي:  هناك تواصل بين القبائل والعديد من المناطق في ليبيا، وسيتمّ طرح أزمة انتشار الميليشيات في طرابلس، وسنحدّد كمكوّنات اجتماعيّة ليبيّة الطريقة الأمثل لحلّ تلك أزمة انتشار الميليشيات المسلحة في طرابلس.

ويجب أن يعلم الجميع أنّ قضيّة انتشار الميليشيات هي قضيّة كلّ الليبيّين وليست قضيّة قبيلة بعينها، فتوحيد الموقف الليبيّ مطلوب ضدّ الميليشيات في كل أنحاء ليبيا وبالأخص طرابلس، ويجب أن يتحمّل المجتمع الدوليّ مسؤوليّة تلك الأحداث، لأنّ تدخّله بالقوّة في أحداث 11 شباط/فبراير 2011، وإسقاط حكم الرئيس الأسبق معمّر القذّافي هو السبب لما وصلت إليه ليبيا. وبعد تفاقم الأزمة واشتعال الحرب الأهليّة، نرى أنّ المجتمع الدوليّ يتدخّل باحتشام، فالمجتمع الدوليّ يدير الأزمة ولا يريد أن يحلّها.


المونيتور:  لماذا أعلنت القبائل في مؤتمر اللقاء الوطنيّ العامّ للقبائل تأييدها قوّات اللواء السابع مشاة الذي أعلن المتحدّث باسمه اللواء سعد الهمالي تبعيّته لحكومة الوفاق الوطنيّ، وخاض هذا اللواء معركة ضدّ الميليشيات المسلّحة التي تسيطر على طرابلس بهدف حلّها؟


قديدي:  بالفعل، هناك وفد من قبائل الطوارق شارك في هذا المؤتمر، لكن من وجهة نظري، فإنّ الدعم لا بدّ أن يأتي بعد معرفة خلفيّات اللواء السابع وتاريخه وأهدافه في المعركة في شكل دقيق، فالمعركة حسّاسة ولا يجب تأييد طرف من دون تدقيق.


المونيتور:  ما دور المجلس الأعلى لقبائل الطوارق في حلّ الفراغ الأمنيّ في الجنوب؟


قديدي:  لا حد ينكر معاناة الجنوب من الفراغ الأمنيّ، فعلى الرغم من تعدّد الحكومات والجيوش في ليبيا، إلّا أنّها فشلت في بسط نفوذها في الجنوب وتحقيق الاستقرار الأمنيّ، لذلك تلعب المكوّنات الاجتماعيّة من قبائل الجنوب دوراً في توحيد الكلمة، وتتواصل قبيلة الطوارق مع قبائل الجنوب ومدنه، حتّى يكون للجنوب كلمة موحّدة، لذلك سنعقد اجتماعات عدّة مع قبائل الجنوب لحلّ أزماتنا، وأبرزها مشكلة الانفلات الأمنيّ، وهناك مقترح أن تقوم القبائل بالتأمين الذاتيّ لأنفسنا وأن تحلّ القبائل محلّ الدولة في الدور التأمينيّ بعد غيابها في الجنوب.


المونيتور:  يعاني الجنوب من انتشار المقاتلين الأجانب فيه، ما دور القبائل تجاه تلك الأزمة؟


قديدي:  لا بدّ أن نؤكّد أنّ هناك مجموعات مسلّحة من حركات التمرّد التشاديّة والسودانيّة وغيرها في جنوب ليبيا، وأبناء القبائل الليبيّة يعانون من تلك المجموعات الأجنبيّة المسلّحة، بسبب ارتكابها جرائم الخطف والسلب والنهب. في البداية، اعتقدنا أنّ هناك قبائل تدعمها فتواصلنا معها، لكنّها أنكرت أيّ دعم لها أو السيطرة عليها، فتلك المجموعات المسلّحة الأجنبيّة لا تحتاج إلى دعم أيّ قبيلة، فهي موجودة بقوّة السلاح لامتلاكها أسلحة ثقيلة وتستهدف كلّ القبائل في الجنوب من أجل المال.


ولا نملك كقبائل دوراً في مواجهة تلك المجموعات، فهذا دور الدولة، لكن على أرض الواقع، لا نلمس أيّ دور للدولة لإخراجها من الجنوب، فلو تمّ طردها سيستقرّ الجنوب أمنيّاً، وهناك لقاءات مع قبائل الجنوب للاتّفاق على كيفيّة مواجهة تلك الأزمة بأيّ شكل.


المونيتور:  هناك أزمة يعاني منها كثير من أبناء قبائل الطوارق حيث لا يملكون بطاقات هويّة وأوراق إثبات شخصيّة، فما هو أساس الأزمة وكيف يتعامل المجلس معها؟


قديدي:  بالفعل، هناك 17 ألف أسرة من قبائل الطوارق لا تملك بطاقات هويّة شخصيّة، وتمّ اتّخاذ كلّ الإجراءات وتقديم كلّ الاوراق التي تثبت أنّ أفرادها ليبيّون لمنحهم الجنسيّة منذ عام 2011 وحتّى الآن، ولا نجد من الحكومات المتعاقبة سوى التسويف وعدم حسم الأزمة، ولا نعلم أسباب هذا التعنّت، ممّا يؤكّد استهداف قبيلة الطوارق والخوف من تمثيلها بقوّة في الجوانب السياسيّة.


والمجلس الأعلى لقبائل الطوارق يناضل من أجل هذا الحقّ، واتّخذنا كلّ الإجراءات، وذهبنا إلى الجهات الرسميّة كافّة، وشكّلنا وفداً لمقابلة رأس السلطة التشريعيّة وهو رئيس مجلس النوّاب المستشار عقيلة صالح في أبريل 2015 ، وعرضنا عليه المشكلة، ووعدنا بحلّها، كما قدّمنا له مذكرة بتفاصيل الأزمة ولكن لم يردّ علينا.


المونيتور:  يشهد الجنوب مواقف متباينة من الكيانات السياسيّة والعسكريّة في ليبيا مثل حكومة الوفاق الوطنيّ ومقرّها طرابلس والحكومة الموقّتة ومقرّها البيضاء ومجلس النوّاب في طبرق والجيش الليبيّ الوطني بقيادة القائد العامّ المشير خليفة حفتر، فما موقف قبائل الطوارق من تلك الكيانات؟


قديدي:  لدى ليبيا العديد من الكيانات السياسيّة والعسكريّة، لكنّها لن تعاملنا كليبيّين لهم حقوق تجاه الدولة، فهناك تجاهل لمطالبنا وخدماتنا وتهميش وإقصاء لنا في عدد من القضايا، أبرزها نقص الخدمات في الجنوب، لذلك قرّرت قبائل الطوارق تشكيل وفد لمقابلة ممثّلي تلك الكيانات كافّة، مثل حكومة الوفاق الوطنيّ والحكومة الموقّتة والمشير خليفة حفتر، وسنحدّد موقفنا من كلّ كيان بعد الزيارة.


المونيتور:  يعتبر الجنوب الليبيّ أبرز بوّابة للهجرة غير الشرعيّة إلى أوروبّا ودول جوار ليبيا، فما ردّك على الاتّهامات الموجّهة إلى قبائل الجنوب بأنّها تساهم في زيادة تلك الأزمة والتربّح منها؟


قديدي:  أوّلاً، المتّهم بريء حتّى تثبت إدانته، ومن يرى ذلك عليه ذكر دليل على تورّط القبائل في تسهيل الهجرة غير الشرعيّة، لكن يجب أن نعترف أنّ الجنوب الليبيّ يشهد هجرة غير شرعيّة لأعداد مهولة، بسبب عدم انضباط الحدود، فلا رقيب عليها والأجهزة المكلّفة بحمايتها لا تؤدّي دورها في الشكل الأمثل، وأصبحت المجموعات الأجنبيّة المسلّحة هي التي تتحكّم في الحدود وتدير الهجرة غير الشرعيّة للأراضي الليبيّة، وربّما تكون البطالة دفعت قليلاً من أبناء الطوارق والقبائل إلى العمل في الهجرة غير الشرعيّة، فليس لديهم خيار سوى الأعمال غير المشروعة أو الموت، لذلك تواجد الدولة بخدماتها الأمنيّة والاجتماعيّة سيحمي ليبيا من مخاطر الهجرة غير الشرعيّة التي تتمّ عبر الجنوب.


المونيتور:  هل ينوي المجلس الأعلى لقبائل الطوارق أن يكون له دور في المصالحة بين القبائل في الجنوب؟


قديدي:  هذا أمر مؤكّد، فالطوارق ليست لديها مشكلة مع أيّ قبيلة أو مدينة، وقبائل الطوارق مؤهّلة للعب دور رئيسيّ في تحقيق المصالحة في الجنوب، وشكّلنا وفداً للقاء كلّ القبائل في الجنوب لتحقيق المصالحة، وتشكيل جسم يوحّد كلمة الجنوب، ثمّ سيلتقي هذا الوفد القبائل الليبيّة كافّة، وذلك لتوحيد موقف القبائل واستعادة دورها في ليبيا للمشاركة في حلّ الأزمة الليبيّة.


المونيتور:  ما هو موقف الطوارق من الانتخابات التي أعلنتها بعثة الأمم المتّحدة؟ وهل ترى أنّ الانتخابات والحلول السياسيّة تحقّق انفراجاً في الأزمة الليبيّة؟


قديدي:  وصلنا إلى قناعة مؤكّدة أنّ الحرب بين الليبيّين لن تأتي بثمارها لكنّها تزيد الدماء وتجبر الآلاف إلى النزوح والهروب من أوطانهم خوفاً من الرصاص، لذلك ندرك أنّ الانتخابات ستحسم الصراع على السلطة، وعلى الجميع أن يقبلوا بحلّ الانتخابات.

وأعلنّا كقبائل الطوارق المشاركة في الانتخابات والترحيب بها كحلّ للأزمة الليبيّة، لكن لدينا أزمة وهي عدم مشاركة 17 ألف أسرة من قبيلة الطوارق بسبب عدم امتلاكها بطاقات هويّة، فهناك هدف استبعادها من المعركة الانتخابيّة، خوفاً من تأثير قوّتها العدديّة في نتائج الانتخابات، لكن لدينا أمل أن يتمّ حلّ الأزمة ويشارك هؤلاء كمواطنين ليبيّين في الانتخابات الليبيّة. 


*نقلا عن موقع "المونيتور"